عودة “هواوي”… راقبوا الشرق الأوسط جيداً!

بقلم البروفسور بيار الخوري*

تقول كريستين لاغارد، الرئيس / المدير العام لصندوق النقد الدولي، أنه في حين أن استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أمرٌ مُرَحّب به، فإن التعريفات المُطَبّقة فعلياً تُعيق الإقتصاد العالمي، والقضايا التي لم تُحَلّ تحمل الكثير من عدم اليقين بشأن المستقبل. وكان صندوق النقد الدولي حذّر من أن الحرب التجارية ستؤدي إلى تقلّص التاتج الإقتصادي العالمي بنصف في المئة في العام ٢٠٢٠.
نصف في المئة يعني بالأرقام اقل قليلاً من خمسمئة مليار دولار أميركي. أي كأن العالم سيستفيق في العام ٢٠٢٠ وقد تم إلغاء إقتصاد فنلندا او النمسا او الارجنتين او مرة وربع إقتصاد دولة الإمارات العربية او ثلاثة ارباع الإقتصاد التركي.
الرقم مرعب بالفعل. ولنفهم ذلك علينا أن نعلم كيف يعمل إقتصاد الدول الصناعية الذي يُقوّم إعادة الإنتاج وفقاً لدورات الإنتاج المُوسَّعة دورة بعد دورة. من المهم ان نلاحظ أيضاً أن عمر الدورات تم اختصاره مع التطور التكنولوجي والسرعة المتزايدة لإطفاء الرساميل، وفي بعض القطاعات تحوّلت هذه الدورة إلى سنة أو اقلً، وهذا ما يحصل في عالم الهواتف النقّالة (أو المحمولة) على سبيل المثال.
وفي عالم الشبكات شهدنا خمسة أجيال في ٣٥ عاماً. وقد تطلَّب تشكّل أول ٣ اجيال ٢٥ عاماً، و٦ سنوات للجيل الرابع، و٤ سنوات للجيل الخامس.
هنا تكمن مشكلة الولايات المتحدة الحقيقية: ففي حين سيطرت الدولة العظمى على تكنولوجيا الشبكات الاربع الأولى، فقد تقدمت الصين للسيطرة على الجيل الخامس.
هل انتهى السباق؟ إذا سيطرت الصين على شبكات الجيل الخامس فسيكون لها سيطرة وسبقْ على كل الشبكات المقبلة وربما بعد سنتين او ثلاثة سنشهد جيلاً سادساً تحوزه الصين.
إن السيطرة على الشبكات شبيه إلى حد بعيد بالسيطرة على الحاسوب الشخصي الذي مثلتها “ويندوز” (Windows) ولا تزال على التطبيقات على الرغم من الإحتكار المتنامي الذي تمثله متاجر تطبيقات “غوغل” و”أبل” على الهواتف والالواح.
لأول مرة منذ اكثر من ٤٠ عاماً تكون للصين اليد العليا في السبق الإقتصادي من بوابة السبق التكنولوجي. اليد العليا لا تعني بالتأكيد ان الصين قد باتت قادرة على فرض ارادتها على الولايات المتحدة، وهذا غير وارد موضوعياً بسبب عمق الترابط بين الإقتصادين الصيني والأميركي، لكنه يعني أن الصين لم تعد تلك الدولة المُلحَقة بالصناعات الكبرى في الولايات المتحدة، ويعني أيضاً أن المستقبل يحمل في طياته مخاطر عظمى تتصل بالقدرة الفائقة للتنين الصيني.
تعرف الولايات المتحدة ان الصراع التجاري مع الصين يشبه لحس المبرد بسبب الإندماج العميق للإقتصادين، وبسبب طبيعة الإقتصاد الاميركي المرتبط بسلاسل التوريد والتي تفترض تجميع المنتجات من مصادر عالمية عدة وتبقى “الماركة” هي الملكية الوطنية لا المكوّنات التصنيعية.
وتتحكم الصين بمفاصل هذه السلاسل إن بالنسبة إلى الصناعات الأميركية غير المهاجرة او تلك التي تستوطن الصين والشرق الأقصى.
لذلك فإن الصراع الأميركي – الصيني هو صراع معقّد لا يُمكن مقاربته مثلاً بالحصار القاري او بالعقوبات على روسيا والهند وحتى إيران.
الولايات المتحدة تخشى تحديداً سرعة تطور تكنولوجيا الصين للأسباب التالية:
١- لان آلية عمل النظام الرأسمالي تقوم بإحلال دورة إقتصادية بدورة أخرى بعد تحقيق معدل العائد المُتوقَّع، وهو أساسي لعدم إطفاء الرساميل سريعاً بما يُخفّض معدل العائد، على عكس الشركات الصينية وبالاخص “هواوي” المملوكة لموظفيها وليس للمستثمرين في سوق الأسهم. بالتالي إن ضغط تعظيم الثروة غير حاسم، إن الحاسم هو تحقيق معدل عائد يسمح تكوين أرباح غير موزَّعة تؤمّن الموارد اللازمة للبحث والتطوير.
٢- أن تقدّم الصين على الولايات المتحدة سيمنح الأولى حرية أكبر في تكوين استراتيجيتها الدولية، بما في ذلك إعادة توجيه الفوائض الصينية خارج أميركا، وهذا أمر خطير لسببين: أولاً لأن الولايات المتحدة تُريد أن تبقى مصرف العالم، وتُريد ان تُحافظ على حصة الدولار في السيولة الدولية، وثانياً لأنها لا تريد للصين ان تستخدم فوائضها في تحقيق مشروعها الاستراتيجي في طريق الحرير. يجب أن تبقى الفرائض الصينية في تصرف الإقتصاد الاميركي.
٣- تريد واشنطن ان تُعيد تشكيل حقوق الملكية في “هواوي” ومجموعة كبيرة من الشركات الصينية الرائدة تكنولوجياً بما يعطي الشركات والمستثمرين الأميركيين حصصاً مؤثّرة تضبط تطور “هواوي” وتوائمه مع النمو التكنولوجي الأميركي، وربما الوصول إلى الوضع المثالي لأميركا ونموذجه شركة “سامسونغ” المملوكة بنسبة ٥٥٪ للرأسمال الأميركي.
من ناحية أخرى هناك أهداف أميركية طموحة جداً تستكمل إندماجاً إقتصادياً للعملاقين، فما الذي يُمكن أن يدفع الصين لقبول مبدأ تفاوض من هذا النوع؟
ليست العقوبات الإقتصادية التي تضرّ الصين بقدر ما تضر إقتصاد العالم وتضر الإقتصاد الاميركي المُعولَم جداً.
وليس وقف الجيل الخامس الذي بات حقيقة واقعة يحتاجها إقتصاد العالم، رضيت أميركا ام لم ترضَ.
وليس إخضاع الصين التي ضحّت ٧٥ عاماً وبنت نفسها بالحفر والعرق والألم والعلم.
أنظروا إلى الشرق الأوسط، أُنظروا إلى ذلك الحشد في مضيق هرمز، وانظروا إلى ترامب التاجر المفاوض وليس إلى جورج بوش الآتي من شركات النفط والسلاح.
يقف دونالد ترامب في بحر الخليج بعين على طهران وأخرى على بكين. وهو جاهز لإنجاز تسوية مع طهران تتضمّن أمن الخليج (طهران غير المتحمسة اصلاً لطريق الحرير) وجاهزٌ أيضاً لانجاز تسوية مع الصين تسمح له تأمين الظروف الدولية لإخضاع طهران.
رهان ترامب يُعيد تصويب صورة هذا الرئيس المُتّهم بالعشوائية والتسرّع ووضع العالم على حافة الجنون.
تفاهمات “أوساكا” في اليابان التي أعادت فتح السوق الأميركية ل”هواوي” والشركات الصينية تشي بأن ترامب قد سعى إلى تحقيق شيئاً ما لن تُعرَف حدوده إلاّ بما سيؤول له وضع الخليج.
ترامب ليس غبياً، شي جين بينغ ليس قصير النظر، وطهران حسبت طويلاً كي لا تكون حبة سكّر لأحد. المُقبل من الشهور سيشي بأشياء عظيمة.

• البروفسور بيار الخوري خبير في الاقتصاد السياسي ونائب رئيس الجمعية العربية – الصينية للتعاون والتنمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى