هل يتحوّل الناخبون العراقيون إلى زُعَماءِ العشائر؟

أسامة الشريف*

يتوجّه الناخبون العراقيون إلى مراكز الاقتراع في 10 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري لإجراءِ انتخاباتٍ تشريعية مُبكرة، هي الخامسة في السنوات العشرين الماضية، وذلك بعد عامين من الاحتجاجات الجماهيرية التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي ولكن ليس قبل أن تقتل قوات الأمن والجماعات شبه العسكرية أكثر من 600 متظاهر. في ذلك الوقت، كان العراقيون الغاضبون يطالبون بإنهاء النظام الطائفي الذي أدّى إلى العنف العرقي الطائفي، إضافةً إلى خلقه طبقةٍ حاكمةٍ فاسدة. ووعد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإجراء انتخابات مُبكرة ضد المزاعم التي تدّعي بأن انتخابات 2018 كانت مُزوَّرة. كما أصدر قانون انتخابات جديداً يهدف إلى الحدّ من هيمنة الأحزاب السياسية الكبيرة من خلال نظام الصوت الواحد.

هناك ضغوطٌ على الكاظمي من الطبقة عينها التي هيمنت على المشهد السياسي لسنواتٍ لتأجيل الانتخابات، لكن الأوان قد فات على التراجع. وغني عن القول إن هذه الانتخابات ستكون حاسمة بالنسبة إلى بلد مزّقه الفساد والتدخّل الأجنبي والجماعات شبه العسكرية التي لها صلات مباشرة بطهران والإرهاب والاغتيالات السياسية والمشاكل المالية الراسخة والمُستَوطِنة.

أكثر من 25 مليون مواطن لهم الحق في التصويت، لكن الخبراء يعتقدون أنه سيكون هناك إقبالٌ مُنخفض تاريخي للناخبين. على عكس الانتخابات السابقة، لن يُسمَح للعراقيين خارج البلاد بالتصويت. وسيتنافس المرشحون على 329 مقعداً، 83 منها مُخَصَّصة للنساء وتسعة للأقليات. أكثر من 3,200 مرشح يتنافسون في الغالب على قوائم وتحالفات حزبية. أكثر من 780 مرشحاً يتنافسون كمستقلين.

الأحزاب التقليدية التي كانت في قلب المشهد السياسي لسنوات من المرجح أن تُحقّق مكاسب أكبر. إختار النشطاء الذين قادوا احتجاجات 2019 مقاطعة الانتخابات. ومن بين اللاعبين الأساسيين الذين يأملون في تحقيق مكاسب التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر، والذي من المتوقع أن يبرز كأكبر كتلة. من المهم الملاحظة أنه على الرغم من أن الشيعة يُشكّلون غالبية السكان، إلّا أن الانقسامات العميقة تستمرّ في تمزيق الأحزاب بشكلٍ رئيس بسبب الولاء لإيران. لقد حشد الصدر الدعم بين الشيعة الفقراء، وخصوصاً في المراكز الحضرية، في إطار برنامج وطني يريد إنهاء النفوذ الإيراني وطرد الأميركيين ومحاربة الفساد المستشري.

الطرف الثاني الذي يخوض الانتخابات، والذي لا يزال مصيره السياسي مجهولاً، هو التحالف شبه العسكري الموالي لإيران والمعروف ب”تحالف الفتح” الذي يتزعّمه هادي العامري. وهو يضم الجناح السياسي لتنظيم “عصائب أهل الحق”، الذي صنّفته الولايات المتحدة منظمة إرهابية، ويشمل أيضاً منظمة بدر، التي لها علاقات وثيقة مع طهران. وقد حذّر زعيم “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، هذا الأسبوع من تزوير الانتخابات، في إشارة إلى أن التحالف قد لا يُكرّر النجاح الذي حقّقه في العام 2018.

ويقول محللون إن غالبية العراقيين سئمت من الميليشيات الموالية لإيران وعجز الحكومة عن السيطرة عليها. قد يُغري نظام الانتخابات الجديد، الذي يُحابي ويَخدمُ المرشّحين المحليين، الناخبين بالتحوّل من الشخصيات السياسية التقليدية، التي يتهمونها بالفساد، إلى زعماء القبائل. وتلعبُ القبائل دوراً رئيساً في النظام السياسي في العراق، وقد عمل زعماؤها على مدارِ سنواتٍ عن كثب مع النخبة السياسية لتقديم مرشحين مختارين منهم بعناية. هذه المرة قد يكون زواج المصلحة قد انتهى.

يعتقد الناخبون الشيعة، وخصوصاً في الجنوب الفقير، أن الزعماء السياسيين التقليديين قد خذلوهم. كما يلقون باللوم على الحكومات المتعاقبة لفشلها في تحسين حياتهم مع استمرار معاناتهم من ارتفاع معدلات البطالة وضعف الخدمات العامة.

ومن بين اللاعبين السياسيين الشيعة الآخرين الذين يخوضون الانتخابات تحالفٌ وسطي برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وحركة الحكمة بزعامة رجل الدين الشيعي المعتدل عمار الحكيم. قد يعاقب الناخبون هذه المرة زعيم حزب الدعوة ورئيس ائتلاف دولة القانون، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو شخصية مثيرة للجدل يُلقى باللوم عليها لانتشار الفساد وانتعاش الطائفية والسماح ل”داعش” بالسيطرة على ثلث البلاد.

كما ينقسم قادة السنّة، مما يجعل فرصهم في زيادة حصّتهم في البرلمان أضعف. لكن اللاعب الرئيس هو رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي الذي يقود تحالف التقدّم الذي يضم العديد من القادة السنّة من شمال وغرب العراق ذي الغالبية السنية.

سيستمر الأكراد في الظهور كوسيطِ قوة مع مشاركة حزبين رئيسيين: الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

ويُحذّر مراقبون من أن الانتخابات، التي ستضمّ 600 مراقب دولي، قد تشوبها أعمال عنف أثناء التصويت وبعده. لكن هناك شيئاً واحداً مؤكّداً: النتائج لن تُلبّي ما يريده النشطاء العراقيون وطالبوا به في العام 2019. وإذا كان أداء مرشّحي الميليشيات الموالية لإيران سيّئاً، فمن المؤكد أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لقلب النتائج وأخذ البلد نحو الهاوية. ولكن حتى لو تم القبول بالنتائج، فسوف يستغرق الأمر أسابيع وربما شهور حتى تّتّفق الكتل على تشكيل حكومةٍ جديدة.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى