المبادرة العربية في بيروت ما زالت السبيل الحقيقي للسلام

بقلم كابي طبراني

الخطة المزعومة التي أعلنتها إدارة دونالد ترامب لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين رُفِضَت بشدة في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقِدَ في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في الأول من شباط (فبراير) الجاري. وأكّد المُجتَمِعون إن الخطة “لم تفِ بالحدّ الأدنى من حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني”، ويجب على إسرائيل ألّا تُنَفّذها عنوة وبالقوة ومن جانب واحد.

لم يكن رد الفعل هذا موضع شك. لقد أمل أصدقاء إسرائيل منذ فترة بأن يكون موقف بعض الدول العربية، وخصوصاً الخليجية منها، تجاه الدولة العبرية إيجابياً، على افتراض أن كليهما يتشاركان عدواً مشتركاً في إيران. ومع ذلك، حتى الآن لا يوجد زعيمٌ عربي على استعداد لكسر الإجماع الذي وضعته مبادرة السلام العربية، التي تمّ الإتفاق عليها في قمة بيروت في العام 2002.

في الواقع، ذُكِرت المُبادرة على وجه التحديد في قمة القاهرة كإطار مُحتَمَل للسلام. مع ذلك، لم يكن الأمر كافياً. إن المبادرة العربية كانت منذ فترة طويلة اقتراحاً مُهمَلاً بعدما سمحت الدول العربية لإسرائيل والولايات المتحدة بأن لا تُعيراها الإهتمام الكافي وتجاهلها، على الرغم من أنها تستند إلى سلسلة من قرارات الأمم المتحدة التي تتمتع بشرعية دولية كبيرة.

لقد طَرِح الفكرة لأول مرة، في شباط (فبراير) 2002، ولي العهد السعودي الأمير (آنذاك) عبد الله بن عبد العزيز خلال مقابلة مع الصحافي الأميركي في صحيفة “نيويورك تايمز”، توماس فريدمان. وفي قمة بيروت، تلقّف الزعماء العرب فكرة عبد الله، واقترحوا مبادرة سلام تقوم على أنه مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية التي احتلتها تل أبيب في حزيران (يونيو) 1967، تمشّياً مع قرارات مجلس الأمن الدولي 242 و338 و425 والتي أعاد تأكيدها مؤتمر مدريد في العام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، فإنهم سيوافقون على السلام الشامل. عندها يُمكن للعرب وإسرائيل “العيش في سلام جنباً إلى جنب ويوفّر للأجيال القادمة مُستَقبلاً آمناً يسوده الرخاء والإستقرار”. كما دعم الأعضاء الـ57 في “منظمة التعاون الإسلامي” مبادرة السلام العربية وأعلنوا أنهم سيوقّعون على أي صفقة سلام تقوم على أساس مبادئها.

بالنسبة إلى الإسرائيليين، طَرَحت المُبادرة مشاكل عدة. فهي ستُجبرهم على تسليم الأراضي المحتلة والعودة إلى خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وهو أمرٌ رفضوه دائماً – كما أنه نهجٌ دعمته الولايات المتحدة بقبول مبدأ الحدود المُعَدَّلة. ودعمت المبادرة أيضاً حلاً لمشكلة اللاجئين وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم 194. بالنسبة إلى إسرائيل وداعميها، كان هذا أيضاً غير مقبول لأنه يُمكن أن يفتح الباب أمام عودة الفلسطينيين إلى فلسطين ما قبل العام 1948، مما يُشكّل تهديداً ديموغرافياً لإسرائيل ذات الغالبية اليهودية.

بالتأكيد، هناك جوانب من مبادرة السلام العربية التي قد يَتعيَّن التفاوض بشأنها في السياق الحالي. ومع ذلك، فإن السلاح الرئيس الذي يمتلكه العرب الآن ضد ما يُسمّى بخطة السلام الأميركية — التي أعدّها الثلاثي الصهيوني المُتشدّد جاريد كوشنر، صهر ترامب، والسفير الأميركي في إسرائيل دايفيد فريدمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو — هو إعطاء زخم جديد للمبادرة العربية.

هناك أسبابٌ عدة لذلك. أولاً، إن خطة ترامب هي محاولة لتغيير الأساس للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعيداً من حلّ الدولتين. يجب على العرب تقويض هذه المحاولة الأحادية لتغيير قواعد اللعبة. إن المبادرة العربية تُعيد المفاوضات إلى مستوى يرتكز على قرارات الأمم المتحدة، وبالتالي تحييد جهود إدارة ترامب. قد تُعارض واشنطن وتل أبيب هذا الأمر، ولكن دعهما تُعزَلان دولياً.

ثانياً، إعادة صياغة المبادرة العربية من شأنه أن يُساعد على منع إيران من خطف المزاج المُعادي لإسرائيل وللولايات المتحدة السائد اليوم، وعلى تخفيف الضغط من أجل ردّ فعل فلسطيني أكثر عنفاً على الخطة الأميركية. وفي هذا المسار لن يؤكد العرب مُجدَّداً وعدهم بأنهم سيعترفون بإسرائيل فقط، بل سيقومون بذلك على أساس القرارات الدولية بمجرد أن تدعمها الولايات المتحدة، والتي تقضي بالعودة إلى المفاوضات.

الميزة الثالثة المُتمَثّلة في إعادة تأكيد مبادرة السلام العربية هي أنه يمكن تحويلها إلى نقطة تجمّع والتقاء لأولئك – وهم كثيرون – الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً مقبولاً في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. هذا لا يعني أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يُمكن أن يحدث من دون واشنطن، كما أنه لا يعني أيضاً أنه يجب إعطاء الأميركيين الحرية الكاملة لتحديد معالم السلام بمفردهم، من خلال تفضيل جانب على آخر.

لماذا يجب أن يهمّ هذا الأمر؟ لأن إسرائيل قد فسّرت مخاوف العرب من تصرفات إيران بأنها “شيكٌ” على بياض لفعل أي شيء تريده وتجاهل الأولويات العربية والفلسطينية. ينبغي على الدول العربية أن تضع مثل هذه الأوهام جانباً. ربما لم تعد القضية الفلسطينية هي المُهيمنة كما كانت سابقاً في المنطقة، ولكن لا يعني ذلك أن الجميع على استعدادٍ للتخلّي عن الحقوق الفلسطينية فجأة ومن دون تحفّظ.

إن إعادة التأكيد العربي على أن التدابير الأحادية الجانب لإدارة ترامب ليس لها قبول دولي ستُساعد على إعادة تلك الرسالة إلى المكان الصحيح، مع توفير حلّ أكثر عدلاً على أساس الإجماع العربي وقرارات الأمم المتحدة.

لم تحظَ مبادرة السلام العربية بالأهمية التي تستحقها. لقد تجاهلتها إسرائيل، لأنها لا تشعر بالراحة من خطة سلام بعيدة المدى يُمكن أن تقوّض طموحاتها التوسعية في الضم والهيمنة. لقد أخطأت واشنطن في اتباع المسار عينه. إن الخطة الأميركية الأخيرة هي خدعة، لذلك يجب على العرب تذكير الجميع بأن هناك حلاً معقولاً، عادلاً ومقبولًا على نطاق واسع وهو موجود منذ حوالي العقدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى