دياب؟ حرام!

بقلم راشد فايد*

ليسَ مُهمّاً أن تستقيل حكومة حسّان دياب، فهي ليست مَن أتى بنيترات الأمونيا إلى مرفأ بيروت، ولم تُظهر يوماً إلّا العجز عن أيّ حسم، في أي مجال. وها دول العالم الفاعلة تحضّها، بلا جدوى على إصلاحات بنيوية، كقطاع الكهرباء ووقف النهب الوطني في مجاله وفي مجالات أخرى كالإتصالات، والمطار والمرفأ، ومعابر التهريب الشرعي (نكتة لبنانية) وغير الشرعي. مع ذلك، زعم رئيس الحكومة المستقيل، حسان دياب، أنه حقق 97 في المئة مما هو مطلوب، لكننا لم نرَ شيئاً.

الفاعل الحقيقي هو مفهوم السياسة عند اللبنانيين، وفهمهم دور الإدارة العامة لشؤون الناس. فما انفجر هو نيترات الفساد الوطني الذي ترعرع في كنف منظومة سياسية- إدارية كانت، ولا تزال، قاصرة عن فعل بناء الدولة،. فهي، منذ إنهاء الإنتداب، تمرّست في جني المكاسب باسم الطوائف، واسترضت الجمهور المُنكفئ عن طلب حقوقه العامة بفتات أرباحها غير المشروعة، فنشأ تواطؤٌ بين “ديوك” الطوائف، وبينهم وبين “صيصانها” المُصفّقين لكل زعيم: للأخير ملايين الدولارات، ولمَن دونه الملاليم، حسب وضاعة مقام الأخير، ووقاحة شهيته، وتذلّله. ولولا ما صنعته المرحلة الشهابية من تصليب بنى الدولة، لكان الحال انفجر قبل هذه الأيام السود.

تطوّرت “كفاءة” هذه المنظومة في قضم الدولة، مُقابل تراجع مفهوم العيب في الحياة العامة، فصار جائعٌ سرَقَ رغيفاً لصّاً مُتمرّساً، وناهب ملايين الدولارات “شاطر، دبّر حاله”. وإذا جُلنا النظر في أسماء المنظومة السياسية-الإدارية المُتحكّمة بمصير البلاد، لكان صعباً علينا أن نحصي الأوادم بينهم، لندرتهم. لكن ما مفهوم كلمة أوادم، في هذا الزمن المُنحَط، حيث الدولة دويلات، ومزاريب النهب أوتوسترادات، وما كارثة المرفأ إلّا وجهها الأسوأ: أكثر من 160 شهيداً، و6000 مصاب، وما يزيد على 20 مفقوداً، و320 ألف عائلة مُشرَّدة، هي الأصوات التفضيلية التي إقترعت بدمائها وأملاكها وبيوتها لانتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر). فما انفجر في مرفا بيروت ليس 2750 طناً من نيترات الأمونيا، بل هو أكثر من 70 سنة من فساد دولة الإستقلال، حيث الجميع ينتفع من جعل وطن الأرز زريبة، ومرعى للمصالح الخاصة. وإذ يكتفي المواطن البسيط بالفتات، يسلب “الكبير” الدسم، باسم حماية مصالح الطائفة، فيمضي “الصغير” عمره مُنساقاً وراء نهم “الأستاذ” و”البيك” لنهب المال العام، علّه يمنحه حصة أكبر من فتات لا تُسمّن ولا تُغني من جوع عائلته.

ليس إسقاط الحكومة، التي لا يؤسف عليها، هو الحل. الحلّ بإعادة الإعتبار للقانون وقبله الدستور، فلا يأتي رئيساً للجمهورية من يفرضه سلاح دويلة مرة بغزو مدينة بيروت وثانية بتعطيل عملية الإنتخاب نحو سنتين، ويمنع لسنتين تشكيل حكومة، كرمى للصهر. مَن هذه عقليته يزيد الفساد في زمنه ويتضاعف. فكيف وقد هدّد بفضح الفاسدين ثم صَمَت صمْت الساعي إلى شراكة في النهب، وما نشهد يؤكد  “نجاحه” وتمرّسه.

استقالة دياب، كما تسميته، لا تُغيّر في الحال أمراً، فهو ليس السبب، بل النتيجة.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى