… إهانة؟ عادة!

بقلم راشد فايد*

لا تستطيع كل أحابيل السياسة والمراوغة ان تنجح، الى ما لا نهاية، في اقناع اللبنانيين بألّا يتساءلوا  لماذا يستمر “حزب الله” في جرجرة الفراغ الحكومي منذ نحو مئة يوم؟

ليس في السؤال تحامل على الحزب.  فمنذ حرب تموز (يوليو) 2006، التي يؤكد لنا، برغم الوقائع المناقضة، من دمار ودماء (1200 شهيد لبناني مقابل 125 قتيلاً اسرائيلياً و 1.6 مليار دولار لاعادة البناء) انه انتصر فيها، لا ينفك الحزب يفرض إيقاعه على الحياة العامة، ولو قُوِّضَت مصالح لبنان خدمةً لمصالح إيران، أحيانا مباشرة، كما في خطبه، بفحواها الإنعزالي (نحن وأنتم)، وخوض حروب إقليمية لا طائل للبلاد منها، أو في دفع حليفه وزير الخارجية، جبران باسيل، الى إدانة اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني، فيما لم يُحرّك لسانه حين الإعتداء الإيراني على “آرامكو السعودية”. وإيقاع الحزب يسير على خطين، أحدهما جرّ الآخرين الى تنفيذ مخططه، سلماً، والثاني جبراً، بتعطيل الحياة العامة. ومن أبرز وجوه الأخيرة عرقلة ولادة الحكومات المتعاقبة، ولو اختار هو رئيسها (نجيب ميقاتي)، واحتلال وسط بيروت مع حلفائه لنحو سنتين، وإقفال مجلس النواب، وتعطيل النصاب 545 يوماً، لإجبار الجميع على تبني ترشيح “الرئيس القوي”، وانتخابه بعد فراغ رئاسي لمدة 890 يوماً. وكان قبل ذلك، وبرغم اتفاق الدوحة، عطّل انتخاب العماد ميشال سليمان، خلفاً للرئيس اميل لحود 184 يوماً، أي ما مجموعه 1074 يوماً. أما فترة تعطيل ولادة الحكومات، فيقول تقرير نشره “تيار المستقبل” قبل أشهر أنها بلغت 952 يوماً، أي عامين و7 أشهر، فيكون مجموع سنوات التعطيل، وفق التقرير 7 سنوات، كلفت الخزينة 35 مليار دولار.

جهد الحزب، منذ اندحار الإحتلال الاسرائيلي، في السعي إلى قيادة البلاد، وحين استحالت الهيمنة على القرار الوطني مباشرة، منحه تفاهم مار مخايل غطاء مسيحياً، كان ثمنه ترئيس العماد ميشال عون على كرسي بعبدا، برهبة السلاح، والتسوية الرئاسية.

كان رهان قوى 14 آذار، منذ 2005 على “لبننة الحزب”، أي جعله تحت مظلة الدولة، وبشروطها، لكن الواقع ان الدولة صارت مستمرة بشروط الحزب، لذا يبدو تأخر ولادة الحكومة قرار الحزب، وإن لم تخلص التحليلات الى تحديد مصلحته في ذلك، خصوصاً إن لم نصدق زعم مراعاته حلفائه، أو تواطؤهم معه على مستقبل البلاد والعباد. ولعلّ ما أنصف المشهد السياسي بصدق قول نائب رئيس مجلس النواب، إيلي الفرزلي، أمس: في تاريخ العمل السياسي وفي تاريخ لبنان السياسي لم تتعرض الشرعية السياسية في البلد للإهانة التي تتعرض لها اليوم، ليس في الشتائم التي يطل بها هذا او ذاك من المحتجين، بل في الأسلوب الذي يتم التعامل فيه مع تأليف الحكومة، في هذا الإستخفاف بالرأي العام النيابي.

فات دولة الرئيس ان هذه الإهانة قائمة منذ اتفاق الدوحة، ولم تستجد بسبب المواجهة الأميركية – الايرانية.

  • راشد فايد كاتب، صحافي، مُحلّل سياسي لبناني وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال أيضاً في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى