هل يستطيع بايدن تجاهل الأزمة السورية؟
بقلم أسامة الشريف*
الرئيس جو بايدن وفريقه الأعلى للسياسة الخارجية لم يكشفا بعد عن سياسةٍ بشأن الأزمة السورية المستمرة منذ عشر سنين، إن كانت هناك واحدة. حتى الآن، كرّر وزير الخارجية أنطوني بلينكين التزامه بتنفيذ عقوبات اقتصادية صارمة بموجب قانون قيصر، في حين أعلن البنتاغون أخيراً أن الجيش الأميركي في شرق سوريا لن يكون مسؤولاً عن حماية حقول النفط والغاز. بدلاً من ذلك، سيُركّز على محاربة “داعش”. لكن هل هذا كاف؟ هذا لا يرقى إلى نهجٍ واضح ومستقر لحل الأزمة التي تستمر في تآكل النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير سوريا وتقسيمها.
ليس من الواضح أيضاً ما إذا كانت سوريا ستظهر كأولوية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن مع وجود مؤشّراتٍ مُبكرة تُشير إلى عدم وجود رؤية حول كيفية المضي قُدُماً بعد سنوات من استراتيجياتٍ قصيرة النظر فاشلة. لكن تبقى الحقيقة أن الأزمة السورية، بأبعادها المُتعدّدة الجنسيات، هي عاملٌ إقليمي مُعطّل رئيس. لا يمكن حل المسألة الإيرانية، بما في ذلك الاتفاق النووي وأجندة طهران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، من دون معالجة الأزمة السورية المُعقَّدة.
فشلت الإدارات الأميركية المُتعاقبة في تنفيذِ استراتيجيةٍ صحيحة في سوريا. إختارت إدارة باراك أوباما دعم المُتمَرِّدين المُناهضين لنظام بشار الأسد، المؤلّفين من قوميين وعناصر يسارية ومتطرفة، في محاولة لإسقاط النظام. كان لتلك السياسة تأثيرٌ كارثي في الشعب السوري ومهّدت الطريق لظهور تنظيم “داعش” بينما فشلت في إسقاط النظام. نزح ملايين السوريين، وقُتل قرابة نصف مليون، حيث وقف العالم مكتوف الأيدي فيما كانت دمشق تقصف شعبها بأسلحة كيماوية. الواقع أن كلّاً من النظام والجماعات المتمرّدة مُتَّهَمٌ بارتكابِ جرائم حربٍ جسيمة. لقد ترك أوباما سوريا في حالة اضطراب، كما فعل في ليبيا.
ورث الرئيس دونالد ترامب الأزمة السورية، وبينما كان يسعى إلى إنهاء التدخّل الأميركي في المنطقة، واجه التحدّي الرهيب الذي يمثله تنظيم “داعش” في كلّ من سوريا والعراق. ركّزت سياسته، غير الواضحة في كثير من الأحيان، على هزيمة الجماعة الإرهابية مع فرض عقوبات اقتصادية على النظام. بين إدارتَي أوباما وترامب، حدث التدخل العسكري الروسي في سوريا في العام 2015 وأصبح دائماً في العام 2017. وكان ذلك بمثابة تغييرٍ للعبة في ديناميات الحرب الأهلية التي فشل كلا الزعيمين في تقديرها.
تزامناً مع التدخل الروسي، عبرت القوات التركية الحدود مع سوريا في العام 2016 لاحتواء وصدّ المُتمرّدين الأكراد السوريين المُتحالفين مع العرب والأقليات العرقية الأخرى في شرق الفرات. تم تصنيف قوات سوريا الديموقراطية / وحدات حماية الشعب المُرتبطة بحزب العمال الكردستاني، على أنها مجموعات إرهابية من قبل أنقرة. في غضون ذلك، سمح النظام لآلاف المقاتلين الإيرانيين ومقاتلي “حزب الله” التدخّل وتقديم المساعدة، وبالتالي قرع أجراس الإنذار في إسرائيل.
لا شكّ في أن سوريا تُمثّل تحدّياً جيوسياسياً كبيراً للمنطقة وخارجها. جاءت المبادرات الروسية لإيجاد تسوية سياسية للحرب الأهلية لكنها لم تنجح. ولم تحرز الأمم المتحدة، التي ترعى الجهود المبذولة لكتابة دستور جديد للبلاد، سوى تقدّمٍ ضئيل.
لا تستطيع الولايات المتحدة حلّ الأزمة السورية بمفردها. إنها بحاجة إلى مساعدة الإتحاد الأوروبي، كقوة اقتصادية، وكذلك مساعدة موسكو وأنقرة كلاعبَين رئيسيين على الأرض. يجب أن يكون نهج الولايات المتحدة جزءاً من رؤية أكبر لسياستها في المنطقة. أظهر الرئيس بايدن حتى الآن رغبته في تقليص التدخل العسكري الأميركي في المنطقة في محاولة لمنحِ فرصةٍ للديبلوماسية. يُمكن ملاحظة ذلك من وجهة نظره بالنسبة إلى الصراعات في اليمن وليبيا. لكن سوريا هي أكثر تعقيداً.
أحد البدائل هو الإعتراف بأن النظام لن يتلاشى في أي وقت قريب وأنه ينبغي للمجتمع الدولي أن ينخرط في محاولةٍ لإجباره على تبنّي الإصلاحات المطلوبة مُقابل تخفيف العقوبات، واعتماد خارطة طريق لإعادة إعمار البلاد في المستقبل وعودة اللاجئين إلى الوطن. هذه المُقايضة ليست مضمونة النجاح، لكنها قد تُغري موسكو لممارسة ضغط حقيقي على الأسد. لا يُمكن أن يكون دعم روسيا للنظام مفتوحاً وليس من المرجح أن يتضمّن مساعدات اقتصادية.
إن ترك الأشياء كما هي أمرٌ خطير في المدى الطويل. سيؤدي ذلك إلى التقسيم الفعلي للبلاد، مما سيسمح لتركيا وإيران وروسيا، لكل منها أجندة مختلفة، البقاء في البلاد لسنوات عديدة مع وجودِ خطرٍ حقيقي يتمثّل في اندلاع نزاعٍ كبير، على سبيل المثال بين إسرائيل، التي تريد خروج الإيرانيين، وطهران في أي وقت. كما أنه يترك جيوباً غير خاضعة للرقابة من الأراضي ل”داعش”، مما يسمح له بإعادة تجميع صفوفه وتشكيل تهديدات جديدة.
تجنّبت إدارة ترامب العمل مع الروس لحلّ عددٍ من النزاعات، من أوكرانيا إلى سوريا وليبيا. بتجاهل سوريا، سيجد بايدن صعوبة في استعادة السلام في العراق أو إنقاذ لبنان من الإنهيار. كما سيواجه صعوبة في احتواء الطموحات التركية لتوسيع سيطرتها على الأراضي السورية. كما سيشكل خطر المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية في سوريا وخارجها تحدّياً أيضاً.
بدلاً من ذلك، يجب على الرئيس بايدن العمل مع حلفائه الأوروبيين، وفي النهاية مع الرئيس فلاديمير بوتين للتوصل إلى رؤية مشتركة حول سوريا. قد لا تكون هذه الرؤية مثالية لكنها قد تمنع المزيد من التدهور في الصراع، والذي يمكن أن يمتد في أي وقت.
- أسامة الشريف هو صحافي ومعلق سياسي مُقيم في عمّان، الأردن.