تداعيات رفع العقوبات على الإقتصاد الإيراني

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*

ما أن رُفِعت العقوبات الإقتصادية عن الجمهورية الإسلامية في إيران حتى إنهالت الزيارات والصفقات والعقود التجارية الضخمة من الدول الأوروبية والآسيوية. ما سبب هذا التهافت الإقتصادي الدولي؟ وبالتالي ما هي تداعيات رفع العقوبات على الإقتصاد الإيراني وهل لها نتائج مضمونة؟ ما هي الشروط والمخاوف التي قد تقف عثرة أمام تحقيق النتائج الإقتصادية المرجوة؟
وبالرجوع ولو بشكلٍ موجز إلى تاريخ العقوبات على إيران، فقد فرضت الولايات المتحدة جزءاً منها في العام 1979، ثم عادت ووسعت دائرة هذه العقوبات في العام 1995 لتشمل الشركات التي تبرم صفقات مع الحكومة الإيرانية. وفي العام 2006، فرض مجلس الأمن عقوبات على طهران على خلفية برنامجها النووي وكذلك فعل الإتحاد الأوروبي في العام 2007. وقد تركزت هذه العقوبات على قطاعات مُحدَّدة ومنها النفط والغاز والكيميائيات إضافةً إلى قطاع المصارف والتأمين والنقل. ولكن أكثر هذه العقوبات تأثيراً كان قرار عزل المصارف الإيرانية عن المنظومة المالية العالمية عبر حجبها عن نظام الـ “Swift” لتحويل الأموال. ومع مرور الوقت، شكّلت تلك العقوبات ثقلاً وعبئاً كبيراً على إقتصاد البلاد والشعب الإيراني، وكان له دور بارز في جلب الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات وإبرام الاتفاق، والذي بموجبه تم رفع تلك العقوبات في 16 كانون الثاني (يناير) من العام الحالي.
رغم العداوات المزمنة مع إيران، لم يستطع الغرب إخفاء شهيته لنيل ولو حصة متواضعة من السوق الإيرانية. والحقيقة أنه في عالم يتخبط إقتصادياً ويعاني من تراجع الفرص والنمو لا يمكن للغرب غض النظر عن سوق ناشئة بحجم السوق الإيرانية في هذا التوقيت بالتحديد. فالجمهورية الإسلامية تسعى إلى تحديث بنيتها التحتية وتطوير شبكة النقل بكافة أوجهها، إضافة إلى خدمة 80 مليون مستهلك ينتظرون بفارغ الصبر إستيراد السلع الأجنبية. هذا المشهد يشكل كمّاً هائلاً من الفرص الإقتصادية في بلدٍ يُعتبر من آخر الإقتصادات الناشئة التي ستشهد نمواً متسارعاً في الحقبة المقبلة مع تزايد الاستثمارات والتبادل التجاري.
وبالفعل فمع رفع العقوبات زادت إيران حجم صادراتها النفطية بما لا يقل عن 300,000 برميل في اليوم سعياً منها إلى تحقيق هدفها في بلوغ صادراتها النفطية 205 ملايين برميل مع نهاية العام الجاري.
كما أن طهران قد إستعادت جزءاً من الأموال المقدرة قيمتها بـ100 مليار دولار والتي كانت مُجمدة في الخارج بسبب العقوبات (رغم أنها لن تستطيع إنفاق أكثر من نصفها نتيجة عقود وإلتزامات سابقة).
ولعل أكثر القطاعات إستفادةً هو قطاع النقل. ففي نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الفائت، قام الرئيس حسن روحاني بزيارة إلى إيطاليا و فرنسا تخللها توقيع عقود تجارية ضخمة وصلت إلى ١٨ مليار دولار مع إيطاليا وحدها.
والجمهورية الإسلامية المتعطشة لتحديث أسطولها الجوي قد أبرمت عقداً لشراء أكثر من 100 طائرة “إيرباص” “Airbus” علماً أنها تنوي شراء ما لا يقل عن 400 طائرة في المدى المنظور، ما يشير إلى الدور الكبير التي قد تلعبه الجمهورية الإسلامية مستقبلاً في مجال النقل الجوي وربط الغرب بالشرق فيما يشبه الدور الذي تلعبه مطارات دول الخليج اليوم. وفي إطار النقل أيضاً تسعى إيران إلى إعادة العمل مع الشركات الفرنسية “بيجو” و”رينو” لإقامة مصنعي تجميع في إيران تفوق تكاليفهما ال٤٣٠ مليون دولار.
ولم يقتصر الإنفتاح الإقتصادي على الغرب بل أيضاً وصل إلى الصين التي أبدت رغبة كبيرة في شراء النفط الإيراني إضافة إلى إستعادة طهران لعلاقاتها التجارية مع الهند علماً أنها ستستطيع تحصيل ما يقارب 605 مليارات دولار من نيودلهي في إطار صفقات سابقة.
أمام هذا المشهد الحافل بالنمو والفرص يكمن مشهد آخر أكثر أهمية. الواقع أن جزءاً كبيراً من المشاكل الاقتصادية التي عانتها الجمهورية الإسلامية في العقد الماضي، وأبرزها البطالة والتضخم، سببه سوء الإدارة والفساد في العديد من القطاعات الاقتصادية، وليس فقط جراء العقوبات التي كانت مفروضة على البلاد. والسؤال الأبرز اليوم لا يكمن في مدى وجود الفرص الإقتصادية في إيران بل في مدى قدرة الجمهورية الإسلامية على القيام بإصلاحات قانونية وإدارية تشجع على الاستثمار، وفي مدى قدرة النظام على ضبط المعارضة الداخلية للانفتاح الحاصل والذي يضر بمصلحة الذين كانوا يستفيدون من العقوبات في الداخل عبر بيع النفط و شراء الطائرات المستعملة و قطع الغيار و تحقيق عوائد كبيرة. فقد بدأ بالفعل العديد من النواب في التيار المحافظ بوضع علامات إستفهام حول الصفقات التجارية التي أبرمها الرئيس روحاني الشهر المنصرم متخوفين من أن يتحول الإقتصاد الإيراني إلى فريسة للشركات الأجنبية. لا يوجد أجوبة صريحة عن هذه التساؤلات اليوم ولكن سيبدو المشهد أكثر وضوحاً مع نتائج الانتخابات المقررة نهاية الشهر الجاري.

• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى