عَدَم قُدرة “حزب الله” على تَنحِيَةِ قاضٍ يَضَعُ لبنان في طريقٍ مسدود
مايكل يونغ*
لأسابيع حتى الآن، فشل مجلس الوزراء اللبناني في الاجتماع، ما أظهرَ مرّةً أخرى كيف أن السياسة لا تزال أكثر أهمّية لقادة البلاد من الإنعاش الاقتصادي العاجلِ والمُلِحّ. السبب الرئيس لذلك هو أن “حزب الله” وحليفه الشيعي “حركة أمل” قاطعا جلسات مجلس الوزراء منذ 12 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. ويُطالبان بإقالة طارق البيطار، القاضي الذي يُحقّق في انفجار مرفإِ بيروت الذي وقع في 4 آب (أغسطس) من العام الماضي.
يوم الاثنين الفائت (20/12/2021)، نُشرت تقارير عدة تُفيد عن توصل الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري إلى اتفاقٍ لعزل القاضي البيطار، على الرغم من أن أنصار عون نفوا ذلك. من جهته، واصل القاضي تحقيقه ضد الضغط المتزايد من “حزب الله” وحلفائه، الذين اتهموه بـ “تسييس” تحقيقه. إنهم غاضبون لأن البيطار قد استدعى وزراءً سابقين في الحكومة للاستجواب، بمَن فيهم أعضاء من “حركة أمل” وسياسيون موالون لحلفاء “حزب الله”.
كان هناك عنصرٌ طائفي قوي في المواجهة، الأمر الذي أدّى إلى تعقيدِ أيّ حلّ وسط. كانت الغالبية العظمى من القتلى أو المصابين في انفجار المرفإ من المسيحيين، لذا فإن العديد من المسيحيين اليوم يعتبرون محاولة الطبقة السياسية لوقف أو تقليص التحقيق بمثابة تغطية وتستّر غير مقبولَين.
مع اقتراب موعد الانتخابات المُقرَّر إجراؤها في الربيع المقبل، سعت الأحزاب المسيحية الرئيسة إلى تجنّبِ خلقِ انطباعٍ بأنها تُعرقِلُ جهودَ القاضي البيطار. الخوفُ من خسارة مقاعد نيابية كان محسوسًا بشكلٍ خاص بين أعضاء “التيار الوطني الحر”، الذي سوّق وادّعى دعمه لسلطةٍ قضائيةٍ مُستقلّة، حيث بدا قلقًا من أنه قد يخسر أصوات المسيحيين إذا نُظِرَ إليه على أنه يميل في اتجاه حليفه “حزب الله”.
لكن خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت، قبل ورود أنباءٍ عن الصفقة المزعومة، حدث تحوّلٌ في موقف العونيين، عندما أصدر “التيار الوطني الحر” بيانًا ينتقد فيه تحقيق البيطار. مسؤولون مُقرَّبون من العونيين يقبعون في السجن بسبب ذلك، ويعتقد كثيرون أن أنصار الرئيس يرون استمرار المأزق الوزاري سببًا لمزيدٍ من المشاكل الاقتصادية. وهذا يمكن أن يُقوّض حظوظ العونيين في الانتخابات البرلمانية، وكذلك الآفاق الرئاسية في العام المقبل لصهر الرئيس ،جبران باسيل.
من ناحية أُخرى، يعتقد العديد من المُراقبين أن “حزب الله” شارك بطريقة ما في تأمين وتخزين أكثر من 2,000 طن من نيترات الأمونيوم في مرفإ بيروت، ربما لاستخدامها ضد المُتمرّدين في سوريا. ومع ذلك، لم يكن الحزب وحده المسؤول. فقد غطّى أيضًا وزراء ومسؤولون يُمثّلون حلفاء “حزب الله” وجود المواد التي انفجرت ودمّرت مساحاتٍ شاسعة من بيروت.
وكان من المثير للاهتمام بشكلٍ خاص رفض القضاء الانصياع للاستئناف المُتكرّر من قبل محامِي الوزراء –الذين استدعاهم القاضي– لإبعاد البيطار نفسه عن القضية. كان القضاء اللبناني، على الرغم من النوعية العالية الكفاءة والنزاهة والشفافية لبعض قضاته، عُرضةً للتأثير السياسي، ولكن يبدو أن تصميم البيطار وصموده هذه المرة قد شدّد ظهر بعض كبار القضاة.
في تشرين الثاني (نوفمبر)، استقال ثلاثة قضاة بسبب التدخّل السياسي في الشؤون القضائية. دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود القضاة في الأسبوع الماضي إلى الدفاع عن استقلالهم عن الشؤون السياسية.
كل هذا ليس من المرجح أن يضمن نتيجة إيجابية لتحقيق البيطار. لا يستطيع السياسيون اللبنانيون التسامح مع قضاءٍ مستقل، والآن بعد أن تحوّل العونيون ضد البيطار، فإن النتيجة المُحتَملة هي أنه سيتم التوصل إلى نوعٍ من الترتيبات التي تمنعه من إجراء مقابلات مع الوزراء المطلوبين للتحقيق. ومع ذلك، قد يكون الوصول إلى هذه النقطة أكثر تعقيدًا مما كان مُتوَقَّعًا، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى الغضب العام.
والخلاصة من هذه الحلقة هي أن “حزب الله” يكافح ويتقدّم ببطء بعدما دخل “عشّ أفعى” السياسة الطائفية اللبنانية. لن يُضعِفَ تحقيق البيطار الحزب كثيرًا، ولم يُوجّه القاضي أي اتهامات لأعضاء الحزب، لكن شيئاً آخر يحدث. مع تبنّي “حزب الله” بشكل متزايد مواقف خلافية في القضايا العامة، فقد تعرّض لانتقاداتِ طوائف أخرى، ما أدّى إلى تآكل النظام الذي أسسه الحزب في العام 2006 للدفاع عن مصالحه.
في ذلك الوقت، تحالف “حزب الله” مع عون، واستخدم هذا التخويف لفرض هيمنته تدريجاً على النظام السياسي. وبالقدر نفسه، حصل أيضًا على تأييد الحكومة لأسلحته ومقاومته في البيانات الوزارية المتعاقبة. لقد أقام الحزب نظامًا وقائيًا حول نفسه سمح له الاحتفاظ بالقيادات العليا للدولة أو الهيمنة عليها والحدّ من المعارضة.
جاء هذا الانهيار بعد الانهيار الاقتصادي في العام 2019. في محاولته الدفاع عن هيمنة الطبقة السياسية، اتّهمَ الكثيرون من اللبنانيين “حزب الله” بأنه الدعامة الأساسية للنظام الفاسد. وزاد التدهور الاقتصادي في لبنان الاستياء من الحزب وطنيًا، حتى لو أنه احتفظ بالدعم الشيعي.
هذا الوضع يعني أن “حزب الله” لم يعد يتمتّع بمستويات الحماية التي كان يتمتّع بها من قبل. بالنسبة إلى البعض، هذا الكلام لا معنى له، لأن “حزب الله” لا يزال قويًا. ربما، ولكن وسط عداءٍ داخلي واسع النطاق، تقلّص هامش مناورة الحزب خصوصًا بالنسبة إلى الصراع مع إسرائيل. لو كان الحزب غير مُبالٍ بالبيئة التي يعمل فيها، لما عمل بجد وكدٍّ وبذل جهودًا كبيرة لتشكيلها لصالحه.
يبدو إحباط “حزب الله” واضحًا بشكل متزايد. وأخيرًا ألقى نائب الأمين الشيخ العام نعيم قاسم كلمة حظيت باهتمامٍ كبير أعلن فيها أن لبنان أصبح له سمعة في العالم بفضل مقاومته. هذا هو لبنان الذي أراده “حزب الله”، ويمكن لللبنانيين الذين لا يوافقونه الرأي “البحث عن حلٍّ آخر”. مشكلة “حزب الله” أن معظم خصومه اللبنانيين لا يريدون ذلك. إنهم باقون ولا يبغون الذهاب إلى أي مكان آخر.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- هذا المقال كُتِبَ بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.