طريقُ لبنان للتَخلّص من سيطرة “حزب الله”

مايكل يونغ*

السؤالُ الذي يُشغِلُ بالَ الكثيرين من اللبنانيين هو: كيف تتحرّر بلادهم من هَيمَنَةِ إيران وسيطرة حليفها المحلّي “حزب الله؟ هل هناك صفقةٌ يمكن التوصّل إليها حيث سيكون الإثنان مُستعدَّين للتخلّي عن قدرٍ من السيطرة؟

كانت أداةُ السلطة الإيرانية مُتشابِهة في كلِّ تلك الدول العربية التي تُمارِسُ فيها طهران نفوذًا – اليمن ولبنان وسوريا والعراق. إنها تدور حول رعاية الميليشيات المُسلّحة التي لديها القدرة على التصرّف بطريقةٍ مُختَلَطة – من خلال مؤسسات الدولة، ولكن أيضًا خارجها عندما يُناسب ذلك أغراض إيران.

وهذا هو السبب في أن عدم الرضا عن النفوذ الإيراني يعني بشكلٍ أساس إيجاد حلولٍ لوجود الميليشيات الموالية لإيران. وهذا يُفسّر في لبنان سبب بحث خصوم “حزب الله” عن آلياتٍ يُمكن أن تؤدّي إلى نزعِ سلاح الحزب.

ليس من المُستغرَب أن يؤدي هذا النهج بسرعة إلى طريقٍ مسدود. “حزب الله” لن يُسلِّمَ أسلحته طواعية، وإذا حاول أيُّ طرفٍ القيام بذلك بالقوّة، فمن غير المُرجّح أن ينجح. كما لا يوجد حلٌّ داخلي مُمكن، حيث يستطيع لبنان اتخاذ إجراءاتٍ ضد “حزب الله” ويتجنّب بعدها حربًا أهلية جديدة.

السياق الإقليمي يُفسّر التعنّت الإيراني. لقد استندَ التقدّم الإيراني في الشرق الأوسط بشكلٍ أساس إلى استغلال الانقسامات في الدول العربية. بينما يعمل الإيرانيون على توسيع قوتهم وتعزيزها، كما هو الحال اليوم، فمن غير المحتمل أن يُفكِّروا هُم أو وكلاؤهم في تقديم تنازلات.

لذا فإن فكرة وجودِ حلٍّ سحري لمشكلة “حزب الله” هي وهم. لا يوجد خيارٌ عسكري، ولا توجد صفقة سياسية مُحتَمَلة يمكن التوصّل إليها، على الأقل في الوقت الحالي، من شأنها أن تَشرَع في عملية تسريحٍ عسكري، ناهيك عن جعل الحزب يتبنّى النظام الدستوري الشرعي في لبنان.

بدلًا من ذلك، إذا كانت هناك حلولٌ، فقد يتعيَّن النظر فيها في حدود النظام الطائفي في لبنان. يُمكن ل”حزب الله” أن يتغلّب على العديد من العقبات، لكن ليست لديه وسيلة للاستهزاء إلى أجلٍ غير مُسمّى بالقواعد غير المكتوبة للعلاقات الطائفية والتعددية التي تُوَلِّدها. بالنسبة إلى حزبٍ يُمثِّلُ شريحةً من المجتمع الذي هو نفسه أقلية في لبنان، فإن فَهمَ هذه القواعد ضروري.

النظامُ الطائفي اللبناني هو أحد الأسباب الذي يجعل من العبث الافتراض أن “حزب الله” وأنصاره من الشيعة سُيفكّرون في الانفصال عن إيران. النفوذ الإيراني في لبنان موجودٌ ليبقى طالما أنه راسخٌ في واحدٍ من المجتمعات الرائدة في البلاد. ولكن على المنوال نفسه كذلك، فإن هناك تأثيرًا للدول العربية السنّية، ولا سيما دول الخليج التي تظل نقطة مرجعية لمعظم أهل السنّة.

لهذا السبب، بينما لا يُمكن إخراج إيران من لبنان، يمكن وضعُها في وضعٍ لا تعود فيه القوّة المُهَيمِنة الوحيدة في البلاد. ولكي يحدث هذا، يجب على الدول العربية الخليجية (وغيرها من الدول العربية ذات الغالبية السنّية) تعزيز قواعدها في لبنان ولعب دورٍ سياسي في البلاد. هذا لا يعني بالضرورة استثمار مليارات الدولارات لدعم النخبة السياسية الفاسدة أو غير الكفؤة، ولكن يجب تعزيز المجتمع السنّي الذي يشعر اليوم بأن دول المنطقة قد تخلّت عنه.

قد يتساءل البعض ماذا ستكون الفائدة. مع تزايد رهانات القوى الخارجية في لبنان، سيتم استبدال تفوّق وسيادة إيران بوضعٍ يتعيّن على طهران فيه مُراعاة مصالح الأطراف الأجنبية الأخرى والتفاوض معها.

طهران و”حزب الله” على دراية تامة بالمخاطر. لهذا السبب لم يكُنا مُستاءَين، على سبيل المثال، من رؤية فشل مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العام 2020، والتي كانت تهدف إلى تشكيل حكومة تكنوقراط في بيروت لإدخال إصلاحات اقتصادية. لم ترغب إيران و”حزب الله” في إعطاء دورٍ كبيرٍ مؤثّرٍ لفرنسا في الشؤون اللبنانية.

ليس من المُستغرَب، عندما زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بيروت في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، كان عرضه لإعادة بناء مرفإِ المدينة مُوَجَّهًا جُزئيًا ضد طموح باريس للقيام بذلك بنفسها، من خلال شركة الشحن الفرنسية “CMA-CGM”.

لكن حدود القوّة الإيرانية كانت واضحة في الصيف الماضي، عندما توصّلت مصر والأردن إلى تفاهمٍ مع الولايات المتحدة لإرسال الغاز المصري إلى لبنان عبر خط أنابيب يمرّ عبر سوريا لتوليد الكهرباء. المشروع مُثيرٌ للجدل، فهو طريقة لإعادة دمج دمشق في الحظيرة العربية، لكنه اعتُبِرَ أيضًا عائقًا أمام جهود إيران لاستغلال الانهيار الاقتصادي في لبنان لأغراضها الخاصة.

وفي الواقع، في اليوم السابق لإعلان السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيّا، عن الخطّة، توجّه الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، إلى موجات الأثير لاستباق الخطوة من خلال الوعد بأن إيران نفسها ستُرسِل الوقود إلى لبنان.

أفضل ما يُمكن أن نأمله هو إجبار إيران على القبول بأن لبنان هو مصلحة مشتركة بينها وبين الدول العربية. لن يكون هذا سهلًا، ولن يتماشى معه “حزب الله” وإيران بسهولة. لكن “حزب الله” لا يُسيطر على المجتمعات غير الشيعية في لبنان (ويواجه مقاومة من بعض الأوساط الشيعية). إذا وسّعت الدول العربية جهودها هناك، فيُمكنها الاستفادة من النظام الطائفي لتذكير طهران بأنها لا تستطيع أن تُقرّر مسار لبنان بمفردها.

هذا لن يحل مسألة سلاح “حزب الله”، ولا هذه النتيجة هي واقعية اليوم. لكن بمجرد تقييد إيران بمناورات الدول العربية، ستُدرك أن السعي وراء الهيمنة على المجتمعات العربية يخلق صدًّا. وهذا سيُلزِمها بتقديمِ تنازلاتٍ تؤدّي في النهاية إلى تفاهماتٍ بعيدة المدى.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى