“أوبك +” وشَبَحُ النفط الإيراني

إجتماع تموز (يوليو) الأخير الذي عقده منذ أيام كارتل “أوبك +” الذي يضم 23 دولة، بما فيها 13 دولة من منظمة “أوبك”، لم يُخيّم عليه فقط شبح النفط الإيراني بل عدم موافقة دولة الإمارات على توزيع الحصص السائد.

وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود: يطالب بالعقلانية

نيكولاي كوزانوف*

عشية اجتماع “أوبك +” في تموز (يوليو) الجاري، كان من المُتوَقَّع أن يؤدّي تهديد عودة إيران الوشيكة إلى سوق النفط إلى إجبار المنظمة على إعادة النظر في خططها الداعية إلى زيادة الإنتاج لتقليل الكميات التي ستُطرح في السوق في النصف الثاني من العام 2021. كما كانت هناك مخاوف من أن “العامل الإيراني” من شأنه أن يُشعِل صراعاً جديداً بين السعودية، التي قد تستخدم تهديد براميل إيران الإضافية لتبرير ضبط نمو الإنتاج من قبل “أوبك +”، وروسيا، التي تصرّ قيادتها على زيادة الإنتاج. وبدلاً من ذلك، اندلعت أزمة جديدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي رفضت دعم فكرة تمديد الاتفاقية الحالية بشأن قيود الإنتاج حتى نهاية العام 2022 وكذلك الموافقة على الزيادة التدريجية في إنتاج “أوبك +” بمقدار 2 مليوني برميل في اليوم حتى نهاية العام 2021. ومن المُثير للاهتمام أنه تبيّن أن العامل الإيراني غير ذي صلة إلى حدٍّ ما بالنزاع: لقد شعرت قيادة الإمارات ببساطة بالإحباط من حقيقة أن عدم رضاها الصريح بالنسبة إلى توزيع حصص الإنتاج قد تمّ تجاهله من قبل الأعضاء الآخرين في “أوبك +” لأكثر من سنة.

شبح النفط الايراني

منذ انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة وبداية مفاوضات فيينا بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمعروف ب”خطة العمل الشاملة المشتركة”، كانت إيران مركز الاهتمام في العديد من المناسبات. ولم يكن الحديث عن مستقبل سوق النفط استثناءً في هذا الصدد. وقد تمّ تحديد ذلك من خلال عوامل عدة، بما فيها:

  • تَوَقّع المجتمع الدولي الخاطئ بأن خطة العمل الشاملة المشتركة ستعود بنهاية أيار (مايو) إلى منتصف حزيران (يونيو)، مما أدّى إلى رفع الحظر النفطي عن إيران وإطلاق ملايين عدة من براميل النفط الإيراني في السوق.
  • تكهّنات المسؤولين الإيرانيين ومجتمع الخبراء حول استعداد الدولة لرفع إنتاج النفط من 2.45 مليوني برميل في اليوم (إعتباراً من أيار (مايو) 2021) إلى 3.8 ملايين برميل يومياً (مستوى ما قبل العقوبات) أو حتى تجاوز هذا المستوى في غضون 90 يوماً كحدٍّ أقصى.
  • معلوماتٌ مُثيرة للجدل حول احتياطات النفط الكبيرة التي تراكمت لدى الإيرانيين في مرافق التخزين – تصل إلى 54 مليون برميل، بما فيها 20 مليون برميل في مستودعات الجمارك الصينية، وما يصل إلى 65-75 مليون برميل في الناقلات التي كانت طهران مستعدة لإدخالها إلى السوق إذا تمّ رفع القيود التجارية.
  • ذكريات أن انسحاب إيران من سوق النفط كان تحت ضغط العقوبات زاد جزئياً من فعالية آلية الحصص التي استخدمتها “أوبك +” في 2018-2019 – ما يعني أن عودة طهران اللاحقة يُمكِن أن تقوّضها أيضاً.

كل هذا خلق أسطورة مفادها أن رفع الحظر النفطي سيؤدي إلى تخمة فورية في السوق، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وزيادة تقلبات السوق. إلّا أن خطر هطول “مَطَرِ النفط” الإيراني قد يكون مُبالَغاً فيه.

هل العامل الإيراني بهذه الأهمية؟

أظهرت المفاوضات في فيينا أنه لا يوجد سببٌ لتوقّع رفع الحظر النفطي في أي وقت قريب. يرغب كلٌّ من الجانبين الأميركي والإيراني في الحصول على اتفاقٍ نووي يُرضي مؤسساتهما السياسية وناخبيهما إلى أقصى حد. لتحقيق ذلك، فَهُم على استعدادٍ لقضاءِ أكبر قدر ممكن من الوقت حسب الضرورة، في البحث عن حلٍّ وسط بين الأفكار المختلفة بوضوح حول “خطة العمل الشاملة المشتركة المثالية”. في الوقت نفسه، يبقى السؤال مفتوحاً حول السرعة التي ستتمكّن بها الصناعة الإيرانية من زيادة مستوى الإنتاج بعد توقيع اتفاقية جديدة. من المهم الأخذ في الإعتبار جودة المعدّات الإيرانية ودرجة تآكلها العالية، فضلاً عن حقيقة أنه على مدى العقود الماضية كان تقادم الحقول الرئيسة الإيرانية وانخفاض إنتاجها بشكل طبيعي يُمثّلان التحدّيين الرئيسين لصناعة النفط فيها. لقد أدت العقوبات المفروضة على البلاد إلى تباطؤٍ كبير في تنفيذ الإجراءات (بما فيها برامج الاسترداد المُعزّز للنفط) للتعامل مع انخفاض الإنتاج، في حين أن تلك التي لا تزال قيد التنفيذ لن تُظهِرَ نتائج قبل العام 2023. وبالتالي، فإن تقديرات بعض الخبراء بأن إيران سوف تكون قادرة على الوصول إلى إنتاج يزيد عن 4 ملايين برميل في اليوم في غضون شهر إلى ثلاثة أشهر تبدو غير قابلة للتصديق. لا يوجد سببٌ لعدم تصديق تقديرات وكالة الطاقة الدولية، التي أكّدها بعض الخبراء المستقلين، والتي تفيد بأن إيران ستستغرق عاماً للوصول إلى إنتاج 3.8 ملايين برميل في اليوم.

ثانياً، هناك أيضاً شكوكٌ حول حجم الطاقة التصديرية الإيرانية الإضافية. من الناحية النظرية، يُمكن أن تساعد زيادة إنتاج النفط إلى 3.8 ملايين برميل في اليوم إيران على تعزيز تجارة النفط من 0.8 مليون برميل في اليوم حالياً إلى 2.5 مليوني برميل في اليوم (أي بمقدار 1.7 مليون برميل في اليوم). ومع ذلك، تستند هذه التقديرات إلى الفترة من 2015 إلى 2018. فهي لا تأخذ في الحسبان النمو في استهلاك النفط المحلي (بسبب تطور إنتاج البتروكيماويات في إيران)، ولا تأخذ بعين الاعتبار الكميات الحقيقية للنفط التي تزوّدها إيران أصلاً للصين، وربما الهند، مُتجاوزةً العقوبات. وبالتالي، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات حول نمو صادرات النفط الإيراني “الرمادي” إلى آسيا خلال ربيع العام 2021، يمكن زيادة الحجم الحالي لصادرات النفط الإيراني إلى 1-1.2 مليون برميل يومياً، مما يقلل من إمكانات النمو إلى حوالي 1.3-1.5 مليون برميل في اليوم (بافتراض أن إيران تصل إلى الإنتاج الكامل عند 3.8 ملايين برميل في اليوم)، وهو ليس بالحجم الكبير.

ثالثاً، من الواضح أن الولايات المتحدة لن ترفع جميع العقوبات المفروضة على إيران. وهذا يعني أن إيران قد تستمر في مواجهة مشاكل في الوصول إلى النظام المالي الدولي، فضلاً عن التأمين البحري وخدمات الشحن، مما يحافظ على صورتها كدولة سامة ومارقة لممارسة الأعمال التجارية. وبالتالي، سيستغرق الأمر وقتاً أطول من المعتاد لاستعادة الاتصالات المفقودة مع المُستهلِكين وتطوير شبكات تداول جديدة. نتيجة لذلك، ستكون عودة إيران إلى سوق النفط، بما في ذلك بيع احتياطاتها المُتراكمة، بطيئة. بعبارة أخرى، لا يُتَوَقّع هطول “مَطَرٍ نفطي” فوري.

رابعاً، تتنبّأ التوقّعات الإيجابية الحالية للتعافي الاقتصادي العالمي بنموِّ الطلب على النفط (بما في ذلك العودة إلى مستويات ما قبل كوفيد-19 بحلول العام 2023) والذي من المُحتَمَل أن يُوازِنَ عدم استقرار الأسعار الناجم عن عودة إيران. إعتباراً من أيار (مايو) 2021، كانت السوق تُعاني أصلاً من عجزٍ لا يقلّ عن 1 مليون برميل في اليوم من المفترض أن ينمو إذا لم تتخذ “أوبك +” أي إجراء. علاوة على ذلك، من منظور طويل الأجل، لا يُمكن لجميع أعضاء “أوبك +” (على سبيل المثال، أنغولا والجزائر ونيجيريا) العودة إلى مستوى الإنتاج في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 الذي تمّ اعتباره كخطٍّ أساس لحصص الإنتاج الحالية، ما يترك مجالاً إضافياً لإيران. .

أخيراً، لا يرى جميع أعضاء “أوبك +” عودة إيران كارثة. يخشى عدد من الدول، وفي مقدمتها روسيا، من ارتفاع درجة حرارة سوق النفط وإمكانية زعزعة استقراره إذا استمرت أسعار النفط الحالية في الارتفاع مصحوبةً فقط بزيادة متواضعة في العرض. ومع ذلك، ولعددٍ من الأسباب، فإنها لا تريد الدخول في صراع مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يدفع إلى ارتفاع أسعار النفط. في ظل هذه الظروف، يُنظَر إلى عودة إيران على أنها حلٌ ناجع، على الأقل مؤقتاً، حيث يمكنها أن تمنع السوق من الإنهاك وارتفاع حرارتها من دون أن يؤدّي إلى قتالٍ نشط حول حصص الإنتاج.

بطاقة جامحة

بشكلٍ عام، من غير المُرجّح أن تؤدي عودة إيران إلى ارتباكٍ طويلِ الأمد في سوق النفط العالمية. الخطر الوحيد من العامل الإيراني هو عدم القدرة على التنبّؤ به. في الوقت الحالي، يُعتَبَر الاقتصاد الإيراني في حالة غيبوبة: لا يمكن أن يتطور بشكلٍ نشط ومُستدام، لكنه لا يزال قادراً على ضمان الاحتياجات الأساسية للبلاد. ونتيجة لذلك، يريد المفاوضون الإيرانيون رفع العقوبات، لكنهم يعتقدون أن بإمكانهم تحمّل وتمضية أي وقت للمساومة على أفضل صفقة مع الولايات المتحدة، ولن يؤدي انتخاب المحافظ إبراهيم رئيسي للرئاسة في حزيران (يونيو) 2021 إلّا إلى تفاقم تباطؤ المفاوضات. ونتيجة لذلك، فإن رفع العقوبات أمرٌ مُرَجّحٌ للغاية، ولكن لا يمكن لأحد أن يتوقع بالضبط متى سيحدث. وهذا بدوره يُعزّز عامل عدم اليقين في سوق النفط.

ليس من إيران وحدها

كانت الخطوة “غير المُتَوَقّعة” للإمارات في اجتماع “أوبك +” الأخير بمثابة تذكيرٍ بمدى خطورة التركيز على عاملٍ واحدٍ فقط يؤثر في عملية صنع القرار في الكارتل عندما يتشكّل سلوك “أوبك +” من خلال مجموعة مُعقّدة من الدوافع، والتي نُشكّل “المشكلة الإيرانية” واحدة منها فقط. علاوة على ذلك، ليس من الممكن دائماً مراعاة جميع القوى الدافعة نظراً إلى تنوّعها وتأثيرها المُتغيّر باستمرار. هذه المرة بدا أن العامل الداخلي هو الأكثر أهمية: “أوبك +” بعيدة كل البعد من التجانس سواء من حيث الظروف التي يُوضَع فيها اللاعبون أو من حيث النتيجة النهائية التي يبحثون عنها. المُستفيد الرئيس من زيادة حصص إنتاج النفط في أيار (مايو) وتموز (يوليو) 2021 كانت المملكة العربية السعودية، بينما زادت الإمارات إنتاجها بشكل هامشي فقط. علاوة على ذلك، فإن اختيار تشرين الأول (أكتوبر) 2018 كخطٍّ أساس لحصص الإنتاج خلال اجتماع “أوبك +” في نيسان (أبريل) 2020 كان افتراضياً غير عادل لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي بلغت طاقتها الإنتاجية 3.8 ملايين برميل يومياً مقابل 3.2 مليون برميل يومياً في تشرين الأول (أكتوبر) 2018. لقد قبلت أبو ظبي، كلاعبٍ جماعي، قواعد اللعبة، لكن هذا الأمر لم يكن موضع تقدير من قبل الأعضاء الآخرين، وبالتالي وَضَعَ قنبلة موقوتة أخرى في “أوبك +” إنفجرت فقط في تموز (يوليو) 2021. إن أهمية الخلاف الداخلي بين أعضاء “أوبك +” ستزداد، مما يدفع بعامل إيران جانباً. مسكونين بفكرة النهاية الوشيكة لعصر النفط، سيحاول المنتجون تحويل احتياطاتهم إلى نقود بأكبر قدر ممكن من الأرباح والسرعة، ويمكن اعتبار الحصص الحالية عقبة كبيرة (وإن كانت ضرورية) لتحقيق هذا الهدف.

هناك أيضاً عوامل نظامية أخرى لا ينبغي استبعادها أيضاً. من السابق لأوانه استبعاد عامل كوفيد-19، الذي طغت عليه التوقعات الإيجابية للانتعاش الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، فإن ظهور سلالات جديدة من فيروس كورونا وتدهور حالة الصحة العامة في أجزاء معينة من العالم يشير إلى أن هذا العامل لا يزال بإمكانه لعب دور مهم في تشكيل الطلب. أخيراً، في المدى الطويل، يمكن أيضاً أن تستعيد صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة أهميتها بالنسبة ل”أوبك +”. في العام 2021، أثبت منتجو النفط الصخري في أميركا بالفعل أنهم قادرون على توليد تدفّق نقدي حرّ مُستدام، وبالتالي التغلب على إحدى المشكلات التقليدية المرتبطة بالمستوى المرتفع للديون والاقتراض الذي يعتمدون عليه. وهذا بدوره يجعل المُحلّلين يتحدثون عن بداية حقبة جديدة من النفط الصخري يُمكن أن تُشكّل تهديداً للمنتجين التقليديين، كما كان الحال من قبل. في ظل هذه الظروف، لا يُنظر إلى العامل الإيراني على أنه أكثر القضايا المُحتملة إشكالية في الأفق. يظل بطاقة جامحة، لكنها بطاقة لا يمكن لعبها إلّا مرة واحدة ولفترة قصيرة من الوقت.

  • نيكولاي كوزانوف هو أستاذ مشارك في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، وباحث غير مقيم في برنامج معهد الشرق الأوسط للاقتصاد والطاقة. تُركّز أبحاثه على الجغرافيا السياسية للطاقة الخليجية، والسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الاقتصاد الإيراني والعلاقات الدولية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @KozhanovNikolay
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى