هل يُسرِّعُ فيروس “كورونا” انتقال الطاقة المُتَجَدِّدة إلى الأسواقِ الناشئة؟

مع بياناتٍ جديدة تُظهر أن انبعاثات الكربون العالمية تنتعش بسرعة أكثر من المُتوَقَّع بعد تخفيف عمليات الإغلاق بسبب وباء “كوفيد-19″، أسئلة عدة وكثيرة بدأت تُطرَح حول آفاق مشاريع الطاقة المتجددة في الأسواق الناشئة.

جائحة كورونا أصابت أسواق الغاز الطبيعي بصدمة

 

لندن – هاني مكارم

فيما كان لوباء “كورونا” تداعيات وتأثيرٌ كبيرٌ في الإقتصاد العالمي، فقد أدّت قيود السفر وتعليق الأنشطة الصناعية إلى انخفاضٍ غير مسبوق في الإنبعاثات العالمية.

وفقاً للبيانات الصادرة عن “النظام المتكامل لرصد الكربون” (إيكوس) (Integrated Carbon Observation System) ومقره هلسنكي، فقد انخفضت انبعاثات الكربون اليومية بحلول الأسبوع الأول من نيسان (إبريل) بنسبة 17٪ مقابل متوسط مستويات 2019 ، حيث شهد بعض البلدان انخفاضاً بنسبة 26٪ في إنتاج ثاني أوكسيد الكربون.

الإنخفاض كان الأكثر حدة على الإطلاق، حيث تراجعت الإنبعاثات العالمية إلى مستويات العام 2006. كان هذا الإنخفاض أكبر بكثير من حيث القيمة المُطلقة والنسبة المئوية عما كان مرئياً في لحظاتٍ أخرى مماثلة في التاريخ، مثل حظر النفط العربي في العام 1973، وانهيار الإتحاد السوفياتي أو الأزمة المالية العالمية في العام 2008.

ومع ذلك، مع تخفيف إجراءات الإغلاق واستئناف النشاط الاقتصادي، فقد زادت الإنبعاثات أيضاً.

وجدت إحصاءات “إيكوس” أنه بحلول 10 حزيران (يونيو) الفائت، إنتعشت الإنبعاثات مجدداً إلى مستوى 4.7٪ فقط دون مستويات ما قبل الإغلاق، مع حدوث الإنتعاش بسرعة أكبر مما توقّع كثيرون.

تضرّر الإستثمار العالمي في الطاقة

هذا التطور دفع الكثيرين إلى الإستنتاج بأن التقشّف وحده لن يكون كافياً للحدّ بشكل مناسب من الإنبعاثات مع تسهيل النمو الإقتصادي في الوقت عينه، وأن الحلول الصديقة للبيئة ستكون ضرورية لضمان التنمية المُستدامة في المستقبل.

“من منظور السياسة، يجب على كل حكومة أن تُحاول تعزيز الطاقة الخضراء بقوة أكبر. إن فيروس “كوفيد-19” قد مهّد الطريق للطاقة الخضراء من خلال تغيير أنماط الحياة”، قال بونديت سابيانتشاي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة الطاقة المتجددة التايلاندية “بي سي بي جي” (BCPG).

وقد تعزّزت الدعوة لمزيد من الاستثمار الأخضر من خلال إصدار تقريرٍ من وكالة الطاقة الدولية في باريس في حزيران (يونيو)، والذي وجد أن الإستثمار العالمي في الطاقة من المتوقّع أن ينخفض بنسبة 20٪ – حوالي 400 مليار دولار – هذا العام.

وقالت الوكالة إن صناعة النفط والغاز ستتحمّل الجزء الأكبر من الخسائر. كما أشار تقريرٌ مُنفصل صادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى أنه على الرغم من أنه من المتوقع أن تنخفض قدرة الطاقة المتجددة المُثبتة والمُركَّبة حديثاً بنسبة 13٪ هذا العام، إلّا أن قطاع الطاقة الخضراء أثبت أنه قادر على مقاومة آثار الوباء بشكل مناسب.

وقد أدت هذه المرونة، إلى جانب التكلفة المتدنية لتوليد الطاقة المتجددة، بالكثيرين إلى التنبؤ بأن السنوات القليلة المقبلة ستعرف زيادة كبيرة في الإستثمار الأخضر.

“من منظورٍ إستثماري، إنخفضت أسعار أسهم الشركات التي تعمل في صناعة الطاقة في آذار (مارس) 2020 بأكثر من 50٪ عن أسعار ما قبل جائحة “كوفيد-19”. هناك إجماعٌ قوي على أن الطاقة الخضراء هي الجزء المستقبلي المُستجد للصناعة. وبالتالي، فهذه فرصة للصناديق الخضراء والمستثمرين الخضر لشراء الأسهم بسعر أرخص”، قال سابيانتشاي.

في الواقع، كان هناك بعض التحركات الاستثمارية الضخمة في مجال التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة منذ تفشّي الوباء.

وبالتحديد، أعلنت شركة أمازون الأميركية، في أواخر حزيرن (يونيو)، أنها بصدد إنشاء صندوق رأس مال استثماري بقيمة 2 ملياري دولار للإستثمار في التكنولوجيا المُتجدّدة والمُستدامة بيئياً.

ووفق الشروط الخاصة لكل دولة، وافقت الفلبين على مشروعين لطاقة الرياح بسعة مُجمَّعة تبلغ 1.2 جيغاواط في أواخر آذار (مارس)، بينما في فيتنام – التي كانت المُثبّت والمُركّب الرئيس للطاقة الشمسية في رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” على مدار العامين الماضيين – فقد أطلقت الشركة المحلية “بي سي جي” (BCG) مشروعاً للطاقة الشمسية بقدرة 330 ميغاواط في محافظة “بِنه دينه” (Binh Dinh) المركزية.

وفي الوقت نفسه، في اليابان، التي كانت إلى جانب الصين تقليدياً واحدة من أكبر المستثمرين في مشاريع الوقود الأحفوري في جنوب شرق آسيا، فقد أعلن إثنان من أكبر البنوك في البلاد – شركة سوميتومو ميتسوي المصرفية وميزوهو – عن التزامات في نيسان (إبريل) للحدّ من تمويلهما لمشاريع طاقة الفحم الجديدة.

تحدّيات الطاقة المُتجدّدة

في حين أن التوقّعات بالنسبة إلى مصادر الطاقة المُتجدّدة إيجابية إلى حدّ كبير – وغالبية دول العالم مُوَقِّعة على اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، والتي تتطلب منها تقليل انبعاثات غازات الإحتباس الحراري – هناك مخاوف من أن بعض الدول قد يُعطي الأولوية للنمو الإقتصادي على حساب المخاوف البيئية فيما هي تخرج من الإغلاق.

في الواقع، جادل بعض المحللين أنه على الرغم من الإنخفاض السريع في الإنبعاثات العالمية، فإن فيروس “كوفيد-19” سيُثبت بالفعل أنه ضارٌ بالبيئة.

ويتعلق ذلك بشكل خاص بالأسواق الناشئة التي تتعرّض لضغوطٍ اقتصادية كبيرة، خصوصاً إذا كان بإمكانها الإستفادة من الموارد الهيدروكربونية المحلية.

في جنوب شرق آسيا، على سبيل المثال، لا تزال دولٌ، مثل إندونيسيا وفيتنام، تملك احتياطات كبيرة من الفحم، والتي يُنظر إليها في بعض الأوساط كخيارٍ فعّال من حيث التكلفة لتعزيز توليد الطاقة.

وقد تضاعفت هذه القضايا بسبب انهيار أسعار النفط العالمية الذي صاحب تفشّي الفيروس. في حين كان لهذا الأمر تأثيرٌ سلبي في شركات الهيدروكربونات في جميع أنحاء العالم، إلّا أن النفط الأرخص ُيمكن أن يُحفّز استخدام الوقود الأحفوري للطاقة خلال مرحلة الإسترداد والتعافي.

وصرح فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، لوسائل الإعلام الدولية بأنه على الرغم من أنه من المتوقع أن تكون مصادر الطاقة المُتجددة أكثر مرونة من الوقود الأحفوري، إلّا أن الإنخفاض العام في الإستثمار يُمكن أن يُعيق التحوّل نحو الطاقة المُتجدّدة.

“إن الهبوط التاريخي في الإستثمار العالمي في الطاقة مقلق للغاية لأسباب عديدة. كما أن التباطؤ في الإنفاق على تكنولوجيات الطاقة النظيفة الرئيسة يُهدد بتقويض الانتقال الذي تشتد الحاجة إليه إلى أنظمة طاقة أكثر مرونة واستدامة”، على حد قوله.

لكن حاتم الموسى، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشارقة الوطنية للنفط، فقد قال أن أي تباطؤ في العملية الانتقالية يجب أن يكون مؤقتًا فقط: “إنها مسألة وقت فقط قبل أن تسيطر الطاقة الخضراء على السوق. لقد تعزّزت إمداداتها بوتيرة أعلى بكثير من صناعة الوقود الأحفوري. إن الطاقة الخضراء ستستحوذ على معظم السوق خلال العقدين المقبلين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى