الكتاب يوازي الرغيف في حاجات الإِنسان

بقلم هنري زغيب*

في التوصيات التي تتَّخذها الدولة اللبنانية إِجراءاتِ حجْر أَو إِقفال أَو تدابير تعويضية، تتجه غالبًا إِلى قطاعات تعتبرها “أَساسيَّة”، محاولةً مراعاتها بتعويضات أَو قرارات تحفيزية لأَصحابها خصوصًا، وعمومًا للمواطنين.

هكذا الأَمر في القطاعات السياحية (مطاعم، مقاهٍ، ملاهٍ، مسابح، حانات،…) والقطاعات الصناعية (معامل، مصانع، …) والقطاعات التجارية (أَفران، محالّ، مجمَّعات، …)، ولم أَسمع مرة واحدة اهتمامًا بـــ”أَساسي” آخر: القطاع الفكري بأَجنحته الثقافية والأَدبية والفنية، وتاليًا قطاع النشر والطباعة.

صحيح أَنَّ الرغيف هو اليوم الأَجدرُ بالاهتمام. لكن التحفيزات تغيب عن قطاع الكتاب كأَنه ثانوي، كأَن المكتبة أَو دار النشر أَقل أَهمية من سائر القطاعات، مع أَن الكتابَ يوازي الرغيف في حاجات الإِنسان فردًا ومجتمعًا، والحاجةَ إِلى الرغيف توازي الحاجة الى الكتاب.

في سياق تحفيز هذا القطاع، قرأْتُ عن قرار وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشْلُو (الإِثنين هذا الأُسبوع) بـــ”تخفيض الرسوم البريدية على إِيصال الكتب، تشجيعًا المكتباتِ على تنشيط مبيعاتها، تخفيفًا طلبَ الكتب على المنصات الإِلكترونية، وتسهيلًا شراء الكتب فيما الناشرون يتردَّدون في قبول مخطوطات جديدة وإِصدارها كتُبًا تغفو طويلًا على رفوف المكتبات”. بهذا التدبير واجهت الوزيرة إِجراءات الإِقفال بقرار يساعد القارئ، يُحفِّز شراء الكتاب، يساعد حركة المكتبة، يشجع الناشر، ويُبقي الدورة الفكرية كتابةً وطباعةً ونشرًا وتوزيعًا في الحد الأَدنى من الحماية. وفي القرار أَن رسم البريد يتناقص مع الوزن (الرسم على 10 كتب لن يكون 10 مرات أَكثر مما على الكتاب الواحد)، فيتمُّ شراء أَكثر من كتاب في الطلب الواحد. وأَعلنَت الوزيرة أَن “هذا التخفيض البريدي ينسحب أَيضًا على شراء الأُسطوانات وكتب النوطات الموسيقية وأَيِّ مادة مطبوعة أُخرى”.   

هكذا تراعي مواطنيها الدولةُ الساهرة على أَمن جميع قطاعاتها، لا بتوصيات الحجْر ولا بالإِقفال الجزئي بين حيٍّ وآخر، بين بلدةٍ وأُخرى، بين قطاعٍ وآخر، ولا بالإِقفال التام من دون تعويضات وتحفيزات وإِجراءات موازية تساعد كل قطاع على الاحتفاظ برمق نابض يُعِينه على تجاوز الأَزمة العالمية الراهنة.

وواضح من قرار وزيرة الثقافة تعاونُها مع وزارة البريد لتأْمين تخفيض الرسوم التوصيلية. وهذا أَمر رئيس في الحالات الصعبة التي تتضافر فيها جميع الوزارات معًا من أَجل حماية المواطن، لا بتكبيده إِجراءات الحجْر أَو الإِقفال وتَرْكِه يواجه مصيره الأَسْوَد مصارعًا نكبَتَين: نابَ الكورونا وغيابَ الدولة.

وعندنا اليوم، مع انهيار قيمة الليرة وتاليًا اشتعال أَسعار الكتب حتى ارتفاع مرهق، يقَع المؤَلف والناشر والمكتبيّ في ورطة قاتلة لا يجدون حيالها تدبيرًا من المسؤُولين لأَن دولتهم لا ترى من القطاعات الرئيسة سوى التجارة والصناعة والسياحة والمصارف والمستشفيات، وتترك قطاع الفكر يتخبَّط باحثًا عن بعض ضوء، ربما لأَنها، بل أَكيدًا لأَنها اعتادت أَن تضع مسؤُولين عن قطاع الفكر أَزلامًا تابعين لا قاماتِ اختصاصيين. وهذا ما سبَّب، وما زال يسبِّب، مقْتَلَها الفاجع.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا المقال في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في صحيفة “النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى