كيف تَتَحَضَّر دبي لاستضافةِ معرض إكسبو في عصر الوباء
ناصر سعيدي*
تستعد دبي لمعرض إكسبو، المُقرّر أن ينطلق في الأول من تشرين الأول (أكتوبر). بدأت الاستعدادات منذ أن فازت الإمارة بحقوقِ عَقدِ هذا الحدث، الذي سيكون الأول من نوعه في الشرق الأوسط، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013.
قلّة من الخبراء تصوّرت أو توقّعت الظروف والأجواء التي سيُقام فيها هذا المعرض في نهاية المطاف. سيكون هذا أوّل حدثٍ عالميٍّ ضخم في حقبة الوباء يسمح بدخول الزوار فعلياً، بعد إجراء الألعاب الأولمبية وأولمبياد المُعاقين في طوكيو بدون حضور مُتفرّجين.
إن إقامة معرض إكسبو خلال جائحةٍ عالمية لن يكون عملاً سهلاً. ومع ذلك، فقد فتحت دبي أبوابها للسياح منذ تموز (يوليو) 2020 وأدارت حملة تطعيم عالية الفعالية. تم تشديد القيود عندما ارتفعت الإصابات وخُفِّفت في وقتٍ لاحق. وتتمتّع الإمارات العربية المتحدة الآن بأعلى مُعدّل تلقيحٍ في العالم، حيث تلقّى أكثر من 90٪ من السكان جرعةً واحدة على الأقل.
إعتباراً من تشرين الأول (أكتوبر) 2020، فتحت دولة الإمارات أبوابها لاستضافة العديد من المؤتمرات العالمية والفعاليات الرياضية، وإن كان ذلك على نطاق أصغر من إكسبو – مع أحداث كبرى أخرى مُرتَقَبة في الأفق مثل مباريات بطولة الدوري الهندي الممتاز IPLT20))، وكأس العالم للكريكيت (T20)، والفورمولا 1، وغيرها. بالطبع، سيكون وجود مطار حديث، مُتّصل ومُترابط جيداً أمراً بالغ الأهمية في هذا الصدد: يعيش ثلثا سكان العالم على مسافة ثماني ساعات بالطائرة من دبي، ويعيش ثلث هؤلاء على بُعدِ أربع ساعات.
من المتوقع أن يستقبل إكسبو 2020 عدداً أكبر من الزوار الذين يستخدمون السفر الدولي أكثر من أيّ معرض إكسبو قبله. على الرغم من انخفاض حركة المسافرين في مطار دبي الدولي من 86.4 مليون شخص في العام 2019 إلى 25.9 مليون في العام 2020، فقد تمّ تصنيفه كأكثر المطارات ازدحاماً وانشغالاً في العالم بالنسبة إلى عدد المسافرين الدوليين، ومن المتوقع أن يرتفع عدد المسافرين إلى أكثر من 28 مليوناً هذا العام.
أبلغت صناعةُ السفر عن ارتفاعِ الطلب على التذاكر بعد الإعلان الأخير لدولة الإمارات عن السماح بدخولِ جميع الأشخاص المُلقّحين باللقاحات المُعتَمَدة من منظمة الصحة العالمية إلى أراضيها. لا يزال ما يقرب من ثلث حدود العالم مُغلَقاً، ومع استقرار “التعب الوبائي”، قد يكون إكسبو 2020 مُجرّد مَنفَذٍ للأشخاص المُلَقَّحين الذين يتوقون إلى السفر الدولي.
عادة ما تكون استضافة مثل هذه الأحداث الضخمة بمثابة استنزاف لموازنات البلد أو المدينة. بالنسبة إلى أولمبياد طوكيو الخالية من المُتفرّجين التي اختُتِمت أخيراً، بلغت موازنتها الرسمية بحلول العام 2019 حدود ال12.6 مليار دولار (توقّعات العام 2013 أنها ستكون في حدود ال7.5 مليارات دولار)، على الرغم من أن مجلس التدقيق المحاسبي قد زاد المبلغ على الأقل ضعفاً. في حالة معرض إكسبو هذا العام، حيث يُسمح للزوار بالدخول، يجب أيضاً الأخذ في الإعتبار الإنفاق الإضافي نظراً إلى الإجراءات المُضادة لكوفيد-19، بما فيها الاختبار (الفحص المخبري) والتكيّف مع سياسات التباعد الاجتماعي، وغيرهما…
ومع ذلك، فإن الحالة الاقتصادية لاستضافة مثل هذه الأحداث تستند إلى عددٍ من العناصر: زيادة النشاط الاقتصادي، مثل الاستثمار في البنية التحتية وتداعياته الإيجابية على القطاعات الأخرى، وخلق فرص العمل، والإيرادات المُرتبطة بالفعاليات، وزيادة السياحة والإنفاق. يتم دعم ذلك من خلال تحسين البنية التحتية السياحية الرئيسة، على سبيل المثال توسيع مترو دبي إلى المعرض، والطرق من وإلى الفنادق القريبة من المعرض. يُساهِمُ كل هذا في بناء “العلامة التجارية لدبي” غير الملموسة، فضلاً عن التأثيرات النوعية والاجتماعية الأخرى بما في ذلك تعزيز التجارة والأعمال مع النظراء العالميين، وعامل “الشعور بالسعادة” – وهو أكثر أهمية أثناء الجائحة عند محاولة العودة إلى وضعٍ “طبيعي”.
أعطى إكسبو 2020 الأولوية لإرشادات الصحة والسلامة (بما في ذلك القناع الإجباري)، ويُخطّط لإبهار بقية العالم من خلال قائمة الانتظار بمساعدة الذكاء الاصطناعي وضوابط الحشود والمُسعِفين المُتنقّلين. وقد شَهِدَت فترةٌ تجريبيةٌ في وقت سابق من هذا العام اختبار هذه الممارسات حيث قام السكان بمُعاينة المنطقة. في حين أن هذا من شأنه أن يُريحَ أذهان الزوّار، إلّا أننا نتوقّع أن يستفيدَ المعرض من الزيارات المُتعدّدة (المحلية) للمُقيمين في الإمارات بالإضافة إلى الزيارات الآتية من دول المصدر الإقليمية والدولية الرئيسة، مثل الهند والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وروسيا.
بعد أن استضافت 2.5 مليوني زائر في النصف الأول من العام 2021، و5.51 ملايين شخص في العام 2020، اكتسبت دبي بالفعل خبرةً كافيةً لاستضافةِ الزوّار بأمان وإدارة الأحداث بنجاح أثناء الجائحة. “إكسبو 2020” هو مُجرّد توسيعِ نطاقِ هذه التجربة.
إن معدلات التحصين والتلقيح المرتفعة وتخفيف القيود التي تسمح بدخول السياح، إلى جانب القدرة على استضافة المؤتمرات العالمية والفعاليات الترفيهية والرياضية، قد عزّزت بالفعل ثقة المستهلكين والشركات مما أتاح التعافي من كوفيد-19. تجب هنا الإشارة إلى مُؤشِّر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي في الإمارات: عند 54 في تموز (يوليو)، كان هذا أعلى مستوى منذ تموز (يوليو) 2019؛ لقد تحسّن بالفعل إلى متوسط مستوى بلغ 52.2 في النصف الأول من هذا العام مقابل 50.2 في النصف الثاني من العام 2020، وذلك بفضل وتيرة التطعيم وتحفيز السياسات للطلب المحلي وانتعاش التوظيف. إرتفعت أعداد السياحة ومعدّلات إشغال الفنادق، على الرغم من تقييد الدخول من الهند (خلال موجة كوفيد-19)، والمملكة المتحدة (منذ أن تم وضع الإمارات على القائمتين الحمراء والعنبر في بريطانيا اللتين يجب بموجبهما “الحجر الصحي الإلزامي عند العودة”) والسفر المباشر من السعودية ما زال مُعلَّقاً. وتُشير مؤشرات التكرار المُرتفعة مثل التنقل وحركة المرور ونمو المعروض النقدي أيضاً إلى انتعاشٍ واسع النطاق.
مع بدء العد التنازلي لإطلاق المعرض، هناك 192 جناحاً، وحوالي 50,000 موظف وبنية تحتية ذات صلة، جاهزون لاستقبال العالم. سيُعزّز الحدث إذا تم تشغيله بنجاح، كما هو متوقع، صورة الإمارات العربية المتحدة، ودبي بالتحديد، كرائدٍ عالمي في الاستضافة الآمنة للأحداث واسعة النطاق خلال عصر الوباء.
- ناصر سعيدي هو وزير الاقتصاد اللبناني سابقاً والنائب الأول الأسبق لحاكم مصرف لبنان المركزي. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @Nasser_Saidi