“الجيلُ الخطأ”يقود احتجاجات تونس

يقود احتجاجات تونس جيلٌ لم يواكب فترة زين العابدين بن علي، ولم يعرف التضييق على الحريات ولم يُجرِّب القمع. هذا الجيل غَيّرَ شكل الاحتجاجات وأساليب الاحتجاج في البلاد.

الرؤساء التونسيين الثلاثة قيس سعيد، هشام المشيشي و راشد الغنوشي: خلافهم يُعثّر مسيرة البلاد إلى الأمام.

عبدالسلام هرشي*

دخلت تونس العام 2021 مُثقَلةً بأزماتٍ خطيرة، تمثّلت في أزمة صحية بعد عودة فيروس كوفيد-19 إلى الانتشار مُخَلّفاً أكثر من 10 آلاف وفاة، والارتباك في حملة التطعيم، إضافة إلى أزمة اقتصادية نتيجة لتداعيات الجائحة، وأزمة سياسية بسبب الصراع المحتدم بين رؤوس السلطة الثلاثة: رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس الجمهورية قيس سعيد، وكذلك أزمة اجتماعية تفجّرت بسببها الاحتجاجات وتوسّعت في محافظات خارج العاصمة تونس، نتج عنها اعتقال أكثر من 1600 شاب، ووفاة شاب بعد أن أصيب بعبوة غاز مسيل للدموع.

في تصريح، قال الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن نسق الاحتجاجات خلال الربع الأول من العام الحالي، شهد ارتفاعاً في عدد الاحتجاجات بـنحو 1,801، مقارنة بالربع الأول من سنة 2020. وذكر بن عمر أنه تمّ تسجيل 3,865 تحرّكاً احتجاجياً خلال الربع الأول من السنة الحالية. منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2011 اكتسبت تونس تقليداً جديداً يتمثّل بتجدّد الاحتجاجات في الشهر الأول من كل عام، حتى أن السلطة السياسية أصبحت تستعد لهذا الشهر. لكن في العام 2021 تفجّرت احتجاجات مرتفعة النسق من حيث عددها وحدّتها. إندلعت الاحتجاجات الأولى في كانون الثاني (يناير) بين شباب في حي غربي تونس، إستمرت الاحتجاجات أياماً عدة وتحوّلت إلى مناوشات عنيفة، استعملت فيها الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع. لكن سرعان ما انتشرت هذه الاحتجاجات لتشمل محافظات سوسة والقصرين وبنزرت وسليانة، ما أدى إلى تدخّل الجيش لحماية المنشآت.

قوبلت الاحتجاجات بمستوى غير مسبوق من القمع من قبل قوات الشرطة. تم اعتقال أكثر من 1600 شخص تتراوح أعمارهم بين 30 و51 عاماً. وقد وثّقت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان “انتهاكات جسيمة” بحق المُعتَقَلين بعضهم من الأطفال. وتضمنّت الانتهاكات المُوَثَّقة التعذيب والتحرّش والضرب والتهديد بالاعتداء الجنسي والاغتصاب. يوسف (22 عاماً)، أحد المتظاهرين الموقوفين الذين قابلتهم، تحدّث عن الإهانات والضرب والتعذيب التي تعرض لها هو وزملاؤه في حجز الشرطة. ونقل تقريرٌ رواية الشاب أحمد (21 عاماً) أنه “فقد خصيته اليسرى جرّاء ما قال إنه تعذيبٌ شديد تعرّض له أثناء اعتقاله عقب الاحتجاجات”.

عاد، في هذه الاحتجاجات، شعار “الشعب يُريد إسقاط النظام”، وهو تطورٌ نوعي يُفهَم منه مستوى حالة الرفض للمنظومة الحاكمة، إضافةً إلى شعارات تدعو إلى إسقاط الحكومة الحالية، وتُطالب بانتخاباتٍ مُبكرة، واحترام الحريات الفردية. المُلفت أنها كانت احتجاجات تلقائية وغير مؤطّرة، وتحمل موقفاً سياسياً رافضاً لكل المنظومة السياسية الحاكمة.  يقود هذه الاحتجاجات الجيل الذي لم يواكب فترة زين العابدين بن علي، ولم يعرف التضييق على الحريات ولم يُعانِ من القمع، هو جيل الانتقال الديموقراطي. هذا الجيل غَيّر شكل الاحتجاجات وأساليب الاحتجاج، مثلاً أطلقت مجموعة من الشباب وسماً (هاشتاغ) على وسائل التواصل الاجتماعي باسم #الجيل_الخطأ تعبيراً عنهم. لم تستطع القوى السياسية والمدنية تأطير هذه التحرّكات، ما يُثبت رفض هذا الجيل جميع أشكال التنظيم التقليدية، سياسية كانت (أحزاب) أم مدنية (منظمات وجمعيات). ويقول الصحافي والمُحلّل السياسي محمد اليوسفي إن “الدولة التونسية بالعقل السياسي الذي تمتلكه غير قادرة على استيعاب الشباب الجديد وغير قادرة على استيعاب مطالبه، رأينا كيف كان التعامل مع الأزمة يحتوي على نوع من الرعونة السياسية. هذا سيؤدي إلى تشكيل تراكمات”.

ربما نجحت السلطة السياسية في تونس نسبياً في كبح جماح هذه الموجة من التحرّكات بانتهاج الحلّ الأمني والاعتقالات والتخويف كأسلوبٍ للتعاطي مع المُحتجّين، لكنها في الوقت نفسه، بهذه الطريقة، تكون بصدد المساهمة في إنتاج تراكمات قد تُسبّب انفجاراً اجتماعياً خطيراً، خصوصاً في ظل تداعيات فيروس كورونا والذي أفقد الآلاف وظائفهم حتى ارتفعت نسبة البطالة من 15.3%  قبل الجائحة إلى 17.4% حسب المعهد الوطني للإحصاء. حالياً، لا يوجد طرفٌ سياسي لديه القدرة على استيعاب الجيل الجديد وفَهمِ احتجاجاته لسببين: الأول بسبب الاختلاف الكبير في التصوّرات بشأن شكل تونس في المستقبل، حيث يسعى الجيل الجديد إلى بلدٍ ديموقراطي يقوم على المُحاسبة قبل المصالحة، وأن تكون مكافحة الفساد مُمارسة لا شعاراً، ويعمل وفق استراتيجية تنموية تُواكب التطورات العالمية وتُطبَّق فيه العدالة الاجتماعية و الاقتصادية، والثاني بسبب رفض الشباب لكلّ ما هو سياسي في بلدهم وهي معضلة يرى ناشط المجتمع المدني محمد برهومي حلّها في تبنّي استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد  السياسي. وقال إن الطريقة الوحيدة لتنقية الأجواء السياسية في تونس هي رؤية محاسبة حقيقية للفاسدين من الطبقة السياسية، ولعودة الأمل  إلى الشباب وإقباله على العمل السياسي مرة أخرى.

  • عبد السلام هرشي، صحافي وأستاذ جامعي في الشؤون المالية، وباحث في تجربة تونس مع الفساد منذ الاستقلال. يمكن متابعته عبر تويتر عبر: @abdslemher

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى