روائع فنية دمَّرتْها الحرب الكبرى (2 من 2)

كُنُوز سرقها النازيون وكدَّسُوها في كنيسة مهجورة (1945)

هنري زغيب*

في الجزء الأَول من هذا المقال (“أَسواق العرب” – 6 حزيران/يونيو من هذا الأُسبوع) عرضتُ خمس لوحات ضاعت في الحرب العالمية الثانية، والسبب: أَوامر هتلر بمصادرة الأَعمال الفنية الرائعة في البلدان التي اجتاحها، وجلْبِها إِلى متحف باسمِهِ ينوي إِنشاءَه. وحين اشتدَّت الحرب، أُتلفت هذه الأَعمال بالقصف أَو الحريق أَو تعمُّد تدمير المكان حيث هي، كي لا يبلغه الأَعداء.

في هذا الجزء أَعرض لخمس لوحات أُخرى ضاعت في تلك الحرب الشرسة.

بيلِّيني: “العذراء والطفل”
  1. بيلِّني: “العذراء والطفل”

الإِيطالي جيوفاني بيلِّيني (1430-1516) من أَبرز رسامي النهضة الإِيطالية، وهو الأَشهر في أُسرة بيلِّيني الفنية. عاش في البندقية طيلة حياته ورسم فيها طيلة نحو 65 سنة. اشتُهر برسمه مناظرَ من الطبيعة، وبلوحاته الدينية التي احتل معظمها صدارة الكنائس في عصره.  ولوحته “العذراء والطفل” رسمها سنة 1840، وهي بين عدد آخر من لوحاته عن العذراء والطفل يسوع. كان النازيون صادروها من متحف في برلين إِلى برج خاص كان تحت سيطرة الروس، لكنَّ كلَّ ما كان في ذاك البُرج ضاع أَو سُرق أَو أُتلف تحت نيران الحرب العالمية الثانية.

  1. كْلِمْتْ: “رسم تْرُود شتاينر”

النمساوي غوستاف كْلِمْتْ (1862-1918) طبع عصره وزملاءه في حركة “انفصاليي فيينا” بما أَنتج من لوحات وجدرانيات ذات غرابة في مواضيعها، وذات جرأَة أَحيانًا كثيرة في التطَرُّق إِلى مواضيع تناول فيها جسد المرأَة بفنٍّ عالٍ من دون تبذُّل. لوحته عن “ترود شتاينر” (وهي ابنة هاوية اللوحات الفنية جيني شتاينر: 1863-1958) صادرها النازيون بعدما هربَت جيني من النمسا سنة 1938. ثم اشتراها سنة 1941 مَن لا يزال اسمه ضائعًا ومعه ضاعت اللوحة ولا يُعرَف مصيرها حتى اليوم.

رامبرانت: “الملاك ودوائر تيتوس”
  1. رامبرانت: “الملاك ودوائر تيتوس”

هذه اللوحة وضعها الهولندي رامبرانت (1606-1669) سنة 1650، وهي بين 7 لوحات رسم فيها ابنه تيتُوس، في وسائط فنية مختلفة بين زيتيات ورسوم بالقلم الرصاص، أَبرزها اللوحة (“الملاك ودوائر تيتوس”) التي أَنجزها سنة 1668. ولعلَّها آخر أَعمال رامبرانت عن ابنه، إِذا أَنجزها قبل عام على وفاته. وكان يضع في ابنه تيتوس آمالًا كبرى إِذ كان تيتوس رسامًا موهوبًا وواعدًا. لكنَّ المؤْسف أَن تاريخ اللوحة هو أَيضًا تاريخ زواج تيتوس ووفاته عن 26 عامًا في السنة ذاتها تاركًا في أَحشاء زوجته ابنةً سمَّتْها أَرملته تيتيا تَيَمُّنًا به. وكان تيتوس الابن الرابع والوحيد الذي عاش بعد وفاة ثلاثة أَولاد لرامبرانت. ولوحاته عن ولده تُجاور في اللوفر عددًا آخر من أَعمال رامبرانت في قاعات أُخرى من المتحف تجاور روائع رافاييل وتيتيان وفان دايك ودافنتشي. وكانت هذه اللوحة (“الملاك ودوائر تيتوس”) مخبَّأَةً في قصر فرنسي بعيد عن باريس، لكن النازيين داهموا ذاك القصر سنة 1943 وصادروا اللوحة كي تكون في “معرض هتلر” مع 332 لوحة أُخرى لَم ينْجُ منها بعد الحرب سوى 162 لوحة ولا أَثر مطلقًا لسائر اللوحات.

كاناليتُّو: “ساحة سانتا مرغريتا”
  1. كاناليتُّو: “ساحة سانتا مرغريتا”

جيوفاني أَنطونيو كانال (1697-1768) رسام إيطالي معروف اختصارًا بــ”كاناليتُّو”. وهو من البندقية ومعتبَرٌ أَبرزَ عضو في مدرسة البندقية إِبان القرن الثامن عشر. استخدَم تقنيةً عبقرية مذهلة خلَق بها لوحاتٍ ورُسُومًا للبندقية كانت أَقرب إِلى الصُوَر الفوتوغرافية قبل ولادة فن الفوتوغرافيا. ولوحته “ساحة سانتا مرغريتا” كانت ضمن مجموعة هاوي اللوحات جاك غودْسْتيكِرْزْ الذي فرَّ إِلى هولندا سنة 1940 هربًا من النازيين فاستولوا على مجموعته وأَتلفوا قسمًا معظمها. وإِذ أُعيد قسم منها إِلى ورثة غودْسْتيكِرْزْ، بقيَت هذه اللوحة الرائعة عن ساحة سانتا مرغريتا بين اللوحات التي لم يُعثَر لها على أَثَر.

  1. دوغا: “خمس راقصات باليه”

الفرنسي إِدوار دوغا (1834-1917) من أَبرز الرسامين الانطباعيين في عصره. يُعزى إِليه الفضل في تنظيم أَول معرض للانطباعيين في باريس سنة 1874، وكان له تأْثير كبير على معاصريه. اشتهر خصوصًا بريشته الباستِل وزيتياته، ونفَّذ أَيضًا تماثيل برونزية وله رسوم كثيرة. لكنه اشتُهر برسمه عددًا كبيرًا (ربما نصف أَعماله) من اللوحات للراقصين والراقصات. وهذه اللوحة (“خمس راقصات باليه”) استولى عليها النازيون حين استَولوا على مجموعة البارون مور هرتزوغ. لكن ورثة هذا الأَخير رفعوا دعوى ضد الحكومة الهنغارية لاستعادة لوحات المجموعة، فعاد قسم منها لكنَّ هذه اللوحة بالذات لا تزال ضائعة.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى