نَهجُ “حزب الله” الحذر في الانتخابات الرئاسِيّة اللبنانية

مايكل يونغ*

يدخل لبنان، غدًا الخميس في الأول من أيلول (سبتمبر)،  فترة الشهرَين الدستورية التي يتعيَّن على البرلمان خلالها انتخاب خلف للرئيس ميشال عون. من الواضح أن “حزب الله” قد تبنّى موقفًا مختلفًا عن الموقف الذي كان قبل ست سنوات، عندما تسبّبَ في فراغٍ رئاسي مُدمّر لمدة عامين كرافعةٍ لإيصال عون إلى قصر بعبدا.

وكما لاحظَ عددٌ من المراقبين، لا يمكن ل”حزب الله” أن ينظرَ إلى دعمه لرئاسة عون على أنه نجاح. في حين أن هذا الموقف سمح له بتعزيز تحالفه مع شريكٍ مسيحي رئيس، ما عزّز نفوذه في النظام السياسي، فقد عرّض الحزب أيضًا لتداعياتِ تراجع شعبية عون. يربط الكثيرون من اللبنانيين، عن حق أو خطَإ، الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في العام 2019 برئيس الجمهورية، حتى لو كان هناك الكثير من اللوم يوضع على الطبقة السياسية الفاسدة في البلاد.

مع وصول الألم الاقتصادي إلى عمق المجتمع الشيعي، يبدو أن “حزب الله” صار أكثر حرصًا في حساباته الرئاسية اليوم. كما أن الظروف، إلى حدٍّ ما، قد فرضت هذا أيضًا. أدّت نتيجة الانتخابات البرلمانية في أيار (مايو) إلى مجلس تشريعي لا تتمتع فيه أيٌّ من التحالفات السياسية الرئيسة في البلاد بالأغلبية، ما جعل البرلمان مُعَلّقًا بدون غالبية في كثير من الأحيان. في حالات نادرة فقط، يمكن ل”حزب الله” أن يفرض أغلبية، كما حدث عندما أجبر حلفاءه العونيين المُتردّدين على المساعدة في ضمان إعادة انتخاب نبيه بري رئيسًا لمجلس النواب.

وبدلًا من تسمية مُرشّح رئاسي، يبدو أن “حزب الله” ينتظر ويرى ما إذا كان هناك إجماعٌ حول شخصيةٍ مُعيَّنة. المشكلة هي أن اثنين من حلفائه المسيحيين الموارنة يتنافسان على الرئاسة -جبران باسيل، صهر الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر، وسليمان فرنجية، رئيس تيار “المردة” وحفيد رئيس سابق. ومع ذلك، يواجه كلا الرجلين مشاكل كبيرة – باسيل يخضع لعقوبات أميركية، بينما لا يثير فرنجية حماسة كبيرة خارج مجتمعه الصغير.

من المحتمل أن يكون “حزب الله” رأى أنه إذا اختار علانية بين أيٍّ من الرجلين، فإنه قد يخاطر بعزل الآخر، ما يؤدي إلى توتراتٍ مع حليف. في الوقت نفسه، يحرص الحزب أيضًا على ضمان ألّا يشكل الرئيس المقبل تهديدًا لمصالحه الاستراتيجية، وألّا يمثل عقبة أمام أجندته في لبنان. والسبب في ذلك هو أنه في العام الماضي، واجه “حزب الله” تحديات. ولو أنها لم تقوّض الحزب فقد أظهرت أن العداء تجاهه أخذ ينمو بطرقٍ يُحتَمل أن تكون خطيرة.

في آب (أغسطس) 2021، تعرّض أنصار “حزب الله” لكمينٍ من قبل أفراد قبيلة سنية في خلدة، حيث تمت مهاجمة موكب جنائزي كان يقل علي شبلي، وهو عنصر من “حزب الله” قُتِلَ في كمين نصبه أفرادٌ من هذه القبيلة بتهمة أنه كان وراء مقتل شاب سني في المنطقة نفسها قبل عام. وأسفرت المواجهات عن مقتل خمسة أشخاص بينهم ثلاثة من “حزب الله”. كان من الممكن أن ينتشر الحادث بسهولة إلى نزاع مسلح بين السنة والشيعة لو لم يتدخل الجيش على الفور للسيطرة على الوضع.

بعدها بفترة قصيرة، منع سكان قرية درزية أعضاء “حزب الله” بالقوة من إطلاق الصواريخ على منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها. خوفًا من الانتقام الإسرائيلي، تعامل أهالي القرية بخشونة مع أعضاء الحزب واحتجزوهم، إلى أن تم حل المشكلة. وق أدّى الحادث إلى توترات بين الدروز والشيعة قبل إعادة فرض النظام.

والأهم من ذلك، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تظاهر أنصار “حزب الله” وحليفته حركة “أمل” ضد التحقيق في انفجار مرفإِ بيروت ودخل بعضهم حي الطيونة المسيحي. أطلق شبان من المنطقة النار عليهم، ما أدّى إلى مقتل اثنين من أنصار الحزب، فيما أصيب عدد آخر بالرصاص أثناء تدخل الجيش. كانت هذه الحادثة أخطر خرق للسلم الأهلي منذ سنوات، وزادت التوترات بين المسيحيين والشيعة.

بينما كان “حزب الله” متحديًا وغير هيّاب في جميع الحالات الثلاث، لم تكن الرسالة مطمئنة: ظهر عدد متزايد من الجماعات الطائفية اللبنانية على استعداد لتحدّي الحزب، حتى عسكريًا في بعض الحالات، وكانت خيارات “حزب الله” للردّ محدودة. إذا لجأ الحزب إلى أسلحته لترهيب خصومه، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق العنان لصراعٍ أوسع نطاقًا مدفوعًا بالطائفية، والذي كان من الممكن أن يأتي بنتائج عكسية ضد “حزب الله”.

وفي خطاب ألقاه الأسبوع الماضي، ردّد الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، صدى هذا القلق عندما أعلن أن “حزب الله” لن ينجَرَّ إلى حربٍ أهلية ولن يسمح بمثل هذه النتيجة. وشدّد على أن “حزب الله” يسعى إلى الحوار، قائلًا: “إن قضيتنا الأساسية في المرحلة المقبلة هي التعاون مع مختلف القوى السياسية من أجل بناء دولة عادلة وقادرة”.

وذهب نصر الله إلى أبعد من ذلك، قائلًا إن “حزب الله” مستعدٌّ حتى لمناقشة استراتيجية دفاع وطني، والتي ستسعى في النهاية إلى دمج أسلحة “حزب الله” في الدولة.

قد يشكك المرء في صدق نصر الله، لكن نبرته التصالحية كانت بالتأكيد علامة على موقف الحزب الأكثر انفتاحًا تجاه الرئاسة. مع اقتراب الاتفاق على االصفقة النووية مع إيران، يشعر “حزب الله” أن هذا قد يكون وقتًا مناسبًا للتهدئة، حيث من المتوقع أن تستفيد طهران وحلفاؤها الإقليميون من النتيجة.

يُبرِزُ هذا الأمر مفارقة في سلوك الحزب اليوم. من ناحية، يظل قويًّا، حيث يستمر في استغلال الانقسامات اللبنانية الداخلية ليبقى مهيمنًا، بينما يلعب المشهد الإقليمي أيضًا لصالحه إذا خرجت إيران أقوى.

في الوقت نفسه، أصبح الحزب أكثر وعيًا من أي وقت مضى بنقاط ضعفه. هذا صحيح بشكل خاص في السياق المحلي الذي شكله الانهيار الاقتصادي في لبنان، والذي لا يستطيع “حزب الله” تقديم أو توفير علاجات له. إقليميًا، حتى لو ضمنت إيران مصالحها، فإن التطورات في العراق ولبنان تعكس استياءً متزايداً من الهيمنة الإيرانية.

ما لم تتحرّك المنطقة نحو مواجهة أكبر إذا فشل الاتفاق النووي، فمن المرجح أن يواصل “حزب الله” مظهره التوفيقي على الرئاسة اللبنانية. هذا لا يعني أن مرشحًا سيُنتَخب قريبًا، حيث لا يزال الفراغ مرجحًا جدًا، لكن “حزب الله” لن يفرض الأمر. بدلًا من ذلك، من المحتمل أن يُركّزَ على المساعدة في تشكيلِ إجماعٍ حول أيّ مُرشَّحٍ لا يُعرّض مصالح الحزب للخطر.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى