ماذا يجري في جنوب سوريا؟

فيما يسعى النظام السوري إلى توسيع سيطرته على درعا من خلال حلفائه الروس، فإن التطورات على الأرض تُظهر استمرار عدم الإستقرار في المحافظة.

الفيلق الخامس: سوري الهوية وروسي الهوى

بقلم أرميناك توكماجيان*

في منتصف كانون الثاني (يناير) الفائت، وصلت محافظة درعا السورية إلى شفا تصعيد عسكري كان يُمكنه أن يزعزع استقرار جنوب سوريا. إندلع خلافٌ قديم مُجدَّداً في مدينة طفس بين أفراد عشيرتي كيوان والزعبي، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل. وقد استخدم كلا الجانبين في معاركهما أسلحة عسكرية.

سعى النظام السوري إلى استغلال الخلاف والدفع باتجاه سيطرة أمنية أقوى في طفس ومحيطها، لا سيما من خلال نشر الفرقة الرابعة المدرعة. ويرجع ذلك إلى أنه في العام 2018، عندما استعادت القوات الحكومية وروسيا السيطرة على الجنوب من المُتمرّدين، كانت طفس واحدة من تلك الأماكن التي فَرَضَ فيها اتفاقٌ بوساطة روسية قيوداً كبيرة على وجود الجيش السوري وقوات الأمن. مقابل ذلك، وافق المتمرّدون على عودة الحكومة إلى الجنوب.

في ذلك الوقت، فضّلت روسيا عودةً من خلال التفاوض، لاستبعاد مشاركة إيران في استعادة الأراضي. كان خوفها من أن يؤدي ذلك إلى ردود عسكرية إسرائيلية وأردنية وأميركية لمنع الإيرانيين وحلفائهم من الانتشار في المنطقة الحدودية، الأمر الذي كان سيُقوّض جهود موسكو والنظام السوري لفرض سيطرتهما على المنطقة. ومع ذلك، لم تُرحّب الحكومة السورية أبداً بالشروط التي فرضتها عليها موسكو، وكان القتال الأخير في طفس هو الحلقة الأخيرة التي سعت إلى استخدامها كإسفين لتمهيد الطريق لعودة أكبر لقواتها.

حدّد النظام إنذاراً للمعارضة في طفس لتلبية مطالب عديدة. وشمل ذلك تسليم المتمردين المطلوبين أو نفيهم إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا، وتسليم الأسلحة المُستَخدَمة في أثناء النزاع، من بين أمور أخرى. في غضون ذلك، تم فتح مسار تفاوض لمنع التصعيد. في الأيام الأولى للنزاع، حاول وجهاء وأفراد من الفيلق الخامس، وهو جزء من الجيش السوري لكنه يتلقى أوامره من روسيا ويحظى برعايتها، تهدئة التوترات. لاحقاً، فعَّلت روسيا وممثلو النظام وشخصيات معارضة القنوات الموجودة لحلّ الأزمة.

تمكّن الروس في النهاية من تسهيل التوصّل إلى اتفاق. وبحسب ما ورد، نصّ هذا الإتفاق على طرد المُتمرّدين المطلوبين من طفس إلى مناطق أخرى في درعا بدلاً من شمال سوريا، وتسليم الأسلحة، وإعادة فتح مركز الشرطة وثلاث مؤسسات مدنية أخرى في طفس، والسماح لوحدات من الفرقة الرابعة المدرعة إجراء عمليات البحث في أماكن مُحدّدة. كما سعى الإتفاق إلى منع الخطوات التي قد تؤدي إلى تصعيد عسكري. وبينما عرضت وسائل الإعلام الموالية للنظام الصفقة على أنها عودة الجيش السوري إلى طفس “لفرض الأمن والاستقرار”، كتبت منصّات مُناهضة للنظام أن مزاعم الحكومة بالسيطرة على المدينة كانت “وهمية”.

بالنسبة إلى السكان المحليين والمراقبين على السواء، لم يكن ما حدث في طفس مُفاجئاً. كان لا بدّ من فهم الأمر على أنه جزءٌ من لعبةٍ يلعبها اللاعبون الرئيسيون على الأرض في الجنوب – روسيا ونظام الأسد وإيران وبقايا الجماعات المتمردة المسلحة السابقة – منذ العام 2018. لقد سعوا إلى التعدّي على مجالات تأثير اللاعبين الآخرين لتعزيز سلطتهم. وقد فعلوا ذلك، على الأقل في الوقت الحالي، بينما كانوا يحاولون عدم تعريض التوازن الهشّ، الذي ظهر بعد الحملة العسكرية في 2018، للخطر.

في هذه اللعبة المُميتة والقاتلة، يظل النظام هو اللاعب الرئيس. على الرغم من ضعفه وعدم مركزيته، وتخضع أجهزته الأمنية والعسكرية لتأثير خارجي كبير، يبدو أن لديه استراتيجية واضحة عندما يتعلق الأمر بالشؤون المحلية في درعا. هدفه هو دمج أو القضاء على شبكات المعارضة التي ظهرت خلال النزاع، والتي يمكن أن تُشكّل تهديداً للنظام.

منذ العام 2018، إغتال النظام، أو اعتقل، المعارضين المُفتَرَضين، أو أجرى عمليات عسكرية محدودة ضدهم. خلال هذه الفترة، نجح النظام أيضاً في دمج المتمردين السابقين في أجهزته العسكرية والأمنية. عماد أبو زريق في قرية نصيب، ومصطفى المسالمة في حي درعا البلد، هما من أبرز الأمثلة، وإن لم يكُنا الوحيدَين.

من جهتها، تلعب إيران لعبةً مُماثلة، لكن بأدواتٍ مُختلفة. يقتصر وجود طهران في المنطقة في الغالب على الحلفاء، أهمهم هو “حزب الله”، الذي كان له وجود، أصلاً، في القنيطرة قبل حملة 2018، وتقول تقارير عدة أنه وسّعه منذ ذلك الحين. وتُعتَبَر أيضاً الفرقة الرابعة المُدرّعة في الجيش السوري، التي يقودها ماهر شقيق الرئيس بشار الأسد، حليفاً مهماً لإيران في الجنوب. في العام الفائت، حاولت وحدات الفرقة توسيع وجودها في ريف درعا الغربي، عندما حدثت في أيار (مايو) 2020 أزمة مُماثلة لتلك التي حدثت في كانون الثاني (يناير) الفائت.

كانت إيران حذرة من حقيقة أن روسيا هي الوصي على الوضع الراهن، فيما إسرائيل تُراقب الجنوب ويمكنها أن تتصرّف كما تشاء وتفعل ما تريد. لقد فعلت ذلك، على سبيل المثال، في كانون الثاني (يناير) 2015 عندما قتلت ستة من أعضاء “حزب الله” في القنيطرة، بمَن فيهم جهاد مغنية، نجل المسؤول البارز الراحل في “حزب الله” عماد مغنية. كما نفّذ الإسرائيليون عشرات الغارات الجوية ضد حلفاء إيران في جنوب سوريا، من دون ردِّ فعلٍ من الدفاعات الجوية الروسية.

على الرغم من أن حسابات روسيا مختلفة عن حسابات إيران، التي كانت مسؤولة عن النظام السائد في أجزاء كبيرة من الجنوب، فإن لدى موسكو أيضاً بيادقها. خلال مفاوضات 2018، إستعانت بأحد أبرز قادة الثوار في المنطقة، أحمد العودة، كعميل محلي رئيس لها. أصبح العودة، الذي كان أسرع من غيره من قادة المتمردين في التعامل مع روسيا، قائد الفيلق الخامس في درعا. علاوة على ذلك، كانت هناك تقارير من وقت لآخر تُفيد بأن روسيا تحاول تعزيز الفيلق الخامس بمقاتلين إضافيين، على الأرجح لتعزيز وجودها المحلي بالنظر إلى العدد المحدود من الأفراد الروس على الأرض.

من المرجح أن تستمر اللعبة التي يلعبها اللاعبون الرئيسيون في درعا لبعض الوقت. وهذا يعني استمرار حالة عدم الاستقرار في المحافظة والإغتيالات وانعدام الأمن والاعتقالات والتصعيد العسكري المحلي. إن جميع التحرّكات الصغيرة التي انخرط فيها اللاعبون الكبار منذ العام 2018 تُعيد شيئاً فشيئاً رسم خريطة القوة المُعَقّدة في جنوب سوريا المضطرب.

  • أرميناك توكماجيان هو باحث غير مقيم في مركز “مالكولم إتش كير” كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. يٌركز بحثه على الحدود والنزاعات واللاجئين السوريين والوسطاء المحليين في سوريا. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @TokmajyanA

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى