حركة الإحتجاج في لبنان لم تنتهِ بعد

بقلم مايكل يونغ*

في لبنان، كان هناك اعتقادٌ أخيراً بأن الحجرَ المنزلي جرّاء جائحة فيروس كورونا قد أفاد السياسيين الفاسدين في البلاد. بسبب عدم السماح للناس بالخروج إلى الشوارع، يذهب هذا الرأي، فإن حركة الإحتجاج التي بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، قد نُفِّست وانتهت.

هناك مشكلة كبيرة مع مثل هذا الرأي. مع استمرار الإقتصاد اللبناني بالإنهيار، وفقدان الليرة اللبنانية أكثر من نصف قيمتها منذ بدء الإحتجاجات، فإن فكرة بقاء الناس هادئين ومن دون ردِّ فعلٍ غير منطقية على الإطلاق. الواقع أن احتجاجات جرت في الأسبوعين الفائتين في المناطق الأكثر فقراً في لبنان، ولكن مع ارتداء المُحتجّين للأقنعة الواقية. والإحتجاجات التي يبقى فيها الناس في سياراتهم مُستمرة هذا الأسبوع.

كثيرون من اللبنانيين هم من المُياومين الذين يكسبون أجورهم يومياً، والحجر القسري يعني أن أعداداً كبيرة من الناس كانت بلا دخل منذ أسابيع. لقد أصبح من الشائع سماع الفقراء يقولون أنهم يُفضّلون الموت من الفيروس التاجي على الجوع. إن الإنفجارَ الإجتماعي أمرٌ لا مفرّ منه ما لم يبدأ الوضع الإقتصادي في البلاد إظهار إمكانيةٍ بالتحسّن.

يُمكن القول بأن الطبقة السياسية في لبنان قلقة من عواقب الفيروس التاجي على إغلاقها النظام السياسي والإقتصادي أكثر بكثير مما تُطمئنها نتائج إجراءات الإحتواء على السكان الساخطين.

والسبب هو أن غالبية السياسيين مُحاصَرة وعالقة الآن.

لقد فرض الوباء أعباءً إقتصادية على المُجتمعات في جميع أنحاء العالم، في شكل تكاليف الفرصة البديلة أو المتأخّرة للأعمال والتكاليف المباشرة المتزايدة للتعامل مع المرض. إن الوضع في لبنان أشد خطورة، مما يعني أن السلطات اللبنانية ليس لديها الآن بديل واقعي سوى الذهاب إلى صندوق النقد الدولي من أجل الإنقاذ.

وهذه خطوة كان العديد من السياسيين يودّ تجنّبها. إذا كان لبنان يعتمد على المساعدات المالية الخارجية، فيمكن الحصول عليها والإستفادة منها في مقابل إصلاحات اقتصادية حقيقية. قد يعني هذا أن الطبقة السياسية ستكون لها سيطرة أقل على الإقتصاد اللبناني، الذي كان بمثابة بقرة نقدية حلوب وأداة رعاية. وعبّر “حزب الله”، أقوى حزب في لبنان، عن قلقه منذ أسابيع عديدة، مُحذّراً من أنه لن يُسمَح لصندوق النقد الدولي ب”إدارة” الأزمة المالية في لبنان.

اليوم، تبدو مثل هذه الإحتجاجات سخيفة. مع حاجة لبنان الحيوية إلى العملات الأجنبية لاستيراد الغذاء والدواء والوقود، لا توجد حرية أو خيار آخر لتجنّب الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، إلّا إذا كانت الطبقة السياسية تريد مواجهة ردة فعل إجتماعية، مع عدم وجود احتمالٍ أن يتحسّن الوضع في السنوات المقبلة. إن الآثار المترتّبة في قدرة النخبة السياسية على الحفاظ على سيطرتها يُمكن أن تكون كارثية.

أحد الأشخاص الذي قد يكون عرضةً للخطر أكثر من معظم الطبقة السياسية هو رئيس مجلس النواب نبيه بري. عندما بدأت الإحتجاجات، إتّهم المتظاهرون في الجنوب برّي بتجسيد أسوأ ملامح النخبة السياسية، وتم إحراق استراحة سياحية في مدينة صور تملكها زوجته رنده. منذ ذلك الحين، أخذ رئيس البرلمان يُبالغ في تصوير نفسه كمدافع عن الشعب.

إن بري، بخلاف حليفه المجتمعي (وأحياناً منافسه) “حزب الله”، ليست لديه الوسائل لاستيعاب السخط الشعبي. كانت طريقته الرئيسة في الرعاية هي وضع الناس في مؤسسات الدولة. ومع ذلك، فإن الدولة اليوم مُفلسة وتقلّصت رواتب معظم عملائه السياسيين. من المرجح أن يواجه بري المزيد من المشاكل في التعامل مع الإستياء الشعبي أكثر من “حزب الله”.

ولن يكون بري وحده. إن ردّ الفعل على الطبقة السياسية لقيامها بنهب البلاد وإفقار الكثير من السكان لم ينجُ منه سوى القليل من القادة السياسيين والإقتصاديين. هذه الطبقة تعلم ذلك جيداً، ولهذا إذا تدهور الوضع أكثر، فإن قبضتها على أذرع الدولة ستنزلق. يُمكن لخطة إنقاذ صندوق النقد الدولي على الأقل ضخ السيولة اللازمة في الإقتصاد، وتحسين الأمور إلى حدّ ما.

ولكن القول بأن السياسيين محشورون قد فشل في سرد ​​القصة بأكملها. مع وجود العديد من البلدان في حاجة ماسة إلى مساعدة صندوق النقد الدولي بسبب الفيروس التاجي، لبنان هو واحد من قائمة طويلة تتطلب المساعدة. ما لم تتمكّن الحكومة من صياغة برنامج إصلاح يُمكن أن يُقنِع مجلس إدارة الصندوق، فإن اللبنانيين سيكونون بمفردهم. إذا حدث ذلك، فقد يضطر السياسيون في بيروت إلى الموافقة على إجراءات إصلاحية جدية تأكل شبكات الفساد الخاصة بهم.

هذا ليس بالضرورة سببٌ للتفاؤل. ما يُمكن أن يحدث هو أن كل سياسي سيحاول حماية شريحته الخاصة من الكعكة الوطنية، على حساب الآخرين. وهذا يعني أن الإصلاح سوف يسير بشكل عشوائي. قد تكون النتيجة النهائية تحسّناً في الإقتصاد، لكن غياب الإجماع حول برنامج الإصلاح سيعني أن اللبنانيين سيعانون بلا داعٍ.

إحتجاجات لبنان لم تنتهِ. فيما تستقر الأوقات السوداء، ربما لم تبدأ فعلياً بعد. من خلال إجبار السياسيين على اتخاذ خيارات صعبة، فقد خلق فيروس كورونا معضلة قد لا يفرّون منها. سيضغط عليهم صندوق النقد الدولي، ولكن بدونه سوف تتآكل قوتهم وسلطتهم وسط ضائقة متزايدة.

  • مايكل يونغ رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى