تَحَوُّلُ الطاقةِ الخضراءِ لا يُمكِنُ أن يَحدُثَ بدون الشرق الأوسط

ديتمار سيرسدورفر*

بغض النظر عن موقف العالم منه وما يُلقي به عليه، سيستمر الشرق الأوسط في لعبِ دورٍ أساسي مُتزايدٍ في توفيرِ أمنِ الطاقة واستقرارِ أسعارها العالمية، لا سيما وسط الجغرافيا السياسية العالمية المُتَقلِّبة اليوم. لكن المنطقةَ لديها أيضًا إمكانات هائلة لتسهيل الانتقال والتحوّل السريع إلى طاقة أكثر اخضرارًا.

مع انتشارِ الآثار الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا، تُؤثِّر أزماتُ إمداداتِ الطاقة وتقلّبُ أسعارها في الاقتصاداتِ في جميع أنحاء العالم. إنها تُسلّط الضوء على الحاجة إلى مزيدٍ من المرونة في العرض العالمي. على سبيل المثال، في العام 2021، استورَدت ألمانيا أكثر من 63 في المئة من طاقتها. حوالي 98 في المئة من النفط المستهلك في البلاد مُستَورَدٌ. تأتي وارداتها من النفط والغاز من روسيا. نتيجة لذلك، تُخطِّطُ برلين الآن لإنفاق أكثر من 217 مليار دولار على تعزيز مصادر الطاقة المُتَجدِّدة لتحسين أمن الطاقة لديها وفطم نفسها عن المُورِّدين الأجانب.

يُقدِّمُ هذا التغيير الجذري ثلاثة دروس مهمة للبلدان الأخرى التي تُحاول زيادة سيادتها في مجال الطاقة. الأول هو الحاجة إلى مزيدٍ من التنوّع في أنظمة الطاقة الوطنية. والثاني هو أهمية البنية التحتية ومرافق التخزين، والتي سيتعيّن تطوير وتوسيع العديد منها بشكلٍ كبير في عدد من البلدان. والثالث هو الوقت الأسرع الذي تحتاج الحكومات من خلاله إلى سنِّ تدابير لتحقيق تحوّل الطاقة.

ليست الحرب في أوكرانيا وحدها هي التي تُغيِّرُ قطاع الطاقة بشكلٍ كبير. علينا أيضًا معالجة أزمة المناخ من خلال التحوّل إلى مصادر أنظف. على المستوى العملي، أكثر من مجرد ابتكار مُتَطوِّر، يجب أن يكون الجيل التالي من إمدادات الطاقة أيضًا ميسورَ التكلفة وموثوقًا للجميع.

على الصعيد الإقليمي، تُعَدُّ دولٌ مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر بالفعل من أكثر مُوَرِّدي الطاقة ريادةً واستقرارًا في العالم. هي أيضًا في طليعة تحوّل الطاقة، نتيجةً لاستثماراتها الضخمة في مصادر الطاقة المُتجدّدة وتقنيات الطاقة المستقبلية، مثل الهيدروجين.

على الرغم من أنه يجب تطوير وتوسيع الطاقات المُتجدّدة العالمية بشكلٍ أسرع، إلا أن الانتقال/التحوّل لا يمكن أن يَحدُثَ بين عشيةٍ وضُحاها. وباعتباره الوقود الأحفوري الأنظف والأسرع نموًا، سيكون الغاز الطبيعي مُكوِّنًا رئيسًا لأيِّ مفتاح في المستقبل. إنه وقود-الجسر الذي ستكون هناك حاجة إليه في العديد من المجالات، حتى يتم البحث عن الوقود الأنظف وطرحه.

الواقع أن تَغيُّرَ المناخ لن يذهب بعيدًا. لقد تمَّ توثيق انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون القياسية في جميع أنحاء العالم في العام الماضي. على الرغم من الحرب، سيحتاج بعض الدول إلى الغاز لفترة طويلة مقبلة. ستحتاج البلدان، في أوروبا بشكلٍ أساس، إلى تنويع إمداداتها وزيادة استخدام الغاز الطبيعي المُسال. عَمِلَ الغاز على توفير 24 في المئة من إجمالي توليد الطاقة العالمي في العام 2020، وسوف يلعب دورًا رئيسًا في الحلول محل الفحم لتوليد الطاقة حتى العام 2030.

ستلعبُ دول الشرق الأوسط دورًا حيويًا في ضمان هذا الإمداد بالطاقة، ومن خلال الاستثمار في التقنيات الحديثة والمُتقَدِّمة سوف يكون من الأكيد من أن الطاقة المُنتَجة والمُصَدَّرة ستكون أنظف ما يمكن. تُعتَبَرُ دول الخليج منطقةَ طاقةٍ مُهمّة اليوم، وستظل كذلك في المستقبل، حتى بعد انتهاء عصر مصادر الكربون. نظرًا إلى أن المنطقة تستفيد من خبرتها الواسعة في تجارة النفط والغاز والمواد الكيميائية والطاقة، إلى جانب تطوير كهرباءٍ أقلّ تكلفة من مصادر الطاقة المُتجدِّدة والبنية التحتية لتصدير الجزيئات، فمن المرجح أن تصبح واحدة من مناطق تصدير الطاقة الخضراء الرئيسة في المستقبل.

ولكن في غضون ذلك، حيثُ لا يُمكن تغطية الكهرباء من طريق مصادر الطاقة المتجدّدة، يمكن لمحطات الطاقة عالية الكفاءة القائمة على الغاز الطبيعي أن تساعد على خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى النصف مُقارنةً بمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم. من شأن تحويل توربينات الغاز إلى الهيدروجين الأخضر أن يُسَهِّلَ العمليات الحيادية مناخيًا في المستقبل. اليوم، توربينات الغاز لدينا التي تم اختبارها في مركزنا الجديد لتوربينات الهيدروجين الصفرية جاهزة لحرق ما يصل إلى 75 في المئة من الهيدروجين في مزيج الوقود. سنصل إلى 100 في المئة بحلول العام 2030.

كل هذا لن ينجح إلّا إذا تم توسيع البنية التحتية ومرافق التخزين بشكل كبير وتكييفها لمواكبة هذه الظروف الجديدة: من شبكات نقل التيار المباشر ذات الجهد العالي وخطوط الأنابيب عالية الأداء، إلى محطات الغاز الطبيعي المسال ومرافق تخزين الغاز الواسعة.

تتطلب الحصة المتزايدة من الطاقات المتجددة أيضًا تقوية أساسية لشبكة الطاقة الحالية.

بينما نتحرّك نحو زيادة الاعتماد على الطاقة المُتجدّدة، فإن تخزين تلك الطاقة عندما لا تُشرقُ الشمس ولا تهبّ الرياح سيكون أمرًا بالغ الأهمية. نحتاج أيضًا إلى ترقية الشبكات للتأكّد من قدرتها على التعامل مع السلالات الجديدة التي سيتمّ وضعها عليها، لضمان الاستقرار والمرونة. لا تُحدِث أنواع الوقود الجديدة فرقًا كبيرًا إذا أدّت زيادة الطاقة إلى قطعها. مع تطبيق ذلك، يمكن لدول الشرق الأوسط تعزيز مكانتها كمُورِّدة وشريكة موثوقة للعالم.

الوقتُ مَحدود. الاستثمارات والموافقات والتصاريح تلزمها جداول زمنية طويلة. يجب على الحكومات أن تنظر بمسؤولية إلى ملفات تعريف المخاطر والمكافآت لإزالة العقبات والقوانين التي يمكن أن تمنع المشاريع الواعدة من المضي قُدُمًا. إحدى الطرق التي يمكن الاستعانة بها للقيام بذلك هي الاستثمار المباشر وبرامج القروض. يجب إعطاء سعرٍ للاستدامة وطرحها في الأسواق؛ عندها فقط سيكون الاستثمارُ فيها جذّابًا. وستكون هناك حاجةٌ أيضًا إلى الاستثمار في الابتكار والسياسات التقدّمية للحدِّ من انبعاثات الكربون لضمان إحراز تقدّمٍ تشتدّ الحاجة إليه.

الأهداف الطموحة التي تضعها الحكومات هي في صميم التغيير. يجب أن نكون جميعًا مُستعدّين للتكيّف. إذا كنا كذلك، يمكننا اليوم أن نجعل الغد مُختلفًا.

  • ديتمار سيرسدورفر هو المدير العام لشركة “سيمنز” للطاقة لمنطقة الشرق الأوسط. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @Siersdorfer_D
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى