تحدّيات صعبة وخطيرة تنتظر الحكومة التونسية الجديدة

بالنسبة إلى المواطنين التونسيين العاديين الذين يبحثون عن حياة أفضل لأنفسهم وعائلاتهم، فإن تسع سنوات (2010-2019) هي فترة طويلة لانتظار التغيير.

 

الحبيب الجملي: هل يستطيع تشكيل حكومة إنقاذ؟

بقلم سارة يَركِس*

منذ تسع سنوات، أضرم بائع الشوارع التونسي محمد البوعزيزي النار بنفسه في بلدة سيدي بوزيد الريفية، مُشعِلاً الفتيل الذي أدّى إلى اندلاع الإنتفاضات العربية.

هذا العام، بينما يحتفل التونسيون بالأحداث التي بشّرت بعملية انتقال ديموقراطي، شرعت البلاد في المرحلة التالية من هذا الإنتقال من خلال حكومة مُنتَخبة حديثًاً مُصمِّمة على الوفاء بوعود ثورة 2010-2011.

ومع ذلك، فإن صبر العديد من التونسيين – وخصوصاً أولئك الذين شاركوا وأيّىوا الثورة – يتضاءل، وإذا فشلت هذه الحكومة الجديدة في تحقيق النمو الإقتصادي والتغيير الإجتماعي في المناطق الداخلية والجنوبية المُهَمّشّة، فقد تجد البلاد نفسها في واحد من وضعين مُثيرين للقلق: إضطرابات هائلة شبيهة بانتفاضات العام 2011 أو العودة إلى حكم إستبدادي. وبالتالي، من الأهمية بمكان أن تجد الحكومة الجديدة طريقة للمضي قدماً في إصلاحات اقتصادية محفوفة بالمخاطر، ولكن ضرورية، والتي من شأنها أن تُحقق على المدى الطويل تحسّناً حقيقياً في حياة التونسيين.

في حين حقّقت الثورة تقدّماً سياسياً هائلاً وأنشأت مؤسسات ديموقراطية فعّالة نسبياً كما يتّضح من التسليم السلمي للسلطة في أعقاب وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في تموز (يوليو) الفائت، فإن غالبية الأهداف الأصلية للثورة لم تتحقق بعد. عندما خرج التونسيون إلى الشوارع في العام 2010 للمطالبة بالتغيير، كانوا يبحثون أولاً عن التغيير الإقتصادي والإجتماعي – حيث جاءت مطالب التغيير السياسي لاحقاً. لكن الزعماء المختلفين الذين حكموا تونس منذ العام 2011 فشلوا في تحقيق التقدم الإقتصادي والإجتماعي الإيجابي الذي يسعى إليه الناس، مما تسبب في إحباط العديد من التونسيين.

في استطلاع أجراه أخيراً “البارومتر العربي”، قال 66 في المئة من التونسيين إنهم يعتقدون أن الحكومة تؤدي وظيفة “سيئة” أو “سيئة للغاية” للحدّ من التباين الإقتصادي والإجتماعي بين المناطق، ويعتقد ثلث المُستَطلَعين فقط أن الوضع الاقتصادي سوف يتحسّن في العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة. علاوة على ذلك، إن الثقة في الحكومة مُنخفضة للغاية. يقول ثلاثة أرباع التونسيين إنهم لا يثقون في الدولة أو مجلس الوزراء، و 78 في المئة يقولون ذلك عن البرلمان و84 في المئة يقولون إنهم لا يثقون في الأحزاب السياسية.

وقد تجلّى هذا الإحباط في مجموعة متنوعة من الطرق. يواصل التونسيون الهجرة إلى أوروبا بأعداد كبيرة سواء من خلال القنوات النظامية أو غير النظامية، وأصبحوا يُشكّلون أكبر نسبة من المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا من طريق البحر. وقد تضاعف معدل الإنتحار تقريباً منذ العام 2011 كما تضاعف معدل التضحية بالذات ثلاث مرات. في الآونة الأخيرة، في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، قام شاب آخر بالتضحية بنفسه في مدينة جملة، في منطقة البوعزيزي عينها، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات ضد الظروف الإجتماعية والإقتصادية السيئة في المنطقة. وتبقى تونس واحدة من أكبر البلدان التي ضخّت مقاتلين أجانب إلى تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.

في ظل هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن ينتخب التونسيون هذا الخريف مجموعة جديدة من الوجوه لتمثيلهم على المستوى الوطني. الرئيس قيس سعيد هو الوافد السياسي الجديد الذي خاض الإنتخابات من دون مساعدة من أي حزب سياسي وتعهّد باستئصال الفساد المستمر الذي ما زال يعصف بالبلاد على الرغم من إقالة الرئيس الأوتوقراطي زين العابدين بن علي في العام 2011. ورئيس الوزراء المُكلَّف الحبيب الجملي، الذي يفتقر إلى خلفية سياسية مهمة، تم اختياره من قبل حزب “النهضة” الذي فضّله على شخصيات سياسية محنكة، وقد تعهّد الجملي بمنح الوزارات الرئيسة – الداخلية والعدل والدفاع والشؤون الخارجية – لسياسيين مُستقلّين.

هناك ضغط هائل على الحكومة الجديدة للوفاء بما لم تستطع الحكومات التي سبقتها الوفاء به – الحدّ من بطالة الشباب، وتسوية أوضاع مَن هم في جنوب البلاد وداخلها، وزيادة النمو الإقتصادي، والحد من التضخم، وتحسين بيئة الإستثمار والقضاء على الشركات الفاسدة التي تُقيّد مساحة رواد الأعمال والشركات الصغيرة وتنهب الأموال التي تشتد الحاجة إليها من خزائن الدولة.

في أثناء تواجدي في تونس خلال الإنتخابات الرئاسية، كان من الواضح لي أن الناخبين، وخصوصاً الشباب، يرون أن الفساد يُمثّل إحدى أكثر القضايا التي تضر بتقدّم تونس. وقد قامت حملة المرشح الرئاسي سعيد على برنامج مكافحة الفساد وحقق فوزاً ساحقاً (73 في المئة من الأصوات) على منافسه نبيل القروي، الذي سُجن خلال الجزء الأكبر من الحملة الرئاسية بتهمة الفساد. ولكن ما إذا كان الرئيس سعيد سيكون قادراً على الوفاء بوعوده الإنتخابية، يعتمد إلى حد كبير على علاقته مع البرلمان، الذي يتمتع بالسلطة والولاية بالنسبة إلى القضايا الداخلية. وبينما وصل رئيس الوزراء السابق، يوسف شهيد، إلى السلطة مُعلناً الحرب على الفساد، إلّا أن جهوده أُحبِطت إلى حد كبير من جانب النخب القوية التي لم تكن مهتمة كثيراً باقتلاع أو إصلاح نظام استفادت منه وأفاد مصالحها التجارية.

هناك بعض الأمل في أن الجملي، الذي إذا نجح في تشكيل حكومة، سيكون أول مسؤول رفيع المستوى من الداخل التونسي، وقد يكون أكثر إدراكاً لاحتياجات سكان المناطق المُهمَّشة تقليدياً. ولكن مع وجود حكومة منقسمة إلى حد كبير مع حصول أكبر الأحزاب على أقل من ربع المقاعد في البرلمان (حزب “النهضة” 24 في المئة وقلب تونس 18 في المئة)، والمسؤول عن تقديم العديد من المصالح المتنوعة، قد يكون إيجاد توافق في الآراء صعباً، مما سيؤدي إلى تخفيف السياسات والقليل من القرارات المحفوفة بالمخاطر.

في حين أن التحوّلات الديموقراطية يُمكن أن تستغرق أجيالاً لكي تنجح، فبالنسبة إلى التونسيين الذين يسعون إلى حياة أفضل لأنفسهم ولأسرهم، فإن تسع سنوات هي فترة طويلة لانتظار التغيير الحقيقي. وبالتالي، إذا لم تتمكن هذه الحكومة الجديدة من تغيير المسار الإقتصادي للبلاد، فمن المحتمل أن نشهد على مدار الأعوام المقبلة مزيداً من الإنخفاضات في دعم الديموقراطية وابتعاداً أشد قسوة من القنوات السياسية الرسمية مثل الإنتخابات والنشاط المدني لطلب التغيير. هذا يمكن أن يجعل تونس على شفا أحداث 2010 أخرى – مع احتجاجات شعبية تبدأ في الداخل ويتردد صداها في جميع أنحاء البلاد. أو يمكن أن يبني ذلك دعماً للجهات الفاعلة السياسية مثل “الحزب الدستوري الحر” الذي تترأسه عبير موسى التي كانت صوتًا عالياً في معارضتها لثورة 2011 والراغبة في العودة إلى المزيد من الممارسات الاستبدادية حيث حصل حزبها على 17 مقعداً مفاجئاً من أصل 217 مقعداً في البرلمان، مما يدل على أن هناك دائرة انتخابية متنامية للعودة إلى الماضي.

أي نتيجة ستكون مُدمّرة لبلد يحتاج إلى الإستقرار من أجل البقاء. بالنسبة إلى العديد من التحديات الإقتصادية التي يتعيّن مواجهتها، يتطلب الأمر نمواً في السياحة بالإضافة إلى استثمارات وإقراض من القطاع الخاص الدولي – وكلها تتضرر من جراء العنف والفوضى. وبالتالي، يتعيّن على الحكومة الجديدة، بمجرد تأليفها، الإضطلاع بمهمة صعبة جداً: تطوير إصلاحات إقتصادية واجتماعية واضحة وفعالة بشكل سريع من شأنها إحداث التغيير الإيجابي المطلوب، وفي الوقت عينه إيجاد وسيلة لمنع وتخفيف الألم القصير المدى المُحتمَل حدوثه فيما تحقق الدولة مكاسب طويلة الأجل.

  • سارة يركِس هي زميلة في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط ، حيث تركز أبحاثها على التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية في تونس بالإضافة إلى العلاقات بين الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
  • كُتب الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى