اللاجئون السوريون في لبنان: أزمةٌ مُعَقَّدة داخل أزمةٍ أكثر تعقيداً

يعيش اللاجئون السوريون في لبنان في وضع سيئ للغاية، وليست هناك إشارات إلى أن ليلهم سينتهي قريباً، ذلك أن أزمتهم التي صارت داخل الأزمة اللبنانية فاقمت الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتردّي أصلاً في البلاد.

المدارس الرسمية في لبنان: لم تعد تستطيع إستقبال الطلاب اللاجئين

عمر كارسابان وسجّاد شاه*

لبنان على شفا التحلُّل. لقد عانى من الإنهيار المالي والإقتصادي الذاتي إضافة إلى الوباء، والإنفجار الهائل في مرفأ بيروت. وفيما هو مُثقَلٌ ومُرهَق بالتوترات الطائفية والاجتماعية، وغير قادرٍ على إجراء أي إصلاحات لإطلاق العنان للمساعدات الخارجية، تتصاعد التوترات الطائفية والاجتماعية في الوقت الذي يتدهور الاقتصاد بشكلٍ سريع ومُريع. إنخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20.3 في المئة في العام 2020، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 9.5 في المئة في العام 2021.

مع هبوط قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 80 في المئة، وتجاوز التضخم 140 في المئة، و40 في المئة من البطالة، “أصبحت الطبقة الوسطى فقيرة والفقراء أكثر فقراً … حيث وصل الكثيرون منهم إلى النقطة التي لا يستطيعون فيها شراء الغذاء”. تشير التقديرات إلى أن معدل الفقر في لبنان قد تضاعف إلى أكثر من 55٪ بين العامين 2019 و2020 بينما تضاعف الفقر المُدقع ثلاث مرات ليصل إلى 23%؛ 841,000 لبناني يعيشون تحت خط الفقر الغذائي.

في هذه المؤشرات وغيرها، فإن أداء اللاجئين السوريين في لبنان أسوأ من مضيفيهم. أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن لبنان يستضيف 865,530 لاجئاً سورياً مُسَجَّلاً وتُقدِّر أن عدد جميع السوريين في لبنان يبلغ 1.5 مليوناً. على مستوى العالم، يحتل لبنان (عدد سكانه 6.8 ملايين) المرتبة الثانية بعد جزيرة “أروبا” (Aruba) (يبلغ عدد سكانها 110,000)، التي تستضيف نازحين فنزويليين، من حيث نسبة اللاجئين إلى السكان الأصليين.

مع وجود غالبية ساحقة من السوريين السنّة الذين يُشكّلون أكثر من 20 في المئة من سكان لبنان، كان يُنظر إلى وجودهم على أنه يُهدّد الحكم الطائفي للبلاد واستقراره، مما أثار معارضة فورية من مختلف الجماعات. لم تساعد علاقة لبنان المشحونة بسوريا على مدى عقود عديدة، وزادت الأزمة من سوء التصوّرات السلبية من اتهامات بسرقة الوظائف من المواطنين إلى الجريمة. ومع ذلك، وفقاً لمختبر سياسة الهجرة في جامعة ستانفورد، فإن قلّة من اللاجئين ترغب في العودة. الخوف من سوريا التي يديرها بشار الأسد والأزمة الاقتصادية العميقة التي تنافس أزمة لبنان يحفزان الأكثرية على البقاء حتى لو حاولت حكومة بيروت العمل على طردهم من خلال مفاقمة وضعهم السيئ، وهم بالتالي مستعدون لأعمال عنف ضد الدعوات بعودتهم بين الحين والآخر.

يعيش ما يُقدَّر بنحو 90 في المئة من أُسَر اللاجئين السوريين في فقرٍ مُدقع، إرتفاعاً من 55 في المئة في أوائل العام 2019. وتقول الأمم المتحدة إن هذه الأُسر تعيش على أقل من نصف الحد الأدنى للأجور اللبنانية، أي ما يقرب من 36 دولاراً شهرياً ويتقلّص المبلغ بالقيمة الحقيقية. وهذا يعني الحرمان من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما فيها الغذاء ومياه الشرب المأمونة والصرف الصحي والصحة والمأوى والتعليم. في الواقع، يفتقر أكثر من 80 في المئة من اللاجئين السوريين إلى الإقامة القانونية منذ أن توقف لبنان عن السماح للمفوضية السامية للاجئين بتسجيل السوريين في العام 2015. للتسجيل خارج المفوضية، يلزم وجود كفيل لبناني، وموافقة السلطات، ورسوم تجديد سنوية قدرها 200 دولار. وهذا مبلغ لا يمكن تحمّله من قبل غالبية الناس والموافقات صعبة. وبالتالي، لا يستطيع الكثيرون الوصول إلى الخدمات، وتُعاقُ تحركاتهم، ويتعرّضون للاستغلال والاحتجاز والترحيل.

في كانون الأول (ديسمبر) 2020، كانت نسبة 50 في المئة من الأُسَر السورية تُعاني من انعدام الأمن الغذائي، وهو تضاعف منذ العام 2019. وتتزايد آليات التأقلم المُدمِّرة مثل تقليل عدد الوجبات وحصصها في اليوم. منذ العام 2019، إرتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 402٪. مع الانخفاض الحاد في فرص العمل غير الرسمية، يُراكم اللاجئون أيضاً المزيد من الديون –93 في المئة اقترضوا للغذاء، و48 في المئة للإيجار، و34 في المئة للأدوية. الأسر اللاجئة التي تعيلها إناث تعاني من انعدام الأمن الغذائي أكثر من الأسر التي يعيلها رجال، بينما تستخدم الأسر التي تعيلها نساء (68 في المئة) تدابير مواجهة على مستوى الأزمة مقارنة بالأسر التي يعيلها رجال (13 في المئة)، بما في ذلك زواج الأولاد غير البالغين، وسحب الأطفال من المدرسة، والأطفال الذين يعملون ويتسوّلون وما إلى ذلك.

إذا نفدت أموال لبنان المُخصّصة لبرنامج الدعم، فقد يتدهور الوضع بشكل كبير. في الوقت الحالي، تقوم حكومة تصريف الأعمال بتقليص قائمتها المُكوَّنة من 300 منتوج من المنتجات الغذائية والمنزلية الأساسية مع تقليل الدعم على البنزين. مع التضاؤل ​​السريع لاحتياطات النقد الأجنبي في مصرف لبنان المركزي، من غير الواضح إلى متى يمكن الحفاظ على الإنفاق السنوي البالغ 6 مليارات دولار على الإعانات. من المفترض أن يبقى الدعم الأساسي للقمح والأدوية ووقود الكهرباء حتى اللحظة الأخيرة.

حتى قبل الأزمة، كان التعليم يُمثّل تحدّياً، حيث كان 58 في المئة من أطفال اللاجئين السوريين غير ملتحقين بالتعليم الرسمي في العام 2018. وحضر العديد من أولئك الذين كانوا في التعليم الرسمي (190 ألفاً في 2020-2021) فصولاً بعد الظهر في المدارس الرسمية، ولكن الآن هناك العديد من اللبنانيين قاموا بنقل أطفالهم إلى التعليم الرسمي، مما يحدّ من الفرص المتاحة للأطفال اللاجئين. علاوة على ذلك ، تم تأخير خطط التعلّم عن بُعد، وحتى عند إطلاقها بالكامل، ستشكل التكنولوجيا والتكاليف عوائق. تقول منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children) إن آلاف الأطفال اللبنانيين واللاجئين “قد لا يعودون إلى المدرسة أبداً إمّا لأنهم فقدوا الكثير من التعلّم أصلاً أو لأن أهلهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف إرسالهم إلى المدرسة”. وما يثير القلق أن تمويل المانحين آخذٌ في التناقص.

لقد كشف الوباء عن نقاط ضعف الحالة الصحّية غير المُستقرّة للاجئين. يواجه اللاجئون السوريون معدل وفيات يزيد عن أربعة أضعاف المعدل الوطني. تدفع المفوضية السامية الأممية 85 في المئة من تكاليف الرعاية الصحية الأولية للاجئين. يأتي الدعم أيضاً من المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية والبنك الدولي وآخرين. مؤسسات الرعاية الصحية الثانوية والثالثية هي في الغالب مؤسسات خاصة ومُكلفة للغاية بالنسبة إلى معظم اللاجئين. على الرغم من صعوبة الحصول على الأرقام، إعتباراً من 5 نيسان (أبريل)، تم تلقيح حوالي 1,159 سورياً (على الرغم من أن 6,701 كانوا مؤهلين وبلغ إجمالي التسجيلات 17,891). هناك قضايا خطيرة تتعلّق بالتسجيل والوصول إلى المعلومات، حيث يخشى اللاجئون الاعتقال والترحيل وما إلى ذلك.

لقد شق بالفعل عدد قليل من اللبنانيين والسوريين طريقهم إلى قبرص. لتجنّب أزمة مثل تلك التي حدثت في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط ​​في 2015-2016، يحتاج المجتمع الدولي -وخصوصاً الإتحاد الأوروبي- إلى التدخّل بطريقة تتناسب مع حجم الأزمة. تتطلب هذه المأساة الإنسانية الخطيرة المتزايدة مساعدات مالية ومساعدات أخرى مُناسبة لمنع انهيارٍ كارثي في ​​لبنان ونزوحٍ يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار أوروبا وخارجها. لذلك، هناك ثلاثة شروط مُسبقة تبدو ضرورية:

  1. يجب زيادة الأموال وتقديمها مباشرة إلى اللاجئين والمجتمعات المُضيفة ووكالات الأمم المتحدة الداعمة. لا أحد، ولا سيما اللبنانيين، يثق في العمليات والمؤسسات الحكومية. لذا ستكون هناك حاجة إلى آلياتٍ غير حكومية إلى حدٍّ كبير.
  2. ينبغي توفير بيئة للاجئين من حيث الوضع، والوصول إلى الخدمات، وفُرَص كسب العيش بما يتناسب مع مبالغ أكبر بكثير من الأموال الواردة. إن اتفاقية 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والتي قدمت 6 مليارات يورو لتركيا على شريحتين، نموذج يستحق النظر فيه، خصوصاً عندما يكون هناك نموذجٌ جديد قيد الإعداد. هذه المرة يجب أن يسبق البرنامج ويستبق أزمة نزوح ضخمة بدلاً من أن يأتي بعدها. ومن المقرر أن يستهدف اللاجئين والمُستضعَفين، بما يتناسب مع لبنان، ويدمج مساعدات التنمية على مراحل.
  3. يتعيّن على أوروبا والعالم تحويل نقطة أخرى، ألا وهي إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة، إلى تدفق أكثر قوة — وهو الأمر الذي فشلت فيه إلى حدٍّ كبير إتفاقية تركيا والاتحاد الأوروبي. من الناحية المثالية، ينبغي أيضاً بذل جهود أكثر استدامة وتركيز على السلام في سوريا لتهيئة الظروف لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار وإزالة الخوف.
  • عمر كارسابان خدم 30 عاماً في البنك الدولي. يعمل الآن مع استراتيجيات الاستقرار في معهد بروكينز. وسجّاد علي شاه يشغل حالياً منصب مدير وحدة فاعلية التنمية (MNADE) في البنك الدولي التي تغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يمكن متابعته عبر تويتر على @SajjadAliShah2
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى