إسرائيل لم تَكُن أبدًا دولةً ديموقراطية: لماذا إذًا يَندُبُ الغربُ نهايةَ إسرائيل “الليبرالية”؟

لم تتغَيَّر إسرائيل كثيرًا منذ نشأتها، سواءَ في تعريفها الذاتي أو في معاملتها للفلسطينيين. إن عَدَم فَهم هذا الأمر يُعادلُ الموافقة الضمنية على سياسات إسرائيل العنصرية والعنيفة والاستعمارية في فلسطين المحتلة على مدار 75 عامًا.

بن غفير يقتحم ساحة المسجد الأقصى: صورة من المتوقع أن تتكرر أكثر في الأيام المقبلة.

رمزي بارود*

حتى قبل أن تؤدي الحكومة الإسرائيلية الجديدة اليمين رسميًا في 29 كانون الأول (ديسمبر) الفائت، بدأت ردود الفعل الغاضبة في الظهور، ليس فقط بين الفلسطينيين وحكومات الشرق الأوسط الأخرى، ولكن أيضًا بين حلفاء إسرائيل التاريخيين في الغرب.

في 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، قال بعض كبار المسؤولين الأميركيين لموقع “أكسيوس” (Axios) أن إدارة جو بايدن “من غير المرجح أن تتعامل مع السياسي اليهودي المُتعصّب، إيتامار بن غفير”.

في الواقع، تجاوزت مخاوف الحكومة الأميركية بن غفير، الذي أدانته محكمة إسرائيلية في العام 2007 لدعمه منظمة إرهابية والتحريض على العنصرية.

وبحسب ما أفادت معلومات متطابقة، “ألمح” وزير الخارجية الأميركية توني بلينكين ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان إلى أن الحكومة الأميركية ستُقاطع “المُتطرّفين اليمينيين الآخرين” في حكومة نتنياهو.

ومع ذلك، بدت هذه المخاوف الشديدة غائبة عن بيان التهنئة الذي أدلى به السفير الأميركي لدى إسرائيل، توم نايدس، في اليوم التالي. أفادَ نايدس أنه “هنّأَ (نتنياهو) على فوزه وقال له إنني أتطلع إلى العمل معًا للحفاظ على الرابطة غير القابلة للكسر” بين البلدين.

بعبارة أخرى، هذه “الرابطة غير القابلة للكسر” هي أقوى من أيِّ قلقٍ أميركي عام بشأن الإرهاب والتطرّف والفاشية والأنشطة الإجرامية.

بن غفير ليس المجرم الوحيد المُدان في حكومة نتنياهو. أرييه درعي، زعيم حزب “شاس” المتشدّد، أُدينَ بتهمة الاحتيال الضريبي في أوائل العام 2022، وفي العام 2000، قضى عقوبة بالسجن لقبوله رشاوى عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية.

بتسلئيل سموتريتش هو شخصٌ آخر مُثيرٌ للجدل، حيث هيمنت عنصريته ضد الفلسطينيين على شخصيته السياسية لسنوات عديدة.

في حين تم تكليف بن غفير بمنصب وزير الأمن الوطني، تم تكليف درعي بوزارة الداخلية وسموتريتش بوزارة المالية.

الفلسطينيون والدول العربية غاضبون وقلقون عن حق، لأنهم يدركون أن الحكومة الجديدة من المرجح أن تزرع المزيد من العنف والفوضى.

بوجود العديد من السياسيين الأشرار في إسرائيل في مكان واحد، يعرف العرب أن ضمَّ إسرائيل غير القانوني لأجزاءٍ من الأراضي الفلسطينية المحتلة قد عاد إلى جدول الأعمال. وأن التحريض ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، مقرونًا بغاراتٍ على المسجد الأقصى (كما فعل أخيرًا بن غفير) سيزداد أضعافًا مضاعفة في الأسابيع والأشهر المقبلة. ومن المتوقع أن يتزايد أيضًا الضغط من أجل بناء وتوسيع المستوطنات غير القانونية.

هذه ليست مخاوف لا أساس لها. بصرف النظر عن التصريحات والأعمال العنيفة والعنصرية للغاية لنتنياهو وحلفائه في السنوات الأخيرة، فقد أعلنت الحكومة الجديدة فعليًّا أن للشعب اليهودي “حقوقًا حصرية وغير قابلة للتصرّف في جميع أنحاء أرض إسرائيل”، ووعدت بتوسيع المستوطنات ، بينما نأت بنفسها عن أيِّ التزامات بإقامة دولة فلسطينية، أو حتى الانخراط في أيِّ “عملية سلام”.

لكن بينما كان الفلسطينيون وحلفاؤهم العرب مُتَّسقين وثابتين إلى حدٍّ كبير حول الاعتراف بتطرّف مختلف الحكومات الإسرائيلية، فما العذر الذي تمتلكه الولايات المتحدة والغرب في عدم الاعتراف بأن الحكومة الأخيرة بقيادة نتنياهو هي النتيجة المُتَوَقَّعة والأكثر عقلانية الناتجة عن دعم إسرائيل الأعمى في جميع السنوات الفائتة؟

في آذار (مارس) 2019، وصف موقع “بوليتيكو” الأميركي نتنياهو بأنه مؤسس “الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل”، وهو شعورٌ تكرّر مرات لا حصر لها في وسائل الإعلام الغربية الأخرى.

في الواقع، تم الاعتراف بهذا التحوّل الأيديولوجي من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل سنوات. في أيار (مايو) 2016، وصفت صحيفة معاريف الإسرائيلية الشعبية الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت بأنها “الأكثر يمينية وتطرفًا” في تاريخ البلاد. ويرجع ذلك جُزئيًا إلى حقيقة أن السياسي اليميني المتطرّف أفيغدور ليبرمان عُيِّنَ وزيرًا للدفاع.

وأبدى الغرب يومها قلقه، وحذّرَ من زوال الديموقراطية الليبرالية المُفتَرَضة لإسرائيل، وطالب بأنه ينبغي على إسرائيل أن تبقى مُلتَزمة بعملية السلام وحلّ الدولتين. لا شيء من ذلك تحقق. بدلًا، تم الإدعاء بأن الشخصيات المرعبة لتلك الحكومة بأنها شخصيات محافظة أو من الوسط أو حتى من الليبراليين في السنوات التالية.

من المرجح أن يحدث الشيء عينه الآن. في الواقع، بدأت بوادر استعداد الولايات المتحدة للتكيّف مع أيِّ سياساتٍ متطرّفة تُنتجها إسرائيل تظهر بالفعل. في بيانه، في 30 كانون الأول (ديسمبر)، مُرحّبًا بالحكومة الإسرائيلية الجديدة، لم يقل بايدن شيئًا عن تهديد سياسة تل أبيب اليمينية المتطرفة لمنطقة الشرق الأوسط، بل تحدث بالأحرى عن “التحديات والتهديدات” التي تشكلها المنطقة لإسرائيل. بمعنى آخر، بن غفير أو لا بن غفير، الدعم غير المشروط لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة سيبقى كما هو.

إذا كان التاريخ يُعتَبَرُ درسًا، فإن العنفَ والتحريض في المستقبل في فلسطين سوف يُلقى باللوم في الغالب لإشعالهما، إن لم يكن بشكل مباشر، على الفلسطينيين. لقد حدّدَ هذا الموقف غير المستقر والموالي لإسرائيل علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، بغض النظر عما إذا كانت الحكومات الإسرائيلية يقودها متطرفون أو ليبراليون مُفتَرَضون. لا يهمّ، فقد حافظت إسرائيل بطريقة ما على مكانتها الزائفة باعتبارها “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.

ولكن إذا كان لنا أن نعتقد أن “ديموقراطية” إسرائيل التفرّدية والعنصرية هي ديموقراطية، فإنه من المُبرَّر لنا أيضًا الاعتقاد بأن حكومة إسرائيل الجديدة ليست أقل أو أكثر ديموقراطية من الحكومات السابقة.

ومع ذلك، حذّر المسؤولون والمُعلّقون الغربيون وحتى قادة المنظمات اليهودية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة من الخطر المفترض الذي يواجه الديموقراطية الليبرالية الإسرائيلية في الفترة التي سبقت تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة.

هذا شكلٌ غير مباشر، إن لم يكن ذكيًا لتبييض الصورة، حيث تقبل هذه الآراء أن ما مارسته إسرائيل منذ تأسيسها في العام 1948، وحتى اليوم، كان شكلًا من أشكال الديموقراطية الحقيقية. وأن إسرائيل ظلت دولة ديموقراطية حتى بعد تمرير قانون الدولة القومية المثير للجدل، والذي يُعرّف إسرائيل كدولة يهودية، مُتجاهلًا تمامًا حقوق مواطني الدولة غير اليهود.

إنها مسألة وقت فقط قبل أن يتم تبييض صورة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الجديدة كدليلٍ عمليٍّ آخر على أن إسرائيل تستطيع تحقيق التوازن بين كونها يهودية وديموقراطية في الوقت عينه.

تكرّرت القصة نفسها في العام 2016، عندما اختفت بسرعة التحذيرات من صعود التطرف اليميني المتشدّد في إسرائيل – بعد اتفاق نتنياهو وليبرمان – واختفت في النهاية. وبدلًا من مقاطعة حكومة الوحدة الجديدة، أنهت حكومة الولايات المتحدة، في أيلول (سبتمبر) 2016، أكبر حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل، بلغت 38 مليار دولار.

في الحقيقة، لم تتغير إسرائيل كثيرًا منذ نشأتها، سواء في تعريفها الذاتي أو في معاملتها للفلسطينيين. إن عدم فهم هذا الأمر يعادل الموافقة الضمنية على سياسات إسرائيل العنصرية والعنيفة والاستعمارية في فلسطين المحتلة على مدار 75 عامًا.

  • رمزي بارود هو صحافي أميركي-فلسطيني ورئيس تحرير موقع “فلسطين كرونيكل”. ألّفَ ستة كتب. كتابه الأخير بالانكليزية، الذي شارك في تحريره إيلان بابيه، هو “رؤيتنا للتحرير: قادة ومثقفون فلسطينيون منخرطون يتحدثون بصراحة”. بارود هو زميل وباحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). يمكن متابعته على موقعه الإلكتروني التالي: ramzybaroud.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى