تأجيل الانتخابات اللبنانية يزدادُ صعوبة
مايكل يونغ*
كانت هناك تكهنات كثيرة في الآونة الأخيرة حول ما إذا كان لبنان سيمضي قُدُمًا في انتخاباته النيابية المقرر إجراؤها في أيار (مايو) المقبل. في حين أن غالبية الأحزاب الرئيسة في البلاد قد تكون لديها مصلحة في تأجيل عملية التصويت، فإن العقبات التي تحول دون ذلك كبيرة للغاية، ما يُشيرُ إلى أن هناك فرصةً أفضل لإجراء الانتخابات في موعدها.
ومن المؤكد أن أحزابًا، مثل “حزب الله” وحلفائه في حركة “أمل” برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري و”التيار الوطني الحر” برئاسة الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، قد تؤيد التأجيل. ذلك أنه من المتوقع أن تخسر “أمل” وبخاصة “التيار الوطني الحر” بعض المقاعد، وبالتالي فهما يُفضّلان الاحتفاظ بحصّتهما الحالية في البرلمان. أما “حزب الله” فهو يسيطر مع حلفائه المُتعدّدين على أغلبية نيابية، وليس لديه حماس لرؤية تآكل ذلك.
ولكن، هناك العديد من المشاكل مع هذا الواقع. الأول هو أنه لا يمكن تأجيل الانتخابات إلّا إذا مدّد البرلمان مدته الدستورية، الأمر الذي يتطلب تصويت أغلبية الثلثين. من المحتمل أن يجد الرئيس بري الرقم المطلوب، لكن من غير المرجح أن يكون ذلك كافيًا، لأنه ينبغي عليه أن يحصل أيضًا على دعمٍ طائفي واسع، من أجل إضفاء الشرعية الوطنية على قرارٍ مُثيرٍ للجدل.
علامة الاستفهام الكبيرة هي كيف ستصوّت الكتلة السنّية الرئيسة “تيار المستقبل”، التي يسيطر عليها رئيس الوزراء السابق سعد الحريري. إنسحب الحريري من السياسة في كانون الثاني (يناير) الفائت، في قرار يُعتَقَدُ على نطاقٍ واسع في لبنان أن المملكة العربية السعودية شجعته. إذا كان سيأمر كتلته بالتصويت لتمديد ولاية البرلمان، يمكن أن يُنظر إلى ذلك على أنه طريقة خفية لمحاولة البقاء نشطًا سياسيًا، وهو ما لا شك فيه أنه لا يريد أن يفعله.
حزب “القوات اللبنانية”، حزب مسيحي مهم يُنظر إليه على أنه قريب من المملكة العربية السعودية، مُعادٍ بشدة لأيّ تمديد، مُعتقدًا أنه يمكن أن يأخذ العديد من المقاعد من “التيار الوطني الحر”. وهذا يجعل عدم تصويت كتلة الحريري لصالح التمديد أكثر احتمالًا. في الوقت نفسه، لا يريد رئيس الوزراء السابق مواجهة الغضب الأوروبي. ويُحذّر ديبلوماسيون أوروبيون في بيروت من أن بعض دول الاتحاد الأوروبي قد يفرض عقوبات على أعضاء البرلمان الذين يصوّتون للتمديد.
لذا، إذا رفضت الكتلة السنّية الرئيسة و”القوات اللبنانية” الانضمام إلى بري، فإن هذا من شأنه أن يُقوّض الإجماع اللازم لجعل التمديد مقبولًا على الصعيد الوطني. ومع ذلك، بدون ضمانات التمديد، لن يكون أمام “حزب الله” وحركة “أمل” خيار سوى التحرك نحو الانتخابات، لتفادي حدوث فراغٍ في إحدى أهم المؤسّسات في الدولة التي يقودها شخص من مجتمعهما الشيعي.
المشكلة الثانية أكثر تعقيدًا. في لبنان، ينتخب مجلس النواب رئيس الجمهورية، وستنتهي ولاية الرئيس ميشال عون في وقت لاحق من هذا العام. وهو يطمح أن يخلفه باسيل. ومع ذلك، هناك مجموعة من المشاكل مع هذا السيناريو. أوّلًا ، الرئيس بري يعارضه بشدة. ثانيًا، يخضع باسيل لعقوباتٍ أميركية. وثالثًا، من غير الواضح ما إذا كان “حزب الله” يدعم حتى رئاسة باسيل اليوم.
إذا بدأ بري عملية تمديد ولاية البرلمان، فمن المحتمل جدًا أن يشترط عون وباسيل الموافقة على صفقة شاملة تستبدل دعم “التيار الوطني الحر” بالتزامٍ من “حزب الله” و”أمل” بدعم رئاسة باسيل. وهذا سيُزعِجُ “حزب الله” في وقتٍ ربما لا يريد الكشف عن أوراقه. كما يمكن أن يُحرجَ الحزب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، من خلال ظهور الأحزاب الشيعية بأنها تحرم الناخبين اللبنانيين من فرصة التصويت.
ثم هناك ضغطٌ دولي. اعتبرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الانتخابات خطوةً مهمة ستسمح للبنانيين باستبدال قيادتهم الفاسدة بشخصياتٍ أكثر مصداقية. في حين أن قلّة تتوقّع حدوث زلزال كبير، فإن واشنطن والاتحاد الأوروبي سيعتبران أي تمديد بمثابة مناورة ساخرة من قبل الطبقة السياسية للحفاظ على قوّتها من خلال تجنّب المساءلة الانتخابية.
وقد تكون لذلك تداعيات على مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي. في حين أن الصندوق لا يتدخّل في السياسة اللبنانية الداخلية، فإن استمرار القيادة السياسية بتأجيل الانتخابات سيُظهِر للمؤسسة أنه لا مصلحة في الإصلاح والتجديد في البلاد. قد يؤثر ذلك بشكل كبير في كيفية تعامل صندوق النقد الدولي مع السلطات اللبنانية في المستقبل.
من الصعب التكهّن بنتيجة الانتخابات. سيعتمد الكثير على مستوى المشاركة، حيث أنه كلما انخفضت المشاركة، كلما انخفضت عتبة دخول المستقلين وشخصيات المجتمع المدني إلى البرلمان. في هذه الحالة، قد تكون هناك مفاجآت. قد يكون هذا أكثر صحة لأن الكثير من الناس ليس لديهم سبب وجيه للتصويت لقادتهم أو أحزابهم الطائفية التقليدية، الذين لم يفعلوا شيئًا تقريبًا خلال عامين لإخراج لبنان من وضعه الاقتصادي السيئ، وهو أحد أسوإِ الأوضاع على الإطلاق.
لكن لا أحد يتوقع حقًا أن تُعيدَ الانتخابات رسم المشهد السياسي اللبناني بشكل جذري. لا يزال الزعماء الطائفيون أقوياء، بينما يوزع “حزب الله” رعاية كبيرة، وهو وضعٌ قد يتحسّن إذا كانت هناك مكاسب غير متوقعة من الإيرادات الإيرانية بفضل الاتفاق النووي الذي يجري التفاوض عليه حاليًا في فيينا. إذًا، قد يكون أفضل خيار للحزب هو السماح بإجراء الانتخابات، والتعامل مع تداعياتها بأفضل طريقة ممكنة.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.