هل يُمكِنُ للاقتصاد غير الرسمي تعزيزَ الصمودِ الاقتصادي في الأسواق الناشئة؟

يُمثل القطاع غير الرسمي حوالي ثلث النشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة وتلعب المؤسسات غير الرسمية دورًا مهمًا في الصمود الاقتصادي والتوظيف، كما إن حلول التكنولوجيا الرقمية تساعد على دعم الشركات المتناهية الصِغَر والصغيرة والمتوسطة الرسمية وغير الرسمية في المناطق التي تُعاني من ضعف البنوك.

البنك المركزي الهندي: أطلق واجهة المدفوعات الموحدة للهواتف المميزة.

سمير الحلو*

الاقتصاد غير الرسمي الديناميكي، الذي يُنظَر إليه منذ فترة طويلة على أنه عائقٌ أمام تطوير السوق والاستدامة المالية، بدأ على نحوٍ متزايد يُعتَبَرُ على أنه مصدرٌ مُهم للمرونة والصمود وهدفٌ لخدمات التكنولوجيا المالية.

يمثل الاقتصاد غير الرسمي ما يقرب من ثلث النشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة، مُقارنةً بنسبة 15٪ في الأسواق الأكثر نضجًا، مما يؤكد تأثيره الضخم.

يُعرف أيضًا باسم الإقتصاد “الظل” أو “الرمادي”، ويتضمّن القطاع غير الرسمي أنشطة قانونية تُساهم في الاقتصاد ولكن لا تخضع للضرائب أو تُنظّمها الحكومة أو تُغطّيها الاتفاقيات الرسمية.

وفقًا لمنظمة العمل الدولية، يقضي ما لا يقل عن ملياري عامل فوق سن 15 -أو حوالي 60٪ من القوة العاملة العالمية- بعض الوقت على الأقل في القطاع غير الرسمي.

المرونة الاقتصادية وغير الرسمية

على الرغم من أن قطاعًا غير رسمي كبير يمكن أن يقيد النمو ويحد من عائدات الضرائب الحكومية ويُضعف القطاع المالي، فإن المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة غير الرسمية تساهم في الاقتصاد الرسمي بطرق عدة، إما من خلال ضرائب القيمة المضافة على المشتريات أو التكاليف العرضية لتشغيل الأعمال التجارية.

في الواقع، يشير النقل الواسع النطاق للأموال من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي إلى أن الأسواق الناشئة قد تكون أكثر مرونة وصمودًا في مواجهة الصدمات مما توحي به المقاييس الرسمية.

ومع ذلك، لا يزال الحصول على الائتمان يمثل عقبة أمام النمو وإضفاء الطابع الرسمي على العديد من الشركات الصغيرة.

يواجه ما يقرب من 40٪ من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء العالم -أو حوالي 65 مليون شركة- فجوة ائتمانية سنوية تراكمية قدرها 5.2 تريليونات دولار، وفقًا لمؤسسة التمويل الدولية، مما يؤكد على فرصةٍ كبيرة للإقراض الأصغر في الأسواق الناشئة.

في حين أن العمال غير الرسميين يتقاضون عادة أجورًا أقل من نظرائهم المُعَيَّنين رسميًا، فإن القطاع غير الرسمي في الأسواق الناشئة يميل إلى أن يكون أكثر ديناميكية وتنافسية، ويُغذّي تنمية الموارد البشرية عندما تكون الفُرَص التقليدية غائبة أو يتعذّر الوصول إليها.

وبالمثل، فإن المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تُشكّلُ الجُزءَ الأكبر من الاقتصاد غير الرسمي تمثّل شكلًا مرنًا للغاية من التوظيف القادر على توفير فرص العمل لأجزاء كبيرة من سكان البلد، حتى عندما تظل أرقام البطالة الرسمية مرتفعة. ربما يكون هذا قد ساهم في التعافي السريع نسبيًا للوباء بعد كوفيد -19 في بلدان مثل باكستان، حيث يمثل القطاع غير الرسمي 70٪ من إجمالي العمالة.

التقنيات الجديدة للأنشطة غير الرسمية

يمكن أن يساعد استيعاب التقنيات الجديدة على تشجيع إضفاء الطابع الرسمي من خلال زيادة الشمول المالي. ساعدت التكنولوجيا المالية، بما في ذلك التقنيات القائمة على ال”بلوك تشين” (blockchain)، في تحسين الوصول إلى التمويل في الأسواق الناشئة.

وكما لاحظت “أسواق العرب”، فإن الارتفاع الحاد في التحويلات التي شوهدت أثناء الوباء يؤكّدُ على النطاق الواسع للتحويلات غير الرسمية التي يتم إجراؤها على مستوى العالم، غالبًا نقدًا وخارج القنوات المصرفية التقليدية أو الرقمية.

نمت التحويلات إلى إفريقيا بمقدار 80 مليار دولار في العام 2020، مع منصات وسيطة، مثل “بانجيا” (Pangea) في شرق إفريقيا، تدعم تدفق هذه الأموال إلى نشاط ريادة الأعمال المحلي.

إحدى مبادرات التكنولوجيا المالية التي شهدت اعتمادًا قويًا في الأسواق الناشئة هي الأموال عبر الهاتف المحمول.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك خدمة “أم-بيزا” (M-Pesa) لتحويل الأموال التي تُتيح للمستخدمين إجراء المدفوعات وتخزين الأموال وتلقّيها عبر هواتفهم المحمولة. تم إطلاق الخدمة في العام 2007 من قبل “فودافون” و”سافاريكون”، أكبر مشغل للهواتف المحمولة في كينيا، ويستخدمها 51 مليون شخص في سبع دول أفريقية، ومن المقرر أن تمتد إلى إثيوبيا بعد الموافقة على الترخيص في تشرين الأول (أكتوبر) 2022.

العملات الرقمية هي طريق آخر تستخدمه الحكومات لزيادة الشمول المالي. هناك حوالي 90٪ من البنوك المركزية في العالم تسعى إلى نشر العملات الرقمية، خصوصًا وأن العديد من المستهلكين في الأسواق الناشئة يتحوّلون إلى العملات الافتراضية للحماية من التضخم.

في العام 2021، طرحت نيجيريا عملة “النيرة الرقمية” أو “eNaira”، وهي أول عملة رقمية في إفريقيا. ومع ذلك، ظلَّ معدل الاستيعاب منخفضًا: استخدم واحد من كل 200 شخص العملة اعتبارًا من تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام، وهو أداءٌ يُعزى إلى التردّد المُرتبط بتراجع قيمة النيرة والارتباك بعد حملة الحكومة على العملات المشفرة.

يُظهر المستهلكون في الأسواق الناشئة عمومًا دعمًا للعملات الرقمية أكثر من أولئك الموجودين في الأسواق الناضجة، مع تقرير حديث صادر عن شركة “Morning Consult” أشار إلى أن 36٪ من المستجيبين في الهند أيدوا بقوة اعتماد عملة رقمية للبنك المركزي، مقارنة بـ 3٪ في اليابان.

تنتشر المدفوعات الرقمية بالفعل على نطاق واسع في الهند، التي شهدت نموًا في حجم مدفوعاتها الرقمية بمعدل 50٪ على مدار السنوات الخمس الماضية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدٍّ كبير إلى نظامها الذي يدعم الهاتف المحمول، وهو واجهة المدفوعات الموحدة.

في آذار (مارس)، أعلن البنك المركزي الهندي عن واجهة المدفوعات الموحّدة للهواتف المميزة، وهو توسع يمكن أن يجلب الخدمات المالية إلى 400 مليون مستخدم محتمل في المناطق الريفية حيث ترتفع مستويات النشاط غير الرسمي.

يعمل نموذج “اشترِ الآن، وادفع لاحقًا” أيضًا على تعزيز الشمول المالي، مما يساعد الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على تأمين الأموال اللازمة لإضفاء الطابع الرسمي من طريق الإقراض من نظير إلى نظير بدون فوائد.

  • سمير الحلو هو صحافي من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى