إنتهازيو الفُرَصِ الصغيرة

راشد فايد*

لم يَعُد أمام العالم سوى أن يستنجدَ بالآلهة والرُسُل والقديسين والأولياء الصالحين لإقناع المُمسِكين بخناق اللبنانيين بأن لا مَهرب من الأزمات المُتناسلة إلّا بتطبيق إصلاحاتٍ جدّية في بُنيةِ النظامِ ومؤسّساته المُترَهّلة المُثقَلة بالفساد والفاسدين، وحصرِ السلاحِ بمؤسسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان مُنطَلقًا لأيّ أعمالٍ إرهابية، وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كـ”حزب الله”، وألّا يكون لبنان مقرًّا أو ممرًّا لتجارة المخدّرات المُهدِّدة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم.

منذ 4 آب/أغسطس 2020، يوم تفجير مرفإِ بيروت، إلى اليوم، لم يبقَ ذو نطق لم يُحرِّك لسانه بحضِّ أهل الحلّ والربط على اتخاذ المَعبَرِ الجدّي والمُثمر للعودة بلبنان إلى برّ الأمان، من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى البابا فرنسيس والزعماء العرب، حتى بدا هؤلاء أكثر لبنانية من حُكّامِ لبنان، ممن وصلوا إلى قيادته عبر “الشرعية” المَعيوبة، أو مُغتَصِبي سلطتها.

كان الرئيسُ الفرنسي طليعة المبادرين لنجدة لبنان. قد يكون السبب إعتقاده أن لبنان لا يزال شأنًا شعبيًا فرنسيًا يمكن أن يُترجَم في صناديق الإقتراع، بعد أشهر، في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وقد يكون تمسّكًا بآخر معاقل الفرنكوفونية شرق المتوسط. المهم أنه أكثَرَ من تفاؤله حتى وقع رهينة التجاذبات اللبنانية، وتناقض مع نفسه، فإذا به، في زيارته الثانية بعد الإنفجار، يستقبل، في قصر الصنوبر، مقر السفير الفرنسي في بيروت، النائب محمد رعد رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” (حزب الله) بينما كانت باريس جمعت بالعقوبات بين ما سمّته بجناحَي الأخير السياسي والعسكري، لكنه لم يلبث أن فضح خيبته من السياسيين اللبنانيين بعد 4 اشهر، مُقِرًّا بعدم وفائهم بالتعهّدات، مُضيفًا أن “كل المؤشرات تدل على أنها كانت مُجرّد كلام”، وهي تشكيل حكومة والبدء بإصلاحات هيكلية مشروطة بها المساعدات للبنان.

دار ملف لبنان منذ انفجار المرفإ كل الدور والقصور الرئاسية في العالم من واشنطن إلى موسكو، ومن باريس إلى الأمم المتحدة، ومن الغرب إلى الشرق، ومن المشرق العربي إلى المغرب، وحمله الرئيس الفرنسي إلى السعودية ودول الخليج العربي، كأنه شيخُ صُلحٍ لا همّ له سوى ترميم صورة لبنان لدى أشقائه. ثم كان هذا الملف ثالث اثنين هما ماكرون وبابا الفاتيكان الذي تنساب معلومات تفيد أن صون لبنان هو اليوم عنوان معركة صامتة يخوضها في مواجهة من يريدون التضحية به لمصلحة مشاريع تسوية إقليمية يبدو أنها تنضج على نار فاترة.

يضج العالم بالأزمات، من دولية بين أوكرانيا وروسيا، إلى داخلية كما في تونس والجزائر، وصحية في أغلب دول العالم، لكن لم تصل أي دعوة إلى وقف تدهور أي أزمة منها إلى ما وصلته مطالبة مُصادِري مصير لبنان والمُنكّلين بأهله، وناهبي دولته، من اللا معقول: أيجوز أن يكون الغريب أحرص منك على بلدك؟

الجواب أن ما يجري يوضّح أن الشعب اللبناني على صورة سياسييه ومثالهم، أغلبه مصاص دماء، من مفبركي كذبة الدولار “القديم”، إلى تجار المازوت والوقود، وسعر الرغيف والأدوية.

إنهم انتهازيو الفرص الصغيرة:  ينافسون الناهبين الكبار من أصحاب الثروات والمعالي والسعادة والسيادة والفخامة. جميعهم يعيش …وليَمُت الوطن.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى