تايوان: هل تتعلّم الدروس الصحيحة من أوكرانيا؟

ريان هاس *

أدّى ترهيب روسيا وغزوها لأوكرانيا إلى تشكيك بعض المُعلّقين الإعلاميين والمُحلّلين السياسيين في قوة ومصداقية أميركا. وهو أمرٌ يُغذّي التكهّنات حول ما إذا كانت بكين ستُكرّر تحركات موسكو وتسعى إلى الاستيلاء على تايوان بالقوّة. مثل هذا التحليل السطحي يجب ألّا يُثير القلق العام في تايوان أو يجذب انتباه قادتها. من المؤكد أن هناك دروسًا وعِبَرًا يمكن لقادة تايوان استخلاصها من الأحداث في أوكرانيا، رُغمَ أنها لا تُشبه الوضع الذي يواجهونه.

الرئيس فلاديمير بوتين هو المؤلف الوحيد للأزمة التي تتكشّف في أوكرانيا. روسيا هي المُعتدية وهي التي تُفاقِمُ التوترات. ومع ذلك، فإن الخطوط العريضة للأزمة كانت مُتَوَقَّعة ومُرجَّحة. عندما عمل سفيراً للولايات المتحدة في روسيا من 2005 إلى 2008، حذّر مدير وكالة المخابرات المركزية الحالي وليم بيرنز من أن قبول أوكرانيا لعضوية “الناتو” من شأنه أن يرقى إلى “خلق تحدٍّ استراتيجي”. وحذر بيرنز حينها من أن روسيا ستردّ بالتدخّل في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا واتخاذ خطوات أكثر جرأة بمرور الوقت للسعي إلى الحفاظ على أوكرانيا داخل فلك روسيا. لقد عكس في مذكراته، “القناة الخلفية”، أن قرار الرئيس جورج بوش (الإبن) بالإعلان عن دعم عضوية أوكرانيا المستقبلية في “الناتو” في قمة بوخارست في العام 2008 ترك الولايات المتحدة في وضعٍ غامض – ذلك أنه أدى إلى الانغماس في تطلعات أوكرانيا إلى عضوية الناتو، وهو تعهّد لم تكن إدارة بوش المُنتَهية ولايته في وضع يمكنها الوفاء به، وفي الوقت نفسه تعززت وجهة نظر بوتين بأن الولايات المتحدة كانت غير مُبالية بتحذيره من أن مثل هذه النتيجة ستُمثّل تحدّيًا وجوديًا للهوية القومية لروسيا.

في السنوات التي تلت ذلك، تحدث المسؤولون الأميركيون والأوروبيون بحزم لدعم أوكرانيا لكنهم لم يُطابقوا الكلمات بالأفعال المتناسبة. كما أبرز الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2014، فإن الخطاب القوي لم يفعل شيئًا لردع محاولات بوتين لاستعادة سيطرة أكبر على مصير أوكرانيا.

الدرس الأول لتايوان من الأزمة التي تتكشّف في أوكرانيا هو أن الكلمات لا يمكن أن تحلّ محل العمل الجاد لتعزيز الردع والصمود. يجب أن تؤدي تجربة أوكرانيا إلى إحساسٍ أكبر بالإلحاح في تايوان للتغلب على العقبات البيروقراطية والحزبية للالتحام حول استراتيجية دفاعية مناسبة لبيئة التهديد في تايوان وقيود الموارد. نظرًا إلى الفجوة الكبيرة في الموارد الوطنية بين تايوان والصين، فمن غير المعقول أن تنتصر تايوان على الصين في حرب استنزاف. وبدلًا من ذلك، من المرجح أن تحتاج تايوان إلى تعزيز الردع من خلال تركيز الاستثمارات في القدرات العسكرية التي تستهدف القوة الغازية عند نقطة ضعفها القصوى بالقرب من شواطئ تايوان.

الدرس الثاني هو ضبط المقارنات بين الوضع في أوكرانيا وأمن تايوان. مثل هذه المقارنات لا تُبرّرها الحقائق التي يمكن ملاحظتها. أوكرانيا، مع حدودها البرية مع روسيا وبيلاروسيا، هي أكثر عرضة للقوات البرية الروسية من تايوان مع مسافة ال100 ميل (في البحر) التي تفصلها عن الجيش التحرير الشعبي. تايوان هي تاسع أكبر شريك تجاري لأميركا، بعد الهند وفرنسا. أوكرانيا في المرتبة 67. تحتل تايوان مكانة مركزية في سلاسل القيمة العالمية. نصيبُ الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا يحتل المرتبة 135 في العالم حسب صندوق النقد الدولي. تُعَدُّ تايوان مثالًا قويًا على الديموقراطية الليبرالية المزدهرة. تحتل أوكرانيا المرتبة 122 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية. لا تدعو أيٌّ من هذه الحقائق أو تتغاضى عن المحاولات الروسية لتغيير الحدود الوطنية من خلال استخدام القوة. إنها تُسلط الضوء ببساطة على التناقض بين تايوان وأوكرانيا.

هذا التمييز مفهومٌ على أعلى المستويات في إدارة بايدن. في مقابلةٍ أُجرِيَت معه أخيرًا، أوضح مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، أن “قانون العلاقات مع تايوان أداةٌ فريدة – لا نمتلكها مع دولٍ أخرى؛ ليس لدينا ذلك مع أوكرانيا – هذا القانون يتحدث عن الالتزامات الأميركية لدعم تايوان بطرق مختلفة”.

استبعدت إدارة بايدن أصلًا التدخّل العسكري الأميركي في أوكرانيا. جُزءٌ من تبريرها لفعل ذلك هو الاستمرار في التركيز على التهديدات في المحيطين الهندي والهادئ. داخل هذه المنطقة، لا توجد قضية أمنية في واشنطن تحظى باهتمامٍ أكبر من تايوان.

غالبًا ما تؤدي التحوّلات الجيوستراتيجية إلى نتائج غير مُتَوَقَّعة. على سبيل المثال، قررت إدارة ترومان في الأصل عدم التدخّل في الحرب الأهلية الصينية للدفاع عن تايوان من الغزو المُتوَقَّع للحزب الشيوعي الصيني. بعد اندلاع الحرب الكورية، عكس ترومان مساره وأرسل الأسطول السابع للدفاع عن تايوان. منذ ذلك الحين وحتى الآن، لم تعبر القوات الصينية مضيق تايوان وتهبط في الجزيرة.

وبالمثل، يمكن أن تؤدي الأحداث في أوكرانيا إلى نتائج غير مُتَوَقَّعة. يمكنها تسريع الجهود لتعزيز موقف الردع في تايوان. إذا كان الأمر كذلك، فسيكون من الحكمة أن تستجيب واشنطن وتايبيه لتوجيهات الرئيس السابق ثيودور روزفلت بـ”التحدث بلطف وحمل عصا غليظة”. تستدعي هذه اللحظة بذل جهود ثابتة وحازمة ومنضبطة وموحدة لتقوية القدرات الدفاعية لتايوان، وليس الخطاب الصاخب حول الصراعات الإيديولوجية أو التعديلات في السياسة الإعلانية الأميركية بشأن تايوان.

والأهم من ذلك، أن هذه اللحظة هي فرصة لقادة تايوان الحاليين والمستقبليين لغرس الثقة في مستقبل تايوان. هدف بكين هو إحداث شعور بالقَدَرِيّة داخل تايوان. لا شيء من شأنه أن يوفر مواجهة رادعة أقوى من التقدّم نحو تعزيز الوحدة السياسية والأمن القومي في تايوان.

  • رايان هاس هو زميل كبير ورئيس مايكل هـ. أرماكوست في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، حيث يشغل منصبًا مشتركًا في مركز جون إل ثورنتون الصيني ومركز دراسات سياسة شرق آسيا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @ryanl_hass.
  • يصدر هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” (لندن) توازنًا مع صدوره بالإنكليزية في صحيفة “تايبيه تايمز” (تايبيه – تايوان).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى