من أزمةٍ إلى أُخرى: إلى أين يَتّجِه لبنان؟

بقلم مايكل يونغ *

الإنفجارُ الذي دمّر معظم بيروت في الأسبوع الفائت أدّى إلى أكثر من قتل ما لا يقل عن 177 شخصاً وإصابة الآلاف، لقد أدّى أيضاً إلى استقالة الحكومة اللبنانية من خلال إظهار إجرام الطبقة السياسية في البلاد، وتضييق الخناق على “حزب الله”.

هناك روايتان لما حدث في مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس): التفسير الرسمي الذي قدّمته الحكومة، والآخر مُتداوَل بين الكثير من اللبنانيين. كلاهُما وضَعَ القيادة السياسية في صورة سيئة للغاية.

التفسيرُ الرسمي هو أن كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم تُرِكَت في المرفأ لسنوات عدة، على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها ذلك. أشعلَ حريقٌ عرضي ألعاباً نارية مُخَزَّنة في أحد العنابر، الأمر الذي أدى بدوره إلى تفجير نيترات الأمونيوم، وبالتالي تدمير جزء كبير من العاصمة اللبنانية.

الرواية الثانية، وهي الأكثر انتشاراً بين السكان، هي أن مُستودعَ أسلحة يخص “حزب الله” هو الذي انفجر. لقد تم وضع نيترات الأمونيوم في داخل المستودع/العنبر أو في مكان قريب، بحيث عندما بدأت أسلحة “حزب الله” الإشتعال لسبب غير معروف حتى الآن، أشعل معه نيترات الأمونيوم وحدث الإنفجار الكبير.

الواقع أن الحقيقة غير واضحة، ولن يتم إجراء تحقيق دولي مستقل لأن السلطات اللبنانية رفضت ذلك. على الأرجح، سيؤكد التحقيق المحلي رواية الحكومة عن الحادث وسيتم إغلاق الملف.

ومع ذلك، فإن التداعيات الأوسع قد تكون بعيدة المدى. كان ردّ فعل الحكومة على الإنفجار غير ملائم وغير متناسب وبارد. لم يزر أي مسؤول الضحايا في الساعات الأولى بعد الإنفجار، ولم يتجوّل أي مسؤول في الأحياء المُدمَّرة للتعاطف مع السكان، كما تأخّرت عمليات البحث، مما أدى إلى موت الضحايا المدفونين. عندما حاول أحد الوزراء الذهاب إلى المنطقة بعد بضعة أيام، تعرّض للإهانة والطرد.

إن احتمال وجود نيترات الأمونيوم بالقرب من، أو في، مخبأ أسلحة ل”حزب الله” سيزيد من هَول الفاجعة وفظاعة الأمور. إن احتمال قيام الحزب بتخزين أسلحته بالقرب من مناطق سكنية لم يؤدِّ إلّا إلى تعزيز وجهة نظر العديد من اللبنانيين بأن “حزب الله” يستطيع أن يفعل ما يريد وأن حكومات البلاد هي تحت سيطرته.

في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، عندما اندلعت الإحتجاجات المُناهضة للحكومة، حاول الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، تحييد الإحتجاجات العامة ضد الطبقة السياسية. من خلال حماية السياسيين الفاسدين، كان يُنظَر إلى “حزب الله” على أنه الركيزة الأخيرة لنظام سياسي فاقد المصداقية.

لقد أدّى العداء الشعبي المُتزايد للحزب منذ ذلك الوقت إلى تآكل واجهة الإجماع التي أقامها من خلال مجموعة من التحالفات والترهيب بعد انسحاب سوريا من لبنان في العام 2005. بالنسبة إلى العديد من الناس، تفاقمت مشاكل لبنان السياسية والاقتصادية بسبب الواقع بأن الدول العربية، الجهات المالية التقليدية التي كانت تساعد البلد، ترفض مساعدة نظام يسيطر عليه “حزب الله”.

في أعقاب انفجار المرفأ لم تكن هناك قيودٌ على مهاجمة الحزب. في عملية شنق وَهمية نظّمها مُحتَجّون مناهضون للحكومة في 8 آب (أغسطس)، كانت إحدى الدمى على المشنقة تمثالاً لنصر الله. واجه الحزب انتقادات داخلية كبيرة، حتى من الجهات التي كانت تُعتَبَر حاضنته ودائرته الإنتخابية. لقد أدّت الأزمة المالية الخطيرة في لبنان، وما تلاها من فقرٍ، إلى تقويض قدرة “حزب الله” على محاربة إسرائيل في أي صراع مستقبلي.

في الأشهر الأخيرة، أدّى الإستياء العام من “حزب الله” والطبقة السياسية بشكل مطرد إلى إضعاف حكومة حسّان دياب التي كانت تحت هيمنته وتأثيره. كما أن تحالفات الحزب لم تُوفّر له فترة راحة. إن علاقات “حزب الله” مع “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، الذي يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه أحد أكثر السياسيين فساداً في لبنان، لم يُؤدِّ إلّا إلى زيادة العداء تجاه الحزب.

ثم جاء انفجار المرفأ. في خطاب ألقاه في 7 آب (أغسطس)، كان على نصر الله أن ينكر أن سبب ذلك هو مخبأ أسلحة ل”حزب الله”. لم يتوقع أحدً منه أن يفعل أقل من ذلك، لكن إنكاره كشف أيضاً عن دفاعية غير عادية. ما أشار إليه هذا الإنكار ضمنياً هو أنه في صراع مستقبلي بين “حزب الله” وإسرائيل يخوضه نيابة عن إيران، من المرجح أن ينقلب العديد من اللبنانيين ضد الحزب ويرفضون دفع ثمن ولائه لطهران.

ربما عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “حزب الله” ولبنان مخرجاً من مأزقهما. وفقاً لتقارير ومعلومات متطابقة، توصّل ماكرون إلى صفقة شاملة عندما زار بيروت في السادس من آب (أغسطس)، تضمّنت تخلّي الحزب عن حكومة دياب وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تُنظّم انتخابات مُبكرة. وستتبع ذلك إجراءاتٌ لتسهيل صفقة بين لبنان وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة.

النظام الإيراني في لبنان على مفترق طرق. إستخدم “حزب الله” النظام السياسي كواجهة لحماية أسلحته واستقلاله. ومع ذلك، أصبح السياسيون عبئاً كبيراً. إذا تم تنفيذ صفقة ماكرون الشاملة، فقد توفّر شريان حياة حيوياً ل”حزب الله”. لكنها قد تنقذ لبنان من التفكّك – وهو خوفٌ فرنسي.

لا يزال هناك الكثير من الأمور التي قد تسوء مع “حزب الله”. وسيُراقب الحزب وإيران نتيجة الإنتخابات الأميركية عن كثب لمعرفة ما إذا كانت سياسة الضغط الأقصى ضد طهران ستستمر. داخل لبنان، لن يهدأ الغضب الشعبي من السياسيين في أي وقت قريب. لكن رغبة الفرنسيين في تجنب تدمير لبنان في المواجهة الأميركية -الإيرانية سمحت لهم إستغلال انتكاسات “حزب الله” والإستعداد لمرحلة جديدة قد تمنح البلاد بعض الراحة التي تشتد الحاجة إليها.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، في بيروت. يُمكن متابعته على تويتر:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى