إِميل زُولا: زوجتُه تَبَنَّت وَلَدَي عشيقَته (1 من 2)

زُوْلا وزوجته أَلكسندْرين

هنري زغيب*

في مطلع أَيلول/سپتمبر المقبل: افتتاحُ بيت إِميل زُولا في مِدان Médan (منطقة إِيڤلين Yvelines وفيها قصر ڤرساي) متحفًا للزوَّار بعد إِقفاله عشر سنين (منذ أَيلول/سپتمبر 2011) للترميم والتجهيز.

وفي هذه المناسبة تَصدر بعد نحو شهر لدى منشُورات غراسيه طبعة جديدة (بعد أُولى سنة 2014) من كتاب “مَدَام زُولا” للكاتبة الفرنسية إِڤلين بْلوكْ دانو، وفيه سيرة الروائي زولا وتفاصيل جديدة عن حياته المزدوجة بين زوجته وعشيقته.

فماذا عن البيت/المتحف؟ وماذا عن تَينِك المرأَتين في حياته؟

غلاف كتاب “مدام زُوْلا”

قصةُ البيت

سنة 1877 أَصدر إِميل زولا (1840-1902) روايته “الخمَّارة” جزءًا سابعًا من سلسلته الروائية “آل روجون ماكار”، فكان رواجُها سريعًا بعد رواج الستة الأَجزاء السابقة. وما عاد عليه من حقوقه كمؤلِّفٍ بمبلغ كبير خوَّله أَن يشتري سنة 1878 بيتًا كبيرًا في بلدة مِدان (رقمه 26 – شارع پاستور). كان يستقبل فيه أَصدقاءَه الأُدباء، وبينهم غي دوموپاسان، غوستاڤ فلوبير، إِيڤان تورغنييڤ، إِدمون غونكور، أَلفونس دوديه، وسواهم.

مع ازدياد مدخوله من مبيعات مؤَلَّفاته، راح يوسِّع البيت تدريجيًا، غرفًا وحدائق. وفي هذا البيت كتب ثمانيَ من رواياته، بينها:

“نانا” (1880)، “سعادة السيدات” (1883)، “جرمينال” (1885)، “الحيوان البشري” (1890). كان يُمضي فيه ثمانية أَشهر من السنة مع زوجته أَلكسندرين، ويعود شتاءً إِلى مسكنه بالإِيجار في پاريس. وعاش فيه 24 سنة حتى وفاته (29 أَيلول/ سپتمبر 1902).

في هذا البيت بدأَت سنة 1888 علاقتُه السرّيّة بالسيدة جانّْ روزرو  Jeanne Roserot، مدبِّرة منزل جاءت بها إِلى البيت زوجتُه أَلكسنْدرين لتقوم بأَعمال الخياطة والغسيل وما إِليهما. من تلك العلاقة السرية أَنجبَت لزولا ولدين (ابنًا وابنة) حتى إِذا علمَت بها زوجتُه، اتخذ لعشيقته منزلًا في ڤِرنُوْيْ  Verneuil-sur-Seine البلدة القريبة من بيته في مِدان. وبعد وفاته تبنَّت زوجتُه أَلكسنْدرين ذينَك الولدَين من عشيقته جانّْ وجعلَتْهما على اسمه (كما سيأْتي تفصيل ذلك في الجزء الثاني من هذا المقال).

اللوحة الرخامية التذكارية

البيتُ متحفًا

بقي البيت منسيًّا نحو ثمانية عقودٍ حتى 1982حين تَحوّل مدرسة طبية لتخريج المسعفين. لكن وزارة الثقافة استرجعتْه بقرار خاص في 21 آذار/مارس 1983، وسجَّلتْه على “لائحة التراث الأَثري الوطني”، فرمَّمتْه وافتتحتْه سنة 1984، وتولَّت جمعية أَدبية باسْم “أَصدقاء إِميل زولا” تنظيم رحلة إِليه للطلاب والسياح في أَول أُسبوع من أَيلول/سپتمبر كل عام.

سنة 1999 عهدَت به الوزارة إِلى مؤَسسة مختصة لتحوِّله مع حدائقه متحفًا، مع الحفاظ على ما تركه زولا كما كان على أَيامه: البهو الكبير بزجاجياته الجميلة، غرفة الطعام بأَثاثها الأَصلي، المطبخ كما كان، غرفة النوم بكامل ما فيها كما كانت عند وفاة الكاتب، غرفة المكتب التي وضع فيها الكاتب معظم رواياته، وفيها مجموعة من أَغراضه الخاصة ومخطوطات ورسائل وما كان يشكِّل جزءًا من حياته اليومية.

بين أَهم ما في هذا البيت/المتحف، مجموعة كبرى من صور فوتوغرافية التقطها الكاتب ذاتُه بكاميراه الخاصة، وهو كان هاوي التصوير والتحميض وطبْع الصُوَر. ولعلَّ أَبرز ما في مجموعة صوُره، تلك التي تؤَرِّخ حياةً عائليةً مزدوجة بين زوجته في بيته، وعشيقته في بيتها وولدَيه منها.

زُوْلا وعشيقتُه أُمُّ وَلَدَيْه

الزوجة أَلكسندْرين

هي أَلكسندْرين ميليه Méley  (23 آذار/مارس 1839- 26 نيسان/أَپريل1925). تزوَّجها إِميل زولا في 31 أَيار/مايو 1870، وكانت ملهمتَه لرسم ملامح أَو تصرفات عدد من شخصيات رواياته. نشأَت في أُسرة فقيرة واشتغلت بائعة زهور، ثم مدبِّرة منزل، ولها ابنةٌ تخلَّت عنها وهي طفلةٌ لعجزها عن إِعالتها، فأَودعَتْها “مستشفى الأَولاد اللقطاء” (حاولَت لاحقًا مع زوجها زولا أَن تَتَتَبَّع مصيرها كي تستردها فتبيَّن لها أَن الطفلة لم تعش طويلًا). ثم اشتغلت، لتعيش، موديلًا للرسامين الانطباعيين وخصوصًا بينهم إِدوار مانيه، وبالفعل تَظهر شبه عارية في عمق لوحته الشهيرة “غداء على العشب” (1863). ولسببٍ بقي طبيًّا غير مكشوف، أُصيبت بالعُقم فلم تُنجب لزوجها زولا.

كانت تمثِّل في عصرها المرأَة البورجوازية المتزوجة من كاتب شهير، حتى أَنها وقفت إِلى جانبه بقُوَّةٍ في قضية دريفوس وتعرَّضت لخطر الاعتقال والموت. وقضية دريفوس من أَبرز ما في مسيرة زولا، فهو دافع عن الضابط أَلفرد دريفوس المحكوم ظُلمًا بتجريده من رتبه العسكرية متهَمًا بالتعامل مع الأَلمان. وأَصدر زولا مقاله الشهير “إِني أَتَّهم” في جريدة “لورور” (13 كانون الثاني/يناير 1898) متوجهًا به إِلى رئيس الجمهورية فِليكس فُور منتصرًا لبراءة دريفوس، ما تسبَّب بمحاكمة زولا. وتذكارًا لتلك القضية وضعَت الدولة لاحقًا على مدخل الجريدة بلاطة رخامية تذكارية جاء فيها: “في هذا المبنى كانت مكاتب جريدة “لورور”. هنا سلَّم إِميل زولا في 12 كانون الثاني/يناير 1898 رئيسَ التحرير جورج كليمانصو رسالةً موجَّهَةً إِلى رئيس الجمهورية مثْبتًا براءَة أَلفرد دريفوس معلنًا: “الحقيقة انطلَقت ولا مَن يوقفها”. وصدرت الرسالة في اليوم التالي بالعنوان الشهير “إِني أَتهم”. واندلعَت حملةٌ صحافية كبرى بين مؤَيدي محاكمة دريفوس ومعارضيها.

سوى أَن أَلكسندرين لم تكن امرأَة سعيدة، لذا ترنَّح طبعُها بين حيوية وضعف، بين تقليدية ومتحررة، بين سرٍّ ظل سرًّا حتى انكشف بعضُه من الأَوراق الخاصة في بيت مِدان بين وثائق زولا وزوجته، وبينها رسائل لم تكن مكتشَفة بعد. وهي بقيَت تلازم زوجها ولم تنفصل عنه حتى بعدما اكتشفَت علاقته السرية بمدبرة المنزل جان روزرو وولدَين له منها، ربما لشعورها بمسؤُولية أَنها لم تُنْجب له، أَو لمزاجها البورجوازي المتحرر من التقاليد المغْلَقة المتزمِّتة في تلك الحقبة المصيرية من العهد الأَمبراطوري الفرنسي الثاني.

سوى أَن أَبرز وفاءاتها لزوجها الراحل، تَبَنِّيها وَلَدَيْه من عشيقته جانّ. كيف ذلك؟

الجواب في الجزء التالي من هذا المقال: “أَسواق العرب” الثلثاء المقبل.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى