دور منتدى دافوس في التوفيق بين الأعمال والإستدامة

بقلم كابي طبراني

بدأ رواد أعمال وسياسيون وأكاديميون بارزون هذا الأسبوع مع نشطاء البيئة مناقشة شؤون الأعمال والإستدامة في الإجتماع السنوي الخمسين للمنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا.

ما بدأ كتجمّع لنخبةٍ من رواد الأعمال والصناعيين الغربيين لمناقشة صفقات تجارية بعيداً من الصخب والضجيج وفي جوّ مُريح وهادىء تمنحه أجواء الشاليهات السويسرية الجميلة، أصبح الآن منصّة أوسع بكثير للمجتمع الدولي للفت الإنتباه إلى قضايا دولية كبرى مثل الفقر والبيئة، وللضغط على القادة في كل المجالات من أجل التغيير الحقيقي.

يَجمَع مُنتدى هذا العام أكثر من 3000 شخصية سياسية واقتصادية وثقافية عالمية، ويًركّز بشكل خاص على الإستدامة. ويشارك أيضاً دعاة حماية البيئة، مثل الناشطة المراهقة غريتا ثونبيرغ، ونشطاء العدالة الإقتصادية، كالمؤسس المشارك لـ “إحتل وول ستريت” (Occupy Wall Street)، ميكا وايت، في مسيرات شوارع دافوس الثلجية، وحضور المنتدى مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب – الذي لم يحضر منتدى العام الماضي – وكريستين لاغارد، المديرة العامة السابقة لصندوق النقد الدولي والآن رئيسة البنك المركزي الأوروبي.

شبّه “وايت” حضور دافوس بـ “انتحار للسمعة الطيبة”، على الرغم من أنه يعترف بأن بيئيين ورجال أعمال بحاجة إلى العمل معاً لإحداث التغيير. في الواقع، قد تكون تظاهرة العام 2020 في دافوس أرضاً خصبة لمثل هذا التعاون. لقد بدأ مجتمع الأعمال العالمي تدريجاً يُدرك أن هناك مشكلة خطيرة في نظرتنا المُشتَرَكة حول تغيّر المناخ – وبالتحديد الفكرة القائلة بأن المصالح البيئية والتجارية تتعارض في جوهرها مع بعضها البعض. في الحقيقة، قد لا يكون هذا بعيداً من الحقيقة.

كشف تقرير جديد نشره المنتدى الاقتصادي العالمي أن أكثر من نصف الإقتصاد العالمي – حوالي 44 تريليون دولار – مُعَرَّض للخطر بسبب تغيّر المناخ. الصناعات مثل البناء والزراعة وقطاع الأغذية والمشروبات تعتمد على استدامة الموارد الطبيعية لتبقى مربحة.

باختصار، يُعدّ الإحترار العالمي أمراً سيئاً بالنسبة إلى كوكب الأرض، ولكنه يُعتَبر أيضاً أمراً سيئاً بالنسبة إلى الأعمال. يجب أن يفهم قادة العالم أن الناتج المحلي الإجمالي لدولهم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة، ويجب على الشركات والمؤسسات أن تُدرك أن لديها مصلحة راسخة في تعزيز الإستدامة.

بعيداً من الأجواء الصاخبة التي كان عليها في السابق، يستعد دافوس الآن ليكون المرحلة المثالية للمحادثات التي تهم جميع الناس وسبل عيشهم ورفاهيتهم. مثل هذه المحادثات، عندما تكون جادة، يُمكن أن تؤدي إلى تحوّلات حقيقية وسريعة في التفكير. لم يعد تغيّر المناخ مشكلة مُجرّدة تنتظر التأثير فينا وعلينا في مستقبل بعيد. منذ حزيران (يونيو) الفائت، تعرّضت أوستراليا لأسوأ حرائق الغابات في تاريخها، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من مليار حيوان وتدمير ملايين الهكتارات من الأراضي.

وفي الوقت عينه، في الأسبوع الماضي، غطّت الثلوج أجزاء من الصحراء العربية السعودية. وفي الشرق الأوسط الكبير، يُعَدُّ التصحّر والجفاف من بين أكبر التهديدات البيئية، حيث تواجه بلدان البحر المتوسط ​​مثل لبنان وفلسطين وتركيا تدهور التربة وزيادة الجفاف والفيضانات. في شبه الجزيرة العربية، قدّم مجتمع الأعمال، بالشراكة مع القطاع العام، حلولاً إبداعية لهذه المشكلات مثل البذر السحابي (الإستمطار) وتحلية المياه.

لم يعد تجاهل تغيّر المناخ خياراً مُربحاً – ليس للإقتصاد العالمي، ولا للشركات الخاصة وبالتأكيد ليس لكوكب الأرض. في دافوس، يجب أن تفكر الشركات والمؤسسات الخاصة بما يتجاوز حدود موازناتها العمومية بأن تكون حمراء أو سوداء، يجب أن تكون خضراء أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى