جنون السياسة من دونالد ترامب الى بوريس جونسون

بقلم عرفان نظام الدين*

فجأةً تحوّلت أعرق ديموقراطية في العالم الى سيرك يلعب فيه القادة وتتلاعب به الأهواء الخارجية، والأميركية بصورة خاصة .

كُنّا نتابع مجريات السياسة البريطانية بتقدير، ونُشاهد البثّ المُباشر لجلسات مجلس العموم، ونتابع بمشاعر مزدوجة تتراوح بين الإعجاب والألم لحرماننا كعرب من نعمة الحوار البنّاء والرأي الآخر، والتنافس على خدمة البلاد والعباد، وتغليب المصلحة العامة، لكن ما جرى أخيراً يُشبه اللعنة التي حلّت ببريطانيا التي كانت عظمى فاصبحت وكأنها واحدة من جمهوريات الموز، أو على الأقل إحدى دول المنطقة المبتلية باوضاعها المُخزية وقمع الحريات.

فمنذ أن أقدَم رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، على خطوة إجراء استفتاء على الخروج من الإتحاد الأوروبي (المعروف ب”بريكست”) والمصائب تتوالى على راس الشعب البريطاني المذهول والجريح من السياسات والأدوار والفشل والخلافات والصراع على السلطة والحكم.

وبدلاً من الإلتفات الى معالجة جذور الأزمة، ووضع خطة طوارئ لمجابهة تداعيات “بريكست”، وحل المشاكل الكثيرة المُقبلة التي تتناول كل مناحي الحياة، ضاعت البلاد بالصراعات .

والمُحزن أن الازمة الحالية لا تقتصر على قرار الخروج والبقاء، بل فضحت الأحزاب ولا سيما الحزبين الرئيسين العمّال والمُحافظين، وغياب القيادات التاريخية، وضحالة مستوى أداء رئيس الوزراء بوريس جونسون و منافسه زعيم المعارضة جيمي كوربن. و الأنكى من ذلك، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حوّل جونسون الى دمية بين يديه بمديحه والإشادة به وترشيحه وكأنه صاحب القرار الوحيد او كأن بريطانيا تحوّلت الى ولاية اميركية او مستعمرة.

ولا أكشف سراً اذا قلت أن ترامب كان وراء العمل على انسحاب بريطانيا تمهيداً لتفكك الإتحاد الاوروبي ومنع تحوّله الى قوة عظمى، وهو أمرٌ يُرحّب به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وجاء قرار تعليق العمل في البرلمان ليصب الزيت على النار، ويفرض سابقة خطيرة تضع المسمار الاخير في نعش بريطانيا على أمل أن ينفرد بقرار الخروج بلا اتفاق، لكن مجلس العموم وضع يديه على الأوضاع واتخذ قراراً بمنع الخروج من الإتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وهكذا فشل جونسون بفرض الأمر الواقع الذي كان سيتحوّل الى صراع مصيري وصراع على مصيره.

وبدا واضحاً أن الأزمة ستؤدي الى إجراء إنتخابات مُبكرة والدعوة الى استفتاء جديد حول الخروح من الإتحاد الأوروبي، لأن مثل هذا الامر سيؤدي الى تفكيك المملكة المتحدة وانفصال سكوتلندا وإيرلندا الشمالية وربما ويلز، إنه ….الجنون الموصوف بالفضيحة.

عرفان نظام الدين هو كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk  أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى