ترويض رجل سوريا المارق هل يُفيد؟

نهج “خطوة مقابل خطوة” قد ينجح في إطلاق العملية السياسية المتعثرة ولكنه لن يحلّ الصراع في سوريا.

صور الأسد في كل مكان في سوريا: لا يوجد حلٌّ عادل مع وجوده في السلطة!

كرم شعّار*

بدأت القوى الغربية تُدرِكُ أنّ خلعَ بشّار الأسد عن عرشه أكثر تكلفة مما افترضته عندما بدأت الانتفاضة السلمية في العام 2011. فبعد مقتل نصف مليون شخص، لقيت الغالبية العظمى منهم حتفها على أيدي القوات الموالية لنظام الأسد، وبعد نشر عشرات الآلاف من الصور التي تُثبِتُ التعذيب على نطاق واسع في زنازين نظامه، وبعد تشريد نصف سكان البلاد، يبدو أن هناك تحوّلًا في أوساط السياسة الغربية.

يبدو أن عناد الأسد طوال الصراع بدأ يُؤتي ثماره الآن. لقد خفّضت الدول الغربية توقّعاتها، حيث باتت تعتبر أن تغيير سلوك الأسد كافيًا في الوقت الحالي. ركّزت المُحادثات أخيرًا على نهج “خطوة مقابل خطوة”، وهو طرحٌ يهدف إلى تقديمِ تنازلاتٍ صغيرة بشكل تدريجي ومُتبادَل بما يؤدي إلى علاقةٍ مُتبادِلةِ المنفعة تردم الهوّة بين الأهداف الغربية في سوريا وتلك التي تسعى إليها دمشق. في كانون الأول/ ديسمبر 2021، قال المبعوث الأممي الخاص بسوريا، غير بيدرسون، إنه عقد اجتماعات في دول عربية عدة وكذلك مع الأميركيين والأوروبيين، ويعتقد أن “هناك فرصة جادة لمناقشة إمكانية تنفيذ نهج خطوة مقابل خطوة”.

رسميًا، ما تريده معظم الدول المعارضة هو أن يقبل الأسد قرار الأمم المتحدة رقم 2254، الذي يدعو، ضمن قائمة تشمل مسائل أخرى، إلى انتخاباتٍ نزيهة ودستور جديد وحُكمٍ ذي مصداقية وشاملٍ وغير طائفي. ومع ذلك، رفض الأسد التزحزح عن موقفه لأن مستوى الضغط الذي يُمارَس عليه أقل مما هو مطلوب لإجباره على قبول شروط القرار 2254، والذي سيؤدي في النهاية إلى إبعاده عن السلطة وربما يُزَجُّ به في السجن. نظرًا إلى الاستعصاء السياسي المؤلم، فإن اتباعَ نهجٍ جديد لحلّ الصراع السوري له ما يُبرّره بالفعل. لكن هل يمكن لسياسة “خطوة مقابل خطوة” أن تنجح مع الأسد؟

ترويض سيّد الخداع

بينما يتمتع حلفاء الأسد بنفوذٍ كبير عليه، فإنه ليس مجرد دمية كما يُصوّره في كثير من الأحيان أولئك الذين يكرهونه. إنه سيد الخداع. بعد غزو العراق في العام 2003، على سبيل المثال، سهلت أجهزة مخابرات الأسد مرور الجهاديين إلى المناطق الحدودية الغربية للبلاد. وفي محاولة للحد من الطموحات الأميركية الإقليمية، ساعد الأسد على تحويل العراق إلى مستنقعٍ للولايات المتحدة وحلفائها، بينما عزا هو، بشكل خادع، سبب عبور المقاتلين الأجانب إلى استحالة السيطرة على مثل هذه الحدود المليئة بالثغرات، ورسَم تشابهًا للصعوبة التي تواجهها أميركا عند محاولتها للسيطرة على تدفق المهاجرين من المكسيك.

بالإضافة إلى ذلك، خلال السنة الأولى من الاحتجاجات السلمية ضد حكمه، استجاب الأسد لاثنين من المطالب الرئيسة للمُحتَجّين: رفع قوانين الطوارئ التي كانت سارية منذ العام 1963 وإلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تنص على أن “حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع”. غير أنه في السنوات التي تلت، نمت الإعتقالات التعسّفية والقتل خارج نطاق القضاء للمعارضين بشكل مضطرد، فيما زادت حصة المقاعد التي يشغلها حزب البعث في مجلس الشعب.

في العام 2013، بعد عامين من القمع الوحشي، بدأ نظام الأسد، وفقًا لجميع المصادر الموثوقة، إستخدام الأسلحة الكيماوية لقتل شعبه. وبعد زعمه تسليم مخزونه بالكامل من غاز الأعصاب تحت رعاية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، شن نظامه هجمات كيميائية مرات عدة في تجاوزٍ واضح “للخط الأحمر” الذي وضعته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

سيكون من الصعب ترويض الأسد كما يشهد عليه تاريخه. لذلك، يجب على صانعي السياسة الغربيين أن يتعاملوا معه بحذر. وبينما يستحق نهج “خطوة مقابل خطوة” التجربة، يجب تطبيق أربعة مبادئ أثناء مساعي تنفيذه.

إمتيازات وتنازُلات

لضمان تحقيق أهداف السياسة بشكلٍ مُستدام، وبالنظر إلى سجل الأسد في الخداع والتحايل، يجب أن تكون تنازلاته قابلة للتحقّق وأن تكون التنازلات التي تُمنح له بالمقابل قابلة للتراجع عنها أو سحبها بسهولة. على سبيل المثال، رفع عقوبات قيصر، وهي جُزءٌ من القانون الأميركي، مقابل وعد الأسد بالإفراج عن جميع المعتقلين الأحياء، لا يمكن التحقّق منه ولا التراجع عنه بسهولة. السيناريو الأكثر مثالية قد ينطوي، كنقطة بداية، على السماح بالوصول إلى سجون الأسد. وبمجرد التحقق من أسماء جميع السجناء الأحياء، يمكن إطلاق سراحهم مقابل رفع العقوبات المفروضة على التحويلات المالية على سبيل المثال وبحيث يمكن إعادة فرض هذه العقوبات إذا اختار الأسد إعادة اعتقال من أَفرج عنهم.

لا تنازلات مجانية

في تشرين الثاني /نوفمبر 2021، أعلنت مجموعة شركات من الإمارات العربية المتحدة عن منح قرضٍ مدته عشر سنين لبناء محطة طاقة شمسية بالقرب من دمشق، عقب زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد إلى سوريا – والتي كانت الأولى من نوعها منذ بدأ الصراع. كذلك تم اتخاذ خطوات مُماثلة تخدم الأسد بدون أيّ تنازلات ملحوظة منه في المقابل. على سبيل المثال، سُمح لنظامه أيضًا إستضافة مؤتمر الطاقة العربي في العام 2024. إن تقديم تنازلاتٍ من دون الحصول على تنازلاتٍ مُقابِلة يجعل نهج “خطوة مقابل خطوة” أقرب إلى التطبيع.

إعتماد نهجٍ أكثر فعالية

لا تنظر الدول الغربية إلى سوريا على أنها مهمة بما يكفي لتبرير تقديم تنازلاتٍ كبيرة لحلفاء الأسد لإنهاء الصراع. مع ذلك، فهناك تغييرات عدة منخفضة التكلفة في سياسات الدول الغربية يمكن لها أن تساعد على زيادة الضغط على دمشق. تتضمّن هذه التغييرات تبنّي سياسات مُتّسقة ونشطة ومتزامنة بين الشركاء الغربيين. تغييرٌ آخر ذو جدوى يكمن في استخدام مجموعة أدوات الضغط الحالية، ولا سيما العقوبات، بشكل أكثر كفاءة.

وضع استراتيجية كبرى في الاعتبار

يتمثّل الخطر الرئيس في اتباع نهج “خطوة مقابل خطوة” عند التعامل مع الأسد في استخدامه كأداةٍ للوصول إلى تسوية للصراع تحفظ ماء وجه الدول المُعادية له، ما يستوجب التذكير بأن أيَّ تسوية لا تُعالج الأسباب الجذرية للصراع كالاستبداد والوحشية والطائفية وعدم المساواة والفساد ستكون وصفة لعدم الاستقرار الدائم.

في لبنان المجاور، على سبيل المثال، يعود جُزءٌ كبير من الهشاشة الاجتماعية والسياسية، اليوم، إلى اتفاق الطائف. على الرغم من أن الاتفاق المذكور أنهى الحرب الأهلية في العام 1990، إلّا أنه فعل ذلك ببساطة من طريق تعديل نظام تقاسم السلطة القائم على الطائفية وإرضاء معظم أمراء الحرب في البلاد، مع بذل القليل جدًا لمعالجة المُسبّبات الجوهرية للصراع. الاتفاق المستدام الذي يُحسِّن الاستقرار الإقليمي وينهي المعاناة الإنسانية هو اتفاقٌ بين الناس، وليس بين أمراء الحرب المتنافسين الذين يقمعونهم.

يمكن استخدام نهج “خطوة مقابل خطوة” لإطلاق العملية السياسية المتعثّرة. غير أنه، لا يمكنه، بمفرده، تقديم حلٍّ دائمٍ وعادل. يجب أن يرحل الأسد. ويجب عليه أن يوافق، في النهاية، على قرار مجلس الأمن رقم 2254، وينبغي أن يواجه العدالة.  أيّ حلٍّ سياسي لا يضع هذا الأمر في الاعتبار، فإنه في المدى الطويل، ليس فقط غير عادل للسوريين والإنسانية جمعاء، ولكنه سيزرع بذور صراعٍ مُقبل في المنطقة – ومرة أخرى سُيترَك السوريون والعالم من حولهم يعانون من العواقب.

  • الدكتور كرم شعّارهو مدير الأبحاث في مركز السياسات وبحوث العمليّات (OPC) في غازي عينتاب-تركيا، وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. يمكن لمتابعته عبر تويترعلى:  @KaramShaar
  • الآراء الواردة في هذا المقال تمثّل كاتبه وهي خاصة به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى