دولة طوائف هي الحلّ؟

بقلم راشد فايد*

قَطَعَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجَدَل، وفضَحَ غير المستور مما لم يتوارَ عن علم اللبنانيين: الإصرار على شيعية وزارة المال وُلِدَ غبّ طلب ايران لربط مآل لبنان بمساومة مع واشنطن بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، ربما على رأس “حزب الله” نفسه. وإذا كان ماكرون حابى طهران، بوضوح، فذلك لإبقاء باب محاورتها مُتاحاً. مع ذلك، لا يخجل الحزب وحليفه (الرئيس نبيه بري) من جعل لبنان فدية على المذبح الإقليمي، والسعي في الآن نفسه إلى “هضم” لبنان، في الجمهورية الإسلامية بغلبة ضمنية على الجميع، أو مُثالثة صريحة.

سقطت الجدران التي كانوا وراءها يتهامسون على “تقريش” فائض القوة، وما عاد ينطلي أي قول في الدولة المدنية، وغسل اليدين من الطائفية. وما الكلام على الوفاق، ومجلس شيوخ وانتخابات تشريعية خارج العقد الطائفي سوى ملهاة، وتمديد للوقت الضائع، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ويتمكّن الثنائي الشيعي من ابتلاع الآخرين وفرض مواصفاتهما للدولة، اذا انتصر حليفهما الاقليمي والدولي. فهل يُمكن اليوم أن يُصدّق المواطن أي نقاش في إعادة تكوين السلطة، الذي يتحدث في شأنه من يبدون للآخرين كأنهم آتون من خارج الكوكب، فيما كل الشعب مشغول في تدبير قوت يومه، وبحث سبل الهجرة، والتفتيش عن فرصة عمل حتى في صحراء كندا المثلجة، بعدما ترك، أو سيترك، كثيرون، بحور رمال السعودية ودول الخليج.

يشبه تعاطي السياسيين مع الطائفية، من أي جهة أتوا، حال أُنثى تريد ان تمتهن الدعارة، لكنها تخشى ان تلوكها الألسن، مُتوَهّمة أن لا أحد في الحي يعرف بمغادرتها بيتها عند حلول الظلام والعودة اليه بعيد طلوع الفجر. وحدها القوى الميليشياوية باتت تُجاهر. فذوي العهر الطائفي اكثر قحة، من مرضى الطائفية التي يرون فيها حمايتهم. فالزعيم وحده يربح، ولا يبقي لجمهوره إلّا الفتات، والوهم بأن تشدد الزعيم لم يكن إلّا لحفظ حقوقهم وحماية مصيرهم.

يواجه النظام اللبناني تتالي الأزمات، والإنفجارات المُسلّحة، لأن عصابة الحاكمين لا تريد ان تواجه الحقيقة. وإجهاض هذه العصابة يقتضي وضعها في مواجهة كذبتها عن محبة “الوطن الواحد النهائي لكل أبنائه” فهي تخفي وراء هذا العنوان رغبتها في تسيّد الآخرين، فتكون الوطنية غب الطلب عندها، إذا وفّرت الغطاء اللازم لتمرير مكاسبها، وإلّا كان النحيب وتمزيق اأاسمال واستنفار الشارع صوناً لـ “كرامة” الطائفة.

في مطلع المئوية الثانية للبنان الكبير صار الخلاص من الطائفية يمر بإقرارها ودفن الأحلام الكاذبة بما يسمى دولة مدنية، والإقرار بتقاسمٍ طائفي لتركيبة السلطة واضح وصريح، ينهي “التكاذب الوطني” الذي لم يعد ينطلي على أحد، وإلّا سيتصاعد صوت التقسيم، وربما سيلقى تجاوباً دولياً وعربياً، في ظل تحوّلات المنطقة. ألم يُصرّح حسام زكي، الأمين العام المساعد في الجامعة العربية: نفهم الواقع اللبناني… لكننا تعبنا.

اللبنانيون أيضاً تعبوا.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى