من الشيخ جرّاح إلى سِلوان، التطهيرُ العِرقي الإسرائيلي جارٍ من دونِ عقاب

أسامة الشريف*

لم يتوقّف التهديد بالإخلاء القسري للسكان الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية المحتلة فيما تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية في حكمها النهائي، والمُتَوَقَّع قريباً. لقد جذبت القضية رفيعة المستوى الإنتباه الدولي بفضل مؤثّرين على وسائل التواصل الاجتماعي والموقف الشجاع لسكان الحي. أدّى التهديد بالإخلاء وتوغّل المستوطنين اليهود في المسجد الأقصى تحت الحماية الإسرائيلية خلال شهر رمضان إلى مواجهة دامية بين الفصائل الفلسطينية المُسلّحة في غزة وإسرائيل.

بينما تستمر الهدنة الهشّة في وقف خطة إسرائيل لهدم عشرات المنازل في سِلوان، وهي بلدة تقع على تخوم مجمع المسجد الأقصى، فإن خَرقَها قد يؤدي إلى اشتباكٍ آخر وإطلاق العنان لموجات من الاحتجاجات في جميع أنحاء الضفة الغربية. منذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية وضمّتها في ما بعد، فإنها تَتَّبِعُ سياسة التطهير العرقي التي تهدف إلى إجبار السكان العرب في المدينة على المُغادرة. إن فرض غراماتٍ وضرائب باهظة، وحرمان الفلسطينيين من تصاريح البناء، مع معاقبة أولئك الذين يُوَسّعون مبانيهم القائمة من دون تصاريح من خلال هدم المبنى بأكمله، هي جوانب هذه السياسة.

أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه في العام 2020 تمّ رفع دعاوى إخلاء ضد ما لا يقل عن 218 أسرة فلسطينية في القدس الشرقية، بدأ معظمها من قبل منظمات المستوطنين، الأمر الذي يُعرِّض 970 شخصاً، من بينهم 424 طفلاً، لخطر التهجير. يستخدم المستوطنون القانون الإسرائيلي لعام 1970 الذي يسمح لليهود باستعادة الممتلكات التي فقدوها خلال حرب العام 1948، وهو حقٌّ حُرِمَ منه الفلسطينيون الذين فقدوا ممتلكاتهم في الصراع نفسه، بمَن فيهم المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل. إنه القانون نفسه الذي يتم استخدامه حالياً للمطالبة بممتلكات الفلسطينيين في الشيخ جرّاح وسِلوان. وهناك الآن 65 عائلة في الشيخ جراح مُهَدّدة بالإخلاء، فيما تم فعلياً طرد ما لا يقل عن 10 عائلات في ذلك الحي.

قضيّة بلدة سِلوان هي أوسع وأكثر خطورة. تريد إسرائيل هدم عشرات المباني لإقامة حديقة توراتية. منذ العام 1967 تم إخلاء 74 عائلة على الأقل في سِلوان، لكن التهديد بالهدم الفوري سيؤثر الآن في 20 منزلاً بينما تدرس المحاكم الإسرائيلية دعاوى الملكية التي قدّمتها مجموعة مستوطنين يهودية والتي يمكن أن تؤثر في 86 عائلة فلسطينية. ويقطن في البلدة 50 ألف فلسطيني لا يحملون جنسية إسرائيلية.

من المهم أن نلاحظ أن خطوة إجلاء وطرد الفلسطينيين من منازلهم، لا سيما في المناطق القريبة من الحرم الشريف أو ما تسميه إسرائيل ب”جبل المعبد”، تُحرّكها دوافع سياسية وإيديولوجية ولا علاقة لها بالإجراءات القانونية. إن المحاكم الإسرائيلية تُزَوِّدُ عمليات الإخلاء غير القانونية هذه بغطاءٍ قانونيٍّ، على الرغم من أن هذه الإجراءات هي ببساطة انتهاكٌ للقانون الدولي.

الأمرُ المثير للغضب هو أن المجتمع الدولي لا يفعل الكثير لإدانة جرائم الحرب هذه، وفي كثيرٍ من الحالات يغض الطرف وينظر باتجاهٍ آخر بينما تقوم إسرائيل ببناءِ وتوسيعِ المستوطنات غير القانونية في القدس الشرقية والضفة الغربية على الأراضي الفلسطينية المَسلوبة. إن القول بأن الأمم المتحدة وغالبية الحكومات تعتبر هذه المستوطنات غير شرعية لا يكفي. أما عمليات الإخلاء القسري فهي مستمرة منذ سنوات ولكنها كانت على مستويات فردية وعلى نطاقٍ أصغر. واليوم، تُهدّدُ إسرائيل بتنفيذِ عملياتِ إخلاءٍ جماعي وهدمٍ شاملٍ لمنازل الفلسطينيين.

ركّزت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وغزة الانتباه على محنة سكان الشيخ جرّاح وحصلت إسرائيل على نصيبها العادل من التغطية الإعلامية السلبية. لكن نشطاء حقوقيين يقولون إن إسرائيل تأخذ الآن وقتها وتنتظر تحوّل اهتمام وسائل الإعلام إلى مكانٍ آخر وقضية أخرى قبل أن تعود إلى تنفيذ المزيد من عمليات الإخلاء والهدم.

الهدفُ واضحٌ ويدفعه مزيجٌ خطيرٌ من إيديولوجية اليمين المتطرف والتعصّب الديني. السياسيون الإسرائيليون من اليمين المتطرف وجماعات المستوطنين اليهود يُريدان تهويد المدينة المُقدّسة ومحيطها، والشيء الوحيد الذي يقف في طريقهما هم السكان الفلسطينيون. من أجل صمود واستمرار هؤلاء، فهم يحتاجون إلى المساعدة لتحمّل الضغط والتخويف لعرض قضيتهم في المحاكم ولفت انتباه العالم إلى مصيبتهم.

لسوء الحظ، فإن الصناديق والهبات الموجودة، ومعظمها غير حكومية، لا يُمكنها أن تفعل الكثير ومواردها محدودة. هناك حاجة إلى إنشاء هيئة بارزة مرئية تهدف إلى دعم صمود الفلسطينيين في المدينة المُقدّسة.

ولكن حتى ذلك الحين، يُمكن أن تتفكك هذه الجهود فيما تواصل إسرائيل التطهير العرقي للفلسطينيين في القدس الشرقية مع الإفلات من العقاب. لا تستطيع الحكومات الغربية التحدّث عن دعم حلّ الدولتين، والذي يشمل الانسحاب الإسرائيلي من القدس الشرقية المحتلة، بينما لا تقول شيئاً عندما تُنتَهَكُ القوانين والمواثيق الدولية بشكلٍ يومي. إن ما يُسمى بالاستثناء الإسرائيلي، حيث يتم التسامح مع إسرائيل لفشلها في احترام وتنفيذ القوانين والقرارات، يجب أن ينتهي، لكن ذلك لن يحدث حتى تكون هناك مُساءَلة.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى