هل هناك حلّ بين أرمينيا وأذربيجان حول النزاع على “ناغورنو كاراباغ”؟

الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة ناغورنو كاراباغ ليس وليد الساعة، فهو يعود إلى أيام الإتحاد السوفياتي عندما وهب جوزيف ستالين المنطقة إلى أذربيجان، ومن ثم عندما أعلنت المنطقة استقلالها من طرف واحد عن أذربيجان عند انهيار الإتحاد السوفياتي. السفير اللبناني السابق لدى أرمينيا، الدكتور جان معكرون، يكتب ل”أسواق العرب” القصة الكاملة لهذا الصراع.

الرئيس فلاديمير بوتين: الوحيد الذي يستطيع فرض الحل

بقلم السفير جان معكرون*

يعود تاريخ النزاع بين أذربيجان وأرمينيا بشأن السيطرة على “ناغورنو كاراباغ” إلى فترة نهاية الإتحاد السوفياتي، فهذه المنطقة كانت جزءاً من جمهورية أذربيجان السوفياتية الإشتراكية ولكنها بأكثرية سكانية من الشعب الأرمني. في العام 1988، حصلت صدامات دموية بين الأرمن والأذربيجانيين قامت على أثرها السلطات المحلية الأرمنية بالإعلان عن نيّتها الإنسحاب من أذربيجان والإنضمام إلى جمهورية أرمينيا السوفياتية الإشتراكية لكنّ باكو (عاصمة أذربيجان) رفضت ذلك، ما أدّى إلى انفجار الصراع المُسلّح.

وفي العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 1991، أعلن سكان “ناغورنو كاراباغ” عن جمهوريتهم المستقلّة بموجب الإستفتاء وفقاً للأصول القانونية السوفياتية في ذلك الوقت، وهكذا انقسمت أراضي أذربيجان السوفياتية إلى دولتين مستقلّتين، الأولى جمهورية “ناغورنو كاراباغ” والثانية جمهورية أذربيجان.

لم تعترف أي دولة باستقلال “ناغورنو كاراباغ”. حتى أرمينيا نفسها، التي تدعو المنطقة “أرتساخ” (Artsakh)، لم تعترف بها لغاية تاريخه باستثناء بعض الكيانات السياسية التي ليست لها صفة الدول مثل بلدية “فريسنو” (Fresno) في ولاية كاليفورنيا الأميركية، إضافةً إلى مقاطعة في أوستراليا.

في العام 1994، سعت روسيا إلى وقف إطلاق النار وتوصّلت إلى تجميد النزاع بعد مقتل 300,000 قتيل وتهجير مليون نسمة من الطرفين. لقد طُرد جميع الأذريين من “ناغورنو كاراباغ”، كما أنّ غالبية الأرمن قد أُرغِمَت على مغادرة أذربيجان. ومنذ العام 1994، تُسيطر أرمينيا ليس فقط على “ناغورنو كاراباغ” (حوالى 5000 كلم2) بل أيضاً على سبع مناطق داخل أذربيجان سُمّيت بالأراضي المحتلة (حوالى 6500 كلم2).

واستمرّ الوضع الراهن بين أذربيجان وأرمينيا بشأن “ناغورنو كاراباغ” على حاله حيث عُرف بحالة “لا حرب، لا سلم”

 (No war no peace) وإنّ المفاوضات بالنسبة إلى التوصل إلى حلّ قد بدأت من قبل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والتي تترأّس كل منها ما يُسمى بمجموعة “مينسك” (عاصمة بيلاروسيا) والعائدة إلى منظمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا،

وهي منظمة نشأت في العام 1992 وتتألف من 56 دولة من ضمنها روسيا والولايات المتحدة وجميع دول أوروبا الغربية وجميع دول الإتحاد السوفياتي السابق.

وهكذا، بموجب الهدنة التي سعت إليها مجموعة مينسك المذكورة في العام 1994، وقّعت “ناغورنو كاراباغ” وأرمينيا وأذربيجان اتفاق وقف إطلاق النار. وتتمركز منذ ذلك الوقت قوات أرمنية وتابعة لناغورنو كاراباغ على طول 200 كيلومتر في حين تنتشر القوات الأذرية على الخط المقابل حيث الحدود الملغّمة والمؤلّلة وغير المراقبة من قبل أي طرف ثالث.

تتلقى ناغورنو كاراباغ الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي من أرمينيا. تطالب أذربيجان المجتمع الدولي باعتبار ناغورنو كاراباغ أراضٍ مُحتلة تابعة لها. وإنّ مندوبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا يقومون بزيارة الخط الفاصل أو خط التماس بين الطرفين، ولكن على الرغم من إعلام طرَفَي النزاع، فإنّ القنص ناشط من الجهتين وإنّ العديد من القتلى والأضرار تقع من جرّاء هذا الوضع كل عام.

ما هي الأهمية الاستراتيجية لناغورنو كاراباغ؟

تقع ناغورنو كاراباغ على بُعد بضعة كيلومترات من خط النفط الرئيس الذي يشقّ بحر قزوين باتجاه تركيا وأوروبا، وهذا هو أحد الأسباب الذي دفع روسيا والولايات المتحدة وفرنسا من أجل بذل الجهود لضمانِ سلامٍ سياسي دائم في المنطقة.

لذلك، رأينا كيف أنّ الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، قد تدخّل شخصياً للتوسط بين الرئيس الأذري حيدر علييف والرئيس الأرمني روبيرت كوشريان آنذاك في العام 2001 من أجل إفساح المجال أمامهما للتفاوض في باريس.

وبعد ذلك، إجتمع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بالرئيسين بعد جولة مناقشات تولاّها وزير الخارجية آنذاك كولن باول في فلوريدا ولكن من دون جدوى.

وفي العام 2006، إجتمع شيراك ثانيةً مع الرئيسين قبل المحادثات في “رامبوييه” (Rambouillet)، لكن من دون أي نتيجة.

وخلال السنوات 2008 و2009 و2010، حاول الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف التوصّل إلى اتفاقٍ، إذ اجتمع بالرئيسين الأذري والأرمني 9 مرات جاعلاً من النزاع حول كاراباغ من أولويات سياسته الخارجية. لكنه لم يتمكّن من إجراء أي تقدّم.

وكان الرؤساء مدفيديف وباراك أوباما ونيكولا ساركوزي قد أصدروا بياناً مشتركاً بشأن كاراباغ خلال القمم الثلاث للدول الثماني الكبرى في إيطاليا 2009 وفي كندا 2010 وفي فرنسا 2011.

أما ما يُعرف بمبادئ مدريد – 2007 – لتسوية النزاع فقد طُرحت خلال القمة الوزارية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007. ولقد أعلن عنها في البيان الرئاسي الذي صدر عن الرؤساء الروسي والأميركي والفرنسي خلال قمة الدول الثماني الكبرى.

ومنذ قمة مدريد، فإنّ هذه المبادئ قد عُدّلت ولكن حافظت على الجوهر، وهي تستند إلى تمرحل السلام إلى ثلاث مراحل وهي التالية:

  1. المرحلة الأولى:
  2. إنسحاب القوات الأرمنية من المناطق السبع المُحتَلّة حول كاراباغ.
  3. منح وضع مؤقت خاص إلى كاراباغ.
  4. منح ضمانات للسلام من قبل المجتمع الدولي وهي تتضمّن نزع السلاح وتأمين قوات لحفظ السلام.
  • المرحلة الثانية:
  • عودة اللاجئين.
  • عودة الأراضي الأذرية المحتلة إلى أذربيجان.
  • إنشاء ممر يربط بين أرمينيا وكاراباغ من خلال منطقة “لاتشين” (Lachin).
  • المرحلة الثالثة:
  • تنظيم استفتاء حول مستقبل كاراباغ.

وقد تضمنت هذه المبادئ، التي هي موضوع مفاوضات، التفاصيل التالية:

  • ضمانات دولية للسلام وعمليات حفظ السلام.
  • عودة الأراضي المحتلة والمحيطة بكاراباغ إلى أذربيجان وهي خمس: “أغدام” (Aghdam)، “فيزولي” (Fizuli)، “غوبادلي” (Gubadly)، “جَبراييل” (Jabrayil)، “زنجلان” (Zangelan).

ولكن لم تتضح المعلومات بشأن مدى وإمكانية وتوقيت وكيفية إعادة المنطقتين التاليتين إلى أذربيجان: “كيلبَجار” (Kelbajar) و “لاتشين” (Lachin).

  • إنشاء ممر يربط كاراباغ بأرمينيا من خلال منطقة لاتشين لم يُحدد عرض هذا الممر. الطرف الأرمني يريده عريضاً في حين يريده الطرف الأذري صالحاً للإستعمال المُزدوج للطرفين.
  • وضع مؤقت (Interim Status) لكاراباخ مع ضمان أمنها وحكمها الذاتي. ترغب أذربيجان في أن تبقى ناغورنو كاراباغ جزءاً منها، في حين ترغب أرمينيا بإبقاء الوضع المؤقت كما هو حالياً مع اعتراف دولي بها.
  • تحديد الوضع النهائي (Final Status) لكاراباغ بموجب استفتاء ملزم.

تريد أذربيجان أن يشمل التصويت كل الشعب الأذري على أن يرتكز فقط على درجة الاستقلال داخل أذربيجان وعلى أن يؤجل الاستفتاء لمدة طويلة، في حين ترغب أرمينيا، بدعمٍ من الدول الثلاث الرئيسة لمجموعة مينسك أي روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، أن يؤدي الإستفتاء إلى استقلال كاراباغ، وعلى أن يشمل فقط كاراباغ وأن يحصل خلال خمس سنوات.

  • حق عودة المهجرين في الداخل وجميع اللاجئين.

لكنّ المعلومات بقيت غير واضحة بشأن التعويض المتعلق بتبادل الممتلكات. كما أنّ عودة الأرمن إلى المناطق الأخرى في أذربيجان بقيت موضوع نقاش.

مصلحة روسيا في حلّ مشكلة كاراباغ

تكمن مصلحة روسيا في النقاط التالية:

  • تجنّب خطر حرب جديدة في المنطقة.
  • تنفيذ ضمانات السلام التي منحتها روسيا إلى أرمينيا بموجب اتفاقية الأمن الجماعي (The Collective Security Treaty Organization).
  • تحتاج روسيا إلى أن تظهر بصورة صانع السلام بعد حربها مع جورجيا في العام 2008 والتي شوّهت سمعتها الدولية وأضعفت دورها في منطقة القوقاز.
  • إنّ لروسيا مصلحة في بحر قزوين بسبب وجود مصادر الطاقة فيه، وكذلك بسبب ضغط الجاليتين الأرمنية والأذرية في روسيا.

ما هي مخاوف أذربيجان تجاه تطبيق مبادئ مدريد؟

إنّ أذربيجان قلقة من أنّ الإتفاق على هذه المبادئ قد يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا. لأنه في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، وقّعت أنقرة ويريفان على بروتوكول تسوية لتطبيع العلاقات بعد سنوات من العداوة، لكنّ أياً من البرلمانين في الدولتين لم يُصادق على هذه التسوية. وترى أذربيجان أنّ عودة العلاقات إلى طبيعتها بين أرمينيا وتركيا سيضعف وسائل الضغط التركي على أرمينيا، ما يساعد هذه الأخيرة على ضمان حق قوات كاراباغ وقواتها في احتلال المناطق التي احتلّتها في أذربيجان. علماً أنّ أردوغان قد أوقف الإتفاق بانتظار تحقيق تقدم في حلّ قضية كاراباغ، لأنه اعتبر أنّ تطبيع العلاقات سيُخفّف من الضغط على يريفان وسيؤخر انسحابها من الأراضي المحتلة. في حين ترى روسيا والولايات المتحدة أنّ تطبيع العلاقات سيساعد على حلّ هذه الأزمة.

ونسوق في ما يلي مواقف لبنان وروسيا والولايات المتحدة من النزاع حول كاراباخ:

  • إعتمد لبنان موقف الحياد في قضية كاراباغ ونأى بنفسه عن اتخاذ أي قرار بشأن صراع أذربيجان وأرمينيا.
  • رغم أنّ روسيا تميل إلى دعم أرمينيا في الصراع مع أذربيجان لكننا نقرأ دائماً عن عقود بيع لأسلحة روسية إلى أذربيجان. وفي العام 2013، صرّح وزير الدفاع الأرميني أنّ أرمينيا، بسبب أذربيجان، مضطرة إلى دخول سباق تسلّح معها وإنّ اتفاقاً عسكرياً قد وُقّع أخيراً مع روسيا. إضافةً إلى روسيا، فإنّ بيلاروسيا وكازاخستان تزوّدان أذربيجان بالسلاح، كما أنّ كازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان متعاطفة مع الموقف الأذري وجميع هذه الدول هي أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والتي تأسست في العام 1992 وتحوّلت إلى منظمة في العام 2002. ولعلّ المادة الرابعة من هذه المعاهدة هي الأهم وتنصّ على أنه في حال أي عدوان ضد دولة من الدول الأعضاء فإنّ الدول الأخرى الأعضاء تزوّدها بكل مساعدة ضرورية بما فيها المساعدة الحربية.
  • إنّ الولايات المتحدة تقف إلى جانب أذربيجان ولضرورة استراتيجية بسبب وجود قواعد عسكرية أميركية فيها.

نشير أخيراً إلى أنه في شهر نيسان (إبريل) 2016، كانت نشبت ما يُسمى بحرب الأيام الأربعة بين أذربيجان وإقليم ناغورنو كاراباغ وتدخّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفرض وقفاً لإطلاق النار، لكنّ اندلاع العمليات القتالية العنيفة في 27 أيلول (سبتمبر) 2020 بدت لنا مُختلفة نوعياً لأنها الأعنف بخاصةً في ظلّ التدخلات العسكرية الخارجية.

إعتقادُنا الشخصي أنّ أزمة ناغورنو كاراباغ قد بدأت في العهد السوفياتي، وهي قابلة للحلّ في العهد الروسي لأنّ روسيا الاتحادية بزعامة الرئيس بوتين هي القادرة وحدها على إيجاد تسوية بين الطرفين نظراً إلى نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة، هذا مع العلم أنه توجد في أرمينيا قواعد عسكرية روسية عديدة.

  • الدكتور جان معكرون هو سفير لبنان السابق في أرمينيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى