تحميلًا لتَحَمُّل الزمن الصعب

بقلم هنري زغيب*

ما إِن انتشر وباء كورونا حتى واكبَتْه مستَبِقةً تقْنيًا مفاعيلَه الوسائلُ الإِعلامية ووسائطُ التواصل ومنصّاتُه ومواقعُه الإِلكترونية موزِّعةً موادَّ تنبيهية وإِرشادية وعلْمية وصحية وغذائية لتفادي التقاط الجرثومة الخبيثة. وفي رأْس الإِرشادات: الحَجْر في البيت.

مواكَبةً هذا البقاءَ في الداخل ساعاتٍ مطاطةً ونهاراتٍ سُلحفاتيةً، ازداد روَّادُ الإِنترنت زيارةً شاشاتهم أَوفرَ من قبْل، ترفيهًا أَو اطِّلاعًا أَو اطِّلابًا معلوماتٍ تغذِّي ثقافتهم والمعرفة. وفيما بادرَت جامعات كبرى ومدارس مجهَّزة إِلى توسُّل التعليم عن بُعد، وبينما يُمضي كثيرون وقتهم أَجوفَ مقتصرين على المواقع التسلوية، بادرَت منصّات عالمية كبرى إِلى التعويض عن أَنشطة ثقافية كان يرتادها الجمهور بحمْلها إِلى بيوتهم إِلكترونيًّا فيشاهدون ويطَّلعون ويثقَّفون بدون التعرُّض للخطر الكوروني جرَّاءَ التجمُّع في الصالات المكتظَّة.

تعدَّدت تلك المواقع والمنصّات، تَنقل مسرحياتٍ مصوَّرَةً سابقًا، أَو أَعمالًا أُوﭘّـراليةً تبثُّها مباشرةً من مسارحها ولو بدون حضور في الصالة، ما أَتاح لروَّاد المسارح مادَّتهم الثقافية عوضَ تنَقُّلهم إِليها. وعدا شاشاتٍ تبثُّ أَصلًا كونشرتُوات كلاسيكية أَو حفلاتِ موسيقى معاصِرة (“ميتزو” مثالًا)، أَخذَت شاشاتٌ عدةٌ تعيد بثَّ أُمسياتٍ أُوركستراليةً سبَق عرضها وتصويرها، فيهنَأُ مشاهدوها بما كانوا يقصدون صالاتها لتغذية مخزونهم الثقافي وهواياتهم الموسيقية.

وتولَّت مواقعُ أُخرى تبُثُّ “يوتيوبيًّا” جولاتٍ افتراضيةً في متاحف عالمية كبرى، وأَتاحت الدخول من الشاشة الصغرى إِلى كبرى القاعات المكتنِزة روائعَ الرسم والنحت لكبار المبدعين العالميين، فليس متاحًا للجميع السفرُ إِلى بلدانها وارتيادُها فعليًا للوقوف أَمام لوحة خالدة أَو منحوتةٍ شهيرة أَو تمثال قرأُوا عنه ولم يعاينوه.

وأَكثر: عدا مواقعَ تعرض إِلكترونيًّا مؤَلفاتٍ كاملة يمكن تحميلُها فنَقْلُها إِلى شاشة الكومـﭙـيوتر أَو اللوح الذكي أَو الهاتف المحمول، فتحَت مواقعُ منصاتها الكُتُبية واسعةً للتشجيع على القراءة بتحميل عشرات المؤَلَّفات (بعضُها لم يصبح بعدُ في الحق العام وما زال ضمن حقوق المؤَلفين) فتُتيح للقراء تحميلَها ومطالعتَها مجانًا، وكان يُفترَض بهم شراؤُها ببطاقات الإئتمان.

وإِذا كان فِعل المواقع الفنية العالمية والمنصَّات الدولية التوجيهية والإِرشادية مفيدًا وضروريًّا في هذه الحقبة الكورونية الخطرة لمساعدة المواطنين على ملازمة بيوتهم اتِّعاظًا أَمنيًّا وتَنَبُّهًا صحيًّا واتِّقاءً أَيَّ احتكاك واكتظاظ، فالمواقع الأَدبية لا تقلُّ أَهميةً في مساعَدتها الذهنية والمعرفية بإِسدائها إِلى روَّادها غذاءً للزمَنَين الصعب والعاديّ يبقى لهم مجانًا بعد انقضاء الزمن الصعب.

تلك هي الثقافة التي لا قيمةَ للإِنسان بدونها ولا دورَ لوزارات الثقافة إِلَّاه، وهو ما اختصَره وزير الثقافة الفرنسي (1959 – 1969) الأَديب العالمي أَندريه مالرو في خطابه مُفتتحًا “بيت الثقافة” في مدينة أَميان (شماليّ فرنسا) صباح السبت 19 آذار (مارس) 1966: “الثقافة هي الإِجابةُ الوحيدةُ عن تساؤُل الإِنسان عما جاء يفعل على هذه الأَرض. إِنها ما يبقى بعد أَن يزولَ كلُّ شيْء”.

 

  • هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه: henrizoghaib.com
  • يَصدُر هذا الـمقال في “أَسواق العرَب” تَوَازيًا مع صُدُورِه في صحيفة “النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى