لهذه الأسباب لن تتخلى إيران عن الأسلحة النووية

كرّر دونالد ترامب في الأسبوع الفائت “شعاراً” أميركياً: “إيران لن تمتلك أبداً سلاحاً نووياً”. لكن في الوقت المناسب ستفعل ذلك، لأنها تستطيع، ولأنها لطالما رأت أن القنبلة هي مصلحة وضمانة وطنية بالنسبة إليها.

الإمام آية الله روح الله الخميني: هل حقاً أصدر فتوى ضد استخدام أي شيء نووي؟

بقلم جوزيف جوفي*

بدأ كل شيء مع صديقنا العزيز، الشاه محمد رضا بهلوي، الذي قام بتركيب مفاعل أبحاث صغير قدّمته له الولايات المتحدة في العام 1967. وبعد سبع سنوات، طلب أربعة مفاعلات للطاقة من شركة “سيمانز/آي إي جي” (Siemens / AEG) الألمانية. ثم انتقل بعدها إلى وضع دورة وقود كاملة من الإنتشار الغازي لليورانيوم للتخصيب، بالإضافة إلى إعادة معالجة البلوتونيوم (والذي هو الطريق الآخر للوصول إلى صنع القنبلة). كان الأمر كله يتعلّق بتوليد الكهرباء، بالطبع – في بلد غمره النفط.
في العام 1974، إعترف رضا بهلوي لصحيفة “لوموند” الفرنسية: “قريباً أكثر مما يُعتَقَد”، سيكون لدى إيران “قنبلة نووية”. من جهتها وافقت هيئات المراقبة الأميركية على ذلك. إن برنامج الطاقة الهائل المُكوَّن من 23 جيغاواط سيكون قادراً على إنتاج ما يكفي من المواد المُستَخدَمة في صناعة القنابل لما يصل إلى 700 رأس حربي سنوياً، وهو تنبؤ جامح، ولكنه قاتم بدرجة كافية لتركيز وخضّ العقول.
بلا شك، فقد لعب جنون العظمة دوراً. مثل الملوك القدامى في بلاد فارس، فإن “الشاهنشاه” أو “ملك الملوك”سيدفع إيران إلى “بوابات الحضارات العظيمة”. أضف إلى ذلك الأموال غير المحدودة تقريباً من النفط، والذي ارتفع سعره بمقدار 12 ضعفاً في سبعينات القرن الفائت. لكن كانت هناك أيضاً تهديدات من جميع النواحي: العراق، العدو اللدود، يترصّد في الجوار؛ الإتحاد السوفياتي يلقي بظلاله جنوباً. في الشرق، فجّرت الهند أول قنبلة نووية في العام 1974، وستتبعها باكستان قريباً بالتأكيد.
إن الهدف من هذه القصة الموجزة هو أن الجغرافيا تتفوّق على الإيديولوجيا في نظام الدولة. لذلك بعد سقوط الشاه وتولّي الخُمينيين الحكم، فاقم الحماس الثوري من تعقيد منطق السياسة الواقعية التي اتبعها رضا بهلوي. وانتشرت رواية أن آية الله الخميني أصدر فتوى ضد كل الأشياء النووية بعد الإطاحة بنظام الشاه في العام 1979. إذا كان الأمر كذلك، فإن الأمر الزجري كانت مدة صلاحيته قصيرة للغاية. هاجم العراق إيران في العام 1980 وشن أطول حرب في الشرق الأوسط الحديث، وهي حرب ربما تسببت في وفاة مليون شخص مع نهايتها في العام 1988.
فتوى أم لا، كانت هذه هي النقطة التي استأنف منها آيات الله بسلاسة المسار الذي وضعته الولايات المتحدة بشكلٍ ملتوٍ لرضا بهلوي. كانت الأسلحة النووية هدفاً لردع صدام حسين مرة واحدة وإلى الأبد. وفقاً ل”تقرير دولفر” (Duelfer Report) في أعقاب الغزو الأميركي في العام 2003، إعتمد صدام استراتيجية متطابقة، حيث كان يبحث عن أسلحة نووية لترويع وردع الشاه ثم آية الله. كانت إيران هي الهدف وليس إسرائيل.
مع رحيل صدام، وجد الخمينيون سبباً أفضل لتسريع برنامجهم للأسلحة النووية. الآن صار الغرض هو ردع الشيطان الأكبر. بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، ألقت الولايات المتحدة بثقلها وحرّرت الكويت من احتلال الجيش العراقي في العام 1990، وهاجمت أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، ثم غزت العراق في 2003. وللتمهيد، فإن الأسلحة النووية الإيرانية تخيف الشيطان الأصغر، إسرائيل. وكمكافأة جيوسياسية أبضاً، ستنشر الأسلحة النووية مظلة لتحمي التوسع الثوري الإيراني. أولاً، ستُعمّق إيران جذورها في العراق، وهو حصن صعّدته الولايات المتحدة بسهولة. ثم، في عملية كمّاشة، ستزوّد “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في غزة لتطويق إسرائيل. وهكذا ستشتري طهران لنفسها حدوداً على البحر المتوسط. بعد العام 2011، أكمل الحرس الثوري الجسر البري إلى بلاد الشام من خلال التمترس في سوريا.
لا توفّر الأسلحة النووية ردعاً وجودياً فحسب، بل توفر أيضاً منافع غير مباشرة للهجوم. هل تريد طردنا من بلاد المشرق العربي وسوريا واليمن بمهاجمتنا بشكل تقليدي؟ أو تريد إسقاط نظامنا؟ فكّر مرة اخرى. إذا دُفِعنا إلى اليأس، وإذا لم يكن لدينا شيء نخسره، فيمكننا على الأقل إلحاق الضرر الكوني بك. وحتى أقل بكثير من نهاية العالم، فإن الأسلحة النووية الإيرانية ستتغلب على الأقل على الخصوم الإقليميين مثل إسرائيل أو المملكة العربية السعودية.
النقطة المهمة هي أن الأسلحة النووية مفيدة. ما بدأه الشاه، أتقنه “ثوار” الله بجدّ. فلماذا تتخلى طهران عن أيٍّ من هذه الأصول القيِّمة – أي الضمان الذي يوفر التأمين على الحياة ومظلة للهيمنة، مع منح مكافأة إضافية جانباً؟
إذا أراد دونالد ترامب أن ينفّذ حقيقة تحذيره من أن إيران “لن يكون لديها سلاح نووي مطلقاً”، فسيتعيّن عليه الذهاب إلى الحرب. لن تنجح العقوبات، على الرغم من أن صادرات النفط الإيرانية تضاءلت إلى 400,000 برميل يومياً، مقابل المتوسط التاريخي البالغ 3 ملايين. إيران معزولة عن النظام المالي الدولي. التضخم والبطالة والنقص في المواد في ارتفاع. مع ذلك، تذكّر أن الحرب الإقتصادية تشوّش الناس وتزعجهم، وليس النظام أو الجيش. سيبقى النظام في المقدّمة، بعد القضاء على كل جماعة معارضة منذ العام 1979. عانت ألمانيا النازية من أسوأ العقوبات على الإطلاق: القضاء على مدنها وصناعاتها، ومع ذلك لم تحدث ثورة فعالة. تطلّب الأمر من “الجيش الأحمر” إحتلال كل قدم مربع من برلين قبل أن ينتحر هتلر.
علّقت طهران برنامجها النووي لفترة وجيزة فقط رداً على الضغوط. بعدما “أُنجِزت المهمة”، (كما أعلن الرئيس السابق بوش)، في نيسان (إبريل) 2003، لا شك أن النظام قد شعر بالإهتزاز حقاً، بالنظر إلى أن آلة الحرب الأميركية المنتصرة صارت في الجوار. ولكن سرعان ما أدرك حكام إيران نقاط الضعف لدى جيش جورج بوش، لا سيما عندما بدأ التمرد في تشرين الثاني (نوفمبر). منذ ذلك الحين، أدرك الإيرانيون أن أميركا أوباما وترامب تنبح كثيراً وتعضّ قليلاً. في الواقع، من المرجح أن يتوقف ترامب عن التغريد على “تويتر” بدلاً من بدء حرب حقيقية في الشرق الأوسط.
لكن الحرب الحقيقية ستكون ضرورية من أجل هزيمة إيران النووية. لن يكون إسقاط بضع قنابل بشكل رمزي كافياً. أولاً، سيحتاج الأمر إلى تدمير شبكة الدفاع الجوي في البلاد وعِقَدِها الخاصة بالتحكّم والقيادة. ثانياً، يجب أن تُدَمَّر وتُمحا القوات الجوية والصاروخية الإيرانية. أخيراً، سيكون من الضروري سحق البطاريات الساحلية وإغراق القوات البحرية التي تُهدّد حركة الناقلات في الخليج. وقبل أن تبدأ الأعمال العدائية، ينبغي وضع الكثير من الرجال والأجهزة لردع أو هزيمة “الحرب غير المتماثلة”، على سبيل المثال، ضد المملكة العربية السعودية أو إسرائيل. (قد يُمطر “حزب الله” الآلاف من الصواريخ على الدولة اليهودية).
مع إنجاز كل هذا، ينبغي التوجه إلى المواقع النووية – حوالي 50 منها. لقد تصرفت إيران وفقاً لمبدأ “الإختباء، والتصلّب والتخزين”. بعض الأهداف ببساطة لا يعرف المخططون مكانه أو أي شيء عنه. أخرى، كما هو الحال في فوردو، محمية بـ200 قدم من الصخور. ومع ذلك، توجد أخرى في طهران أو أصفهان، في المراكز السكانية الكبيرة التي تنطوي على خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وبالتالي تردع الهجوم. أخيراً، تتضخم القائمة المستهدفة من خلال التكرار المُتعدّد. ستكون المهمة أكثر صعوبة بمئة مرة من الغارات الإسرائيلية الداخلية والخارجية ضد مفاعل “تموز” (أوأوزيراك) العراقي في العام 1982 ومركز “الكبر” السوري في العام 2007.
بعدما وعد “بعدم شنّ أي حرب” في الشرق الأوسط، من غير المحتمل أن يقوم ترامب بشن الحملة اللازمة لإبادة شبكة إيران النووية الضخمة. وكذلك الأمر مع إسرائيل، على الرغم من خطابها المخيف. تستطيع الولايات المتحدة، لكنها لن تفعل ذلك؛ إسرائيل، على الرغم من نفوذها، تريد، لكن لا يُمكنها القيام بذلك.
وللأسف، الإيرانيون يعرفون ذلك.
ما هو الإتجاه الصعودي، وفقاً للتلميح أعلاه، الذي يُمكن أن يكون هناك لكل هذا؟
ما يلي هو تخمين، على الرغم من تجذّره في التاريخ. تذكّر أن البرنامج الإيراني كان الأطول عمراً على الإطلاق. إمتد على مدى عقود عدة من دون أن ينتج فعلياً قنبلة، في حين أن البرامج السرية في إسرائيل والهند وباكستان منحت هذه الدول وضعاً نووياً في وقت قصير نسبياً. لذلك رغم كل المزايا التي تتمتع بها الأسلحة النووية بالنسبة إلى طهران، هناك مفارقة الحذر. ربما كان النظام يحسب أنه من الأفضل له أن يكون لديه قنبلة تقريباً من أن يكون لديه الشيء الحقيقي. أن يكون لديك كل شيء في مكانه له الكثير من فوائد القوة الفعلية من دون تحويل إيران إلى منبوذ عالمي، أو إلى هدف للتدمير.
إذا كان هذا هو الحال (إذا كبيرة)، قد يتبع ذلك حجة مؤيدة للمفاوضات والضغوط والعقوبات والحوافز. إذا فشلت هذه التقنيات التي تحترم الزمن، فينبغي عندها أخذ طريق تقليدي آخر: التحالفات والإحتواء، عناصر موجودة بالفعل في الشرق الأوسط. مثال على ذلك إعادة التنظيم الاستراتيجي الذي دفع إسرائيل والدول السنية إلى تحالف غير مكتوب. أخيراً، أضف إلى القديم بعض الأساليب الجديدة جداً، مثل نوع الحرب السيبرانية التي تتقنها جيداً وتمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل. الأكثر شهرة في هذا النوع من الحروب هو فيروس “ستاكسنيت” “Stuxnet” الذي عطل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
لكن لمجرد إلقاء كلمة “لا أسلحة نووية، أبداً” بأسلوب دونالد ترامب، فهذا لن ينجح. وبعيداً من الحرب الضخمة، فإن أفضل أمل يكمن في مجموعة من السياسات مثل تلك المقيدة للتو والتي ستُقنع الإيرانيين بعدم عبور الحد الأدنى من قوة شبه نووية إلى واحدة حقيقية.
يتطلب نزع سلاحهم نوعاً من الحرب الذي لن يتبنّاه أو يطلقه ترامب، ليس الآن، وليس في ولايته المقبلة، إذا عاد.

• جوزيف جوفي يعمل في مجلس تحرير المجلة الأسبوعية الألمانية “دي تسايت”. وهو أيضاً زميل في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، وعضو في اللجنة التنفيذية لـمجلة “ذا أميركان إنترست” (The American Interest).
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى