أوكرانيا ضَحِيّةُ لُعبَة الأمم

قد تنجح روسيا على الصعيد الاستراتيجي في تحقيق الاهداف العسكرية التي وضعتها، ولكن الخطر يبقى في حرب الشوارع والمدن، والتي ستشكل حرب استنزاف للجيش الروسي من قبل المقاومة الأوكرانية.

الرئيس فولوديمير زيلينسكي: فاجأ العالم

السفير يوسف صَدَقة*

بعد التهديدات العسكرية الروسية، ونشر أكثر من مئة وخمسين الف جندي على الحدود الروسية-الأوكرانية، وفشل الوساطات الغربية، ولا سيما وساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الإلماني أولاف شولتز، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. اعلن الأخير صباح الخميس في 24 شباط (فبراير)، عن عملية عسكرية في أوكرانيا  تهدف الى نزع السلاح الأوكراني والاطاحة ب”السلطة النازية” الحاكمة في كييف حسب قوله.

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ان الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا لردع روسيا، وضّمها الى الحلف الأطلسي، مُتجاهلةً الأمن القومي الروسي. وأشار إلى أن روسيا، حاولت إقناع الغرب وأوكرانيا باتفاقات “مينسك”، لكن المحاولات لم تلقَ أي صدى. وأضاف ان الرئيس الأوكراني لم يلتزم باتفاقيات مينسك، وتحالف مع الناتو وسعى لامتلاك أسلحة نووية.

وكانت روسيا مهّدت الذريعة لعملياتها العسكرية، من خلال اعترافها بجمهوريتي دونتسك ولوغانسك في أوكرانيا، ومُصادقة البرلمان الروسي على ارسال قوات خارج الحدود، وإصدار بوتين أوامر بإرسال قوات عسكرية بناء على طلب المسؤولين الانفضاليين، لصدّ غزوات القوات المسلّحة الأوكرانية.

من جهّته أدان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الهجوم الروسي وطالب بتحالفٍ دولي لوقف العدوان الروسي، وأعلن رفضه الاستسلام، والهروب من المعركة. ودعا الشعب الأوكراني الى المقاومة المسلّحة، وطالب دول حلف الناتو بدعم أوكرانيا عسكريًا وإنسانيًا.

وقد اعتبر الرئيس الأوكراني إنه تعرض لخديعةٍ كبرى من قبل الغرب، وأعلن عدم متابعة رسائل الزعماء الغربيين على وسائل التواصل الاجتماعي…

ردود الفعل على التدخل الروسي

أدان الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الغزو الروسي على أوكرانيا، وكذلك الرئيس الفرنسي ماكرون، وزعماء دول الاتحاد الاوروبي، والأمين العام للحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات قاسية على روسيا، منها وقف تصدير التكنولوجيا والبرمجيات الالكترونية وفرض العقوبات على الرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف، و351 نائبًا من البرلمان الروسي، ووقف العمل بالخط الغازي نوردستريم2 من البلطيق الى المانيا.

واتخذ الاتحاد الاوروبي قرارًا صارمًا بوقف الرحلات الجوية من وإلى روسيا وإغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الطيران المدني الروسي . كما تمّ قطع نظام “سويفت” عن معظم البنوك في روسيا، أي نظام التحويلات المصرفية.

أثبتت العقوبات على روسيا منذ العام 2014 لدى ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، تأثيرها المحدود في الاقتصاد الروسي. وكانت روسيا تخلّت في العام 2018 عن سندات الخزينة الاميركية، وأنشأت بطاقة ائتمان خاصة بروسيا اسمها “مير”، إلّا أن العقوبات المالية هذه المرّة ستكون عقوبات قاسية جدًا على بنية الاقتصاد الروسي.

الأهداف الروسية لاجتياح أوكرانيا

تهدف روسيا في المقام الأول إلى إسقاط النظام الاوكراني المُعادي لروسيا والمتحالف مع الغرب و تعزيز أمنها القومي. ويعود التوتر في العلاقات الروسية-الأوكرانية الى العام 2014، بعد الاطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو من قبل السياسيين الموالين للولايات المتحدة والغرب.

زعم بوتين ان الغرب لم يترك له اية خيارات موضوعية، وأشار إلى أنه لن يسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة نووية، وأكد على أهمية تمتّع شعوب أوكرانيا بحق تقرير المصير.  وقد ادّعى الناطق بإسم الخارجية الروسية، بأن كلًّا من بايدن وإسرائيل يعملان على تحويل أوكرانيا دولة من دول الناتو، تكون قاعدة للصواريخ النووية والتي قد تهدّد موسكو!

ما الأسباب التي دفعت روسيا إلى مهاجمة أوكرانيا في هذا التوقيت؟ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • الإنقسامات السياسية في أوكرانيا بين الموالين للغرب، والحياديين والموالين لروسيا.
  • قلة خبرة الرئيس الأوكراني زيلنسكي واعضاء الحكومة الاوكرانية في مجال العلاقات الدولية.
  • إنقسام الاتحاد الاوروبي بين دول معادية لروسيا مثل بولندا وهنغاريا ودول البلطيق، ودول اخرى تتخذ مواقف معتدلة تجاه روسيا ومنها المانيا، فرنسا، وإيطاليا.
  • عدم إمكانية التدخل العسكري الأميركي والاوروبي في النزاع، ولا سيما بعد الفشل الأميركي في أفغانستان وسوريا والعراق.
  • عدم استعداد اميركا والغرب، التورط مع روسيا في حرب، بخاصة وأن أوكرانيا غير منضمّة الى الحلف الأطلسي ولا تخضع لشرعة الاطلسي، والتي تنص المادة الخامسة منها: “إذا تعرّضت إحدى دول الحلف للإعتداء، يتضامن جميع دول الحلف في الدفاع عنها بالوسائل العسكرية”.
  • تفرّغ اميركا لمواجهة الصين لا يجعلها تهتم بالمنافسة الاقتصادية الروسية، خصوصًا وان حجم الناتج القومي الروسي يعادل حجم إسبانيا.

إن الهدف الاستراتيجي الروسي، هو اعادة روسيا كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الاوروبي، بحيث تعود مُجَدَّدًا لتمثل تأثيرًا محوريًا على الساحة الدولية.

الادارة الاميركية والأزمة الدولية الأوكرانية

لا تُبدي الإدارة الاميركية أية نية للتدخل العسكري في أوكرانيا  بعد انسحابها من أفغانستان وإبقاء قوات محدودة في كل من العراق وسوريا. حيث لا تشكل أوكرانيا أي خطر على الأمن القومي الأميركي. ولكن المقاربة الأميركية للتدخّل الروسي وفق “النظرية الوظيفية” في العلاقات الدولية تتمثل في المعطيات التالية:

  • جرّ بوتين الى عملٍ عسكري مرعب لأوروبا، بعد رفض الولايات المتحدة الاميركية منح الضمانات التي طلبتها روسيا.
  • نجاح بايدن في حشد دول الاتحاد الاوروبي لفرض عقوبات قاسية على روسيا.
  • دفع كل من فرنسا والمانيا إلى ملعب العقوبات، حيث ترأس فرنسا الاتحاد الاوروبي، والمانيا مجموعة الدول السبع، وهما الدولتان التي سعتا الى حلّ الأزمة بطريقة سلمية.
  • إضعاف العلاقات بين روسيا والاتحاد الاوروبي.
  • تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في شرق اوروبا والبلطيق وترسيخ فكرة الخطر الروسي.
  • محاولة الإيقاع بين الاتحاد الاوروبي وروسيا، وإشغالهما بصراع طويل مرهق لتكون أميركا في النهاية هي المنقذ للإتحاد.

التغيير في الاستراتيجية العسكرية الروسية

إعتمدت روسيا في النزاع الاوكراني استراتيجية جديدة في الهجوم تُخالف النمط السوفياتي، والذي يتمثل بإطلاق المدفعية وراجمات الصواريخ والتدمير والتقدم العسكري في أرضٍ محروقة. وجدد الرئيس بوتين منذ عشر سنين، التدريبات الحديثة للجيش الروسي، وتم تعزيز القوات الخاصة والقوات المظلية بالقدرات الفنية والعتاد.

هذا وقد بدأ الهجوم الروسي بعد تدمير المطارات والمراكز العسكرية، والاتصالات ومنصات الصواريخ، ومن ثمّ بدأ هجوم المدرعات وفي الوقت نفسه، جرت عمليات الإنزال للمظليين في موانئ أوديسا خرسون وميناء ماريوبل، وأطراف العاصمة الاوكرانية ومدينة خاركوف، حيث تلتحم القوات المظلية  مع القوات الخاصة والمدرّعات. وقد اعتمدت هذه الخطة في مناطق عدة، وخصوصًا في عملية احتلال الموانئ المذكورة أعلاه .

نجحت روسيا على الصعيد الاستراتيجي في الاهداف العسكرية التي وضعتها، ولكن الخطر يبقى في حرب الشوارع والمدن، والتي ستشكل حرب استنزاف للجيش الروسي من قبل المقاومة الأوكرانية.

وقد أفادت معلومات ديبلوماسية بأن الجيش الروسي يهدف الى إقفال الممرات الاوكرانية على البحر الاسود، لذا تمّ إنزال المظليين في ماريوبل واوديسا القريبتين من حدود مالدوفا.

كما ان القوات الروسية ستعمل على اقفال الحدود الاوكرانية-البولونية لمنع وصول المساعدات العسكرية الغربية.

تداعيات النزاع الروسي – الأوكراني

أدّى النزاع الروسي-الأوكراني إلى تداعياتٍ كبيرة على اوروبا وعلى العالم. وستؤدي العقوبات الغربية القاسية إلى الإضرار بشكلٍ كبير بالاقتصاد الروسي. فقد تجاوزت روسيا العقوبات المعقولة في العام 2014، على اثر ضمّ شبه جزيرة القرم، عبر التعاون مع الصين من طريق دعمها العملة الروسية ونمو التجارة بين البلدين.

وقد زادت المبادلات مع الصين الى نسبة 35% في العام 2021 ومنها دعم روسيا بالاجهزة الالكترونية والهواتف الذكية وغيرها…

كما ستؤدي العقوبات الى وقف العمل بخط أنابيب الغاز من روسيا الى المانيا عبر خط “نورد ستريم 2”.

على صعيد آخر فإن الاقتصاد الاوروبي سيعاني من زيادة سعر النفط حيث بلغ سعر البرميل الواحد 107 دولارات، وزادت أسعار الغاز بنسبة 35%. اما البديل من الغاز الروسي فسيكون صعبًا على الدول الاوروبية، في الحصول على موارد غازية، تعوض النقص الهائل للغاز في الاسواق الاوروبية.

على الصعيد الاستراتيجي هدفت روسيا الى اظهار قدرات الجيش الروسي المتطورة في عمليات الهجوم والأداء لردع أي طرف في مواجهة روسيا وردع الدول المنضمّة الى الحلف الأطلسي، والتي كانت جُزءًا من الاتحاد السوفياتي في السابق. يبقى أن أوكرانيا وقعت ضحية لعبة الأمم بين الغرب وروسيا، وقد دفعت ثمن استقلالها حيث لا حرية لدولة صغيرة او متوسطة امام سطوة الدول العظمى، وقد دفعت أوكرانيا ثمن حماسها للاتحاد الأوروبي والناتو.

والسؤال المطروح هل ستطبق أوكرانيا في المستقبل نموذج الحياد الفنلندي والذي أكد عليه وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر في إحدى مقالاته الشهيرة في العام 2014.

  • السفير يوسف صدَقة هو ديبلوماسي لبناني سابق وأول سفير لبناني في أوكرانيا (2006 – 2013).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى