لا يومُ انتخاب بل يومُ حساب

 هنري زغيب*

الأَصدقاء المتابعون نُصوصي، كِتابيَّها والإِذاعيَّ، يطالعونني مُثَلَّثي الردُود: مَن يتَّفقون معي على تفاؤُلي وإِيجابيَّتي، مَن يُشَكِّكون فيهما ويتمَنَّون أَن أَكون على صواب، ومَن يرفضونَهما بسلبية متشائمة حادَّة.

أُحيِّي مؤَيِّدي إِيجابيَّتي وتفاؤُلي، ومَن يشكِّكون بهما على بعض أَملٍ بتَحَقُّقِهما، وأَحترم السلبيِّين المتشائمين الرافضينَهما وأَفهمُهم.

أَفهم ثورتَهم على كلِّ مَن وكلِّ ما.

أَفهمُ غضبَهم على مَن أَوصلوا لبناننا إِلى هذا الدَرَك القاصم.

أَفهمُ تشاؤُمَهم من سُلطة عابثة جعلت الشعب اللبناني شحَّادًا على رصيف الدول، ذليلًا في اطِّلاب معيشته، موعودًا ببطاقة تمويلية تموينية للحصول على رغيف الخبز كأَي شعبٍ مهزومٍ مكسورٍ على أَرضه، لاجئٍ في وطنه، مُشَرَّدٍ في بيته، يبحث عن إِغاثةٍ يائسة وعن إِعاشةٍ مغمَّسَةٍ بالقهر والذُل.

أَفهمُ تَوَجُّسَهم من تفَلُّتٍ أَمنيٍّ يتوسَّع قد يقودُهم حتى اللجوء إِلى التَحصُّن بالاكتفاءِ الذاتي والأَمن الذاتي.

أَفهمُ حياتَهم الغائصة في نفاياتِ بيئةٍ ملوَّثةٍ بَرًّا وبحرًا وجوًّا، والعالم احتفل الخميس الماضي بيوم الأَرضِ فيما أَرضُ لبنانَ نهبُ مسؤُولين رُعَناء لم يتركوا للشعب أَخضرَ فيها ولا حتى يَبَاس أَمَل.

أَفهَمُ لديهم كلَّ هذا، وأُحسُّ به، وأَكتُب عنه بحبر الغضَب وكلمات الرفْض ونَبرة الحقد على طبقة حاكمة تُذِلُّ شعبَها.

أَفهَمُ تشاؤُمهم من أَن تغيِّرَ الانتخابات المقبلة قريبًا هذه الطبقةَ المتحكِّمة بشعبنا حتى خنْقِه بالتسلُّط.

أَفهَمُ قناعتهم الجادّة وسلبيَّتهم الحادَّة، لكنني أَرفضها بقناعتي أَنْ لن تكون الانتخابات المقبلة كأَيِّ انتخابات سابقة.

لا. أَبدًا. لن يُعيدَ شعبُنا هذه الوجوه ذاتها وهذه الطبقة ذاتها وهؤُلاء الفاسدين ذاتهم. شعبُنا الذي تَلوَّع وجاع وافتقر وهجَر، لن يغفِر أَبدًا لمن سبَّبوا لوعتَه وجوعَه وفقرَه وتهجيره. في شعبنا، هنا وفي العالم، لبنانيُّون موهوبون قادرون عباقرة مبدعون جديرون مؤَهَّلون أَن يحِلُّوا مكان هؤُلاء الذين ينكبوننا حاليًّا بوجوههم وتحركاتهم وتصاريحهم واجتماعاتهم وقراراتهم وتكتُّلاتهم وتحالفاتهم وآرائهم وخطَبِهم الكذَّابة.

لم يمرَّ شعبنا بما يعانيه اليوم من أَذى فاجع في مصيره ومصير أَولاده وبلاده. لذا لن تكون الانتخابات المقْبلة كأَيِّ انتخابات سابقة. وصندوقة الاقتراع لن تكون للانتخاب بل للحساب، للحساب القاسي، للحساب الصارم، لعزْل الطغاة عن كراسيهم ومناصبهم وحقائبهم ومقاعدهم وزعاماتهم وعروشهم. ستكون محاسبةً لن ترحم أَحدًا.

“من ضربكَ على خدِّك الأَيمن أَدِرْ له الأَيسر”؟ لا يا مُعَلِّم. واسمح لنا بها هذه المرة. مَن ضربَنا على خدنا الأَيمن، سنستلُّ له كرباجَك الذي به طردْتَ تجار الهيكل، وننزل به جَلْدًا على كل حقيرٍ أَوصل شعبنا إِلى الذُل، وأُمَّهاتنا إِلى دموع القهر، وشبابَنا إِلى الهجرة والضياع.

السلْبيون المتشائمون الرافضون تفاؤُلي وإِيجابيَّتي، فَلْيُلاقوني يومَ المحاسبة إِلى صندوقة الاقتراع. هناك سيكون التغيير، لا في الشارع ولا في التظاهرات الكرنڤالية، ولا في ارتجال ثورةٍ لم تُنتِجْ بعدُ قيادةً ذاتَ رؤْية. هناك سيبدأُ التغيير. هناك ستنفتح أَبوابٌ جديدة لوجوهٍ لبنانية جديدة نقية من كلِّ استزلام وتَبَعية وأَغنامية قُطعانية عمياء.

بلى: سأَظل إِيجابيًّا متفائِلًا. إِيماني كبيرٌ بشعبنا، وسيبقى كبيرًا إِيماني به، وسيرى السلبيُّون المتشائمون أَن الخلاص هو في كلمة الشعب، حين سيقول شعبُنا كلمتَه، ويُسْقِط الأَقنعة عن اليوضاسيين، ويُحرق جميع المنابر والمنصَّات، ويَخنقُ جميع الأَصوات، ولن يبقى إِلَّا وحدَهم وحدَهم: الأَنقياء العاملون للغدِ الطالع من فجر لبنان اللبناني.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى