عون على دَرب ترامب؟

راشد فايد*

يَستَصعِبُ اللبنانيون أن يُصدّقوا أن رئيسهم الحالي، ميشال عون، أقل تمسَكًا بكرسي بعبدا مما كان عليه نظيره الأميركي دونالد ترامب،  حيال البيت الأبيض الذي أخلاه في الموعد الدستوري وترك لجمهوره أن يقتحم مبنى الكونغرس، في كانون الثاني (يناير) 2021، تحت عنوان مطالبته شعبيًا بالبقاء رئيسًا لولاية ثانية.

فكلما أكد الرئيس الرقم 13 للجمهورية بنفسه، أو عبر المصادر، أنه لن يبقى ثانية في القصر الجمهوري بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل والأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، زادت المخاوف مما يُخبّئه وحلفاؤه لما بعد ذلك، فهو، وهم، بارعون في التصويب على أمر، واستهداف غيره. ألم يحاول، وجماعة 8 آذار، إقناعنا بأنه الرئيس القوي الآتي ليعم “الإصلاح والتغيير” الوطن، ثم أبان استماتته على التسويات سواء مع الرئيس سعد الحريري، أو الدكتور سمير جعجع.

ما يزيد الظن سوءًا أن “سوابق” الرئيس مع الدستورلا تشهد له بالبراءة، وهو القائل للإعلام سنة 2007 أنه “يكره التلاعب بالنصاب”. لم يمنعه ذلك، بعد 9 سنوات، عن تعطّيل انتخاب رئيس للبلاد سنتين ونصفًا، ومنع اكتمال نصاب 45 جلسة لمجلس النواب، رافقها احتلال وسط بيروت لسنتين ونصف ذاتها، لهذا الهدف، ولهدف مضمر آخر، هو محو ذكر رفيق الحريري الذي أعاد إعماره، وإخراج الحياة التجارية، والحيوية الليلية، إلى مناطق أخرى، فكان أن حرم البلاد كلها من نبض كان يُمَتّن بنية الإقتصاد.

انتُخِبَ سليمان فرنجية الجد رئيسًا للجمهورية اللبنانية من 1970 إلى 1976، بفارق صوت واحد (50 ضد 49) وجرى التداول باسمه مرشحاً تدعمه سوريا في العام 1988 قبيل ولادة “اتفاق الطائف” وكان عمره حينها 78 سنة، فشكك عون في قدراته على إدارة شؤون البلاد إذا انتُخِب، فيما هو، شخصيًا، تولى الرئاسة في 2016 بعمر 83 سنة.

ليست هذه الأمور وحدها ما قال به “الرئيس القوي” وقام بعكسه، أو نادى به صهره جبران باسيل، ونفّذا نقيضه: عطّلا تعيين الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية بذريعة غياب “التوازن الطائفي” الذي تمّ التغاضي عنه في مباريات وزارة الخارجية وغيرها لأن تغييبه أفاد في الاتجاه المعاكس.

كذلك عطّلا أيّ حلّ لأزمة الطاقة، حتى ولو هبة أو قروضًا ميسّرة منذ أكثر من 12 سنة وإلى اليوم. وفي هذا العهد نامت الاستراتيجية الدفاعية في غياهب النسيان، فيما المسألة الاقتصادية الاجتماعية تفاقمت تحت عنوان أن “حكومة العهد الأولى لم تكن حكومة الرئيس”، وأن حكومته الفعلية هي التي ستنبثق عن الانتخابات النيابية، وقد جرت مرتين ولم تنتج مواجهة!

والحال هذه، اكتمل نصاب الإنجازات، تحت عنوان “الإصلاح والتغيير” الشهير، بأم المشاكل وهي الكهرباء التي سبق الوعد بها دخول عون قصر بعبدا، وستكون بين مودعيه فيه ليل 31 تشرين الأول (أكتوبر) المنتظر بعد مساكنة بينهما عمرها ينوف على 12 سنة بمباركة الصهر.

في كلمته الأخيرة قبل ترك البيت الأبيض، في كانون الثاني 2021 قال ترامب إن “حركتنا بالكاد بدأت”، ووصف الإعلام تحرّكَ مناصريه بأنه كان أشبه بألعاب نارية، لم تحوّل واشنطن إلى درعا أو طرابلس الليبية أو صنعاء. لكن، هل يلتزم عون بمغادرة بعبدا من دون “ألعاب نارية” ولو مع الفارق بين بيروت وواشنطن، وبين الحزب الجمهوري وبين “التيار الوطني الحر”؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى