“بالنسبة لبُكرا شُو”؟

عرفان نظام الدين*

كلّما وقَعَ حادثٌ فردي أو عام، أو بدأت بوادر أزمة، أو اشتعلت ملامحُ حربٍ في بلادنا، تذكرتُ مسرحية قديمة للفنان زياد الرحباني عنوانها “بالنسبة لبُكرا شُو”. وهذا بالفعل ما يُشغِلُ بالي على الدوام وأنا أسمَعُ أو أشاهدُ تعليقاتٍ وتحليلاتٍ وردودَ فعلٍ غوغائية أو مُجتَزأة عند بداياتِ أزمة ما.

وأستغرِبُ دائماً مساعي البعض لصبِّ الزيت على النار، وإشعالِ نيران الفتنة من دون أيِّ رادعٍ أو ضمير أو لمسة مسؤولية، فالله عزَّ وجلّ مَنحنا العقل لنُفكّر ونتبصر وندرس كل الاحتمالات، ونسعى إلى الوفاق ووضع حدٍّ لايّ توتّرٍ ونُسامح ونصبر حتى نجتاز الأزمة، وهذا ما أحرص عليه على الدوام وأنا أفكّرُ في التداعيات، وأسأل: ماذا بعد؟ وإلى أين المصير؟

ومشكلتُنا الأساسية عبر التاريخ كانت، وما زالت، تكمن في التسرّع والعصبية، وتغليب عوامل العنصرية والمذهبية والطائفية والعشائرية، وننقاد لعواطفنا ورغبات النفس الآمرة بالسوء.

وغالبية الحروب والفتن والأزمات والخلافات بدأت بكلمة أو بتصرّفٍ أرعن، وانتهت إلى دمارٍ شاملٍ كما جرى في معظم الدول العربية التي لم يتعلّم قادتها وشعوبها من دروس الماضي، مثلها مثل القرارت الطائشة والمواقف المُتسرّعة التي تودي الى التهلكة.

وهناك الكثير من الدروسِ والعِبَر التي تركها لنا الأجداد لنعمل بها ونتّعظ ونتعلّم جنباً الى جنب مع مبادئ القران الكريم والسنّة النبوية الشريفة فربّ كلمة أشعلت حرباً، وكم من حريق هائل أشعله عود ثقاب كما دلّنا الدمشقي إبن قيّم الجوزية في قصيدة له قال فيها: كل الحوادث مبدأها من النظر …  ومعظم النار من مستصغر الشرر.

والأمثلة على ذلك كثيرة من بينها كل الحروب والخلافات والأزمات العربية التي لم تردع ضمائر أصحاب القرار من التهوّر والمضي في الغيّ.

هذه الحقائق نضعها من جديد أمام مَن بيده قرارات الحرب والسلم والتطبيع مع الأعداء وإشعال نار الخلافات.

وأختُمُ مع قصةٍ تُظهِرُ أهمّية الحكمة والتعقّل، أوردها الكاتب المصري عبّاس محمود العقّاد في في كتابه “معاوية بن أبي سفيان”، وتقول أن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان سأل قائده العسكري (وأوّل والٍ مُسلم على مصر) عمرو بن العاص عن سرّ ما يُقال عن دهائه، فابتسم وردّ بخَيلاء: إنني لا أدخل في مشكلة إلّا وأجِدُ لها حلّاً، ثم أكمَلَ مُتوَجِّهاً إلى الخليفة قائلاً: وأنتَ يا مولاي ما سرّ ذكائك وحكمتك؟ فأجاب بحزم: أنا إذا وجدتُ نفسي أمام مشكلة لا أدخلُ فيها في الأساس واتجنّب عواقبها … فردّ بن العاص: لقد غلبتني يا أمير المؤمنين.

وعلى مَن يفهم الدرس من العرب أن يتّعظ ويعقل؟!

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى