هل يستطيع مصطفى الكاظمي إنهاء مِحَن وآلام العراق؟

بقلم كابي طبراني

بعد أكثر من خمسة أشهر من الجَدَل والمُشاحنات، أصبح للعراق أخيراً رئيس وزراء وحكومة. كرئيسِ مُخابراتٍ سابقٍ مع سجلٍّ حافلٍ في الدفاع عن الحقوق المدنية، يتناقض ملف مصطفى الكاظمي بشكلٍ صارخٍ عن ملف رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي قادَ حملةَ قمعٍ وحشية، شاركت فيها قوات الأمن وبعض الميليشيات المُقرَّبة من الأحزاب السياسية الحاكمة، ضد المتظاهرين العُزَّل في العام الفائت، والتي أسفرت عن مقتل مئات الشباب والشابات.

يوم الأربعاء الفائت، (6/5/2020)، وافق البرلمان العراقي، المُؤيّد إلى حدٍّ كبير لإيران، على مَضَضٍ على 15 من أصل 22 وزيراً في حكومة الكاظمي المُشَكَّلة حديثاً، حيث ترك خمسة مقاعد شاغرة في الوقت الحالي، بما فيها وزارتي النفط والخارجية اللتين تتمتّعان بأهمية استراتيجية.

على الرغم من محاولات الصدّ والعرقلة من قِبل الفصائل الموالية لإيران، فإنه للمرة الأولى منذ سنوات، ستكون لدى الكاظمي فرصةٌ لإحداثِ التغيير الذي تحتاجُ إليه بلاده بشدّة. تحت قيادته، يتمتّع العراق بفرصةٍ أفضل ليتمكّن من اتباع مسارٍ يحمي سيادته. إن الحكومة الجديدة تواجه مجموعة من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية المتراكمة، ويُمكن للكاظمي، إذا أراد، الإعتماد على جيرانه وأشقائه العرب لمساعدته على التعامل معها. يوم الجمعة الفائت (8/05/2020)، أعلنت كلٌّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة دعمهما لرئيس الوزراء الجديد، حيث عبّرت الرياض عن “دعمها ووقوفها مع العراق الشقيق واستعدادها للعمل مع الحكومة العراقية الجديدة على أساسٍ من التعاون والإحترام المُتبادل والروابط التاريخية والمصالح المشتركة، بما يصب في إطار تقوية العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين في كافة المجالات، وبما يحقق أمن واستقرار المنطقة بعيداً من التدخلات الخارجية”. وأعربت أبو ظبي بدورها عن “حرصها على توسيع التعاون والعلاقات مع العراق عبر جميع الجبهات”. وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من بين أول مَن اتصل بالكاظمي بعد أدائه اليمين الدستورية لتهنئته وإعلانه عن دعم الأردن لحكومته. الواقع أن بناء علاقات قوية مع الدول العربية سيكون ضرورياً وحاسماً بالنسبة إلى العراق لإعادة بناء موقعه الإقليمي، والرد على التدخل الإيراني، ودعم اقتصاده.

من ناحية أخرى، إزدادت التوتّرات بين الولايات المتحدة وإيران حدّة في العراق منذ مقتل قائد فيلق “القدس” الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، في بغداد في كانون الثاني (يناير) الفائت. وقد ترك هذا الأمر العراق في وضعٍ حَرِج يُكافح فيه بكل قواه لتحقيق توازنٍ مَعقول في علاقاته بين طرفي الصراع. إن تعزيز العلاقات مع القوى العربية الأخرى لا يُمكن أن يكون سوى عامل استقرار للمنطقة وفرصة لبغداد لاستعادة التوازن ضد النفوذ الإيراني.

يجب على العراق أن ينجو ويُخلّص نفسه من قبضة إيران، وأن يكبح بنجاح نفوذ وهَيمنة العديد من الميليشيات القوية التابعة لطهران على البلاد.

هذه الميليشيات، التي لديها تمثيلٌ كبير في البرلمان من خلال عدد من الكتل السياسية، هيمنت وتقيّحت في نظامٍ فاشلٍ يتحكّم فيه الفساد والعنف والطائفية – والتي ثار ضدها كلها الشعب العراقي منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.

إن التحديات أمام الكاظمي هائلة. لم يتعافَ العراق بَعد من عقودٍ من العنف الذي ترك بنيته التحتية مُهترئة وفي حالةٍ يُرثى لها. ويعيش واحد من كل أربعة عراقيين تحت خط الفقر على الرغم من ثروة البلاد النفطية ومجموعة كبيرة من الكنوز الدينية والثقافية.

ومنذ شباط (فبراير) الفائت يُحاول نظام الرعاية الصحية في العراق التصدّي لوباء فيروس كورونا الذي كان له أثر سلبي في اقتصاد البلاد. مع تراجع الطلب على النفط بسبب عمليات الإغلاق العالمية، إنخفضت الأسعار، مما أثّر في عائدات الحكومة وحتى في قدرتها على دفع أجور موظفيها ومعاشات المتقاعدين.

إن هذه القضايا، التي ما زالت مُستمرة، تُمهّد الطريق أمام المزيد من الإحتجاجات في المستقبل. لا ينبغي أن يضطر المتظاهرون إلى المخاطرة بحياتهم لإسماع شكاواهم، كما كان الحال في ظل حكم عبد المهدي. إن الاستجابة لمطالب المُحتجّين بشكل رئيس من أجل حُكم أفضل، وفُرَص عمل وسيادة، ولكن أيضاً من أجل محاسبة الذين سفكوا الدم العراقي على جرائمهم، تُعتبَر أمراً محورياً. هذه القضايا، التي لم تُحَلّ، هي التي أدّت إلى زوال واستقالة الحكومة السابقة. إن حكومة الكاظمي الجديدة لديها الآن فرصة لتصحيح الأمور في العراق. سيكون صراعاً شاقاً لتحقيق ذلك، لكنه واحدٌ جديرٌ لمنح الشعب العراقي الكرامة التي استحقها ويستحقها دائماً.

في أول خطابٍ مُتَلفزٍ له، تعهّد الكاظمي بإجراء انتخابات مُبكرة، ومُكافحة تفشّي فيروس كورونا، وتشريعِ قانونٍ للموازنة العامة وصفه بـ “الإستثنائي”، ومحاربة الفساد، وحَصر السلاح بيد الدولة، وإعادة النازحين إلى ديارهم.

فهل يستطيع تنفيذ ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى