السيادة العراقية لا تُنتَقَص فقط بوجود قواتٍ أميركية

بقلم كابي طبراني

مع استمرار التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، فإن أعين العالم تتركّز على العراق، حيث دعا مجلس النواب هناك حكومته إلى طرد جميع القوات الأجنبية، بما فيها أكثر من 5000 جندي أميركي. جاء القرار الذي اتُّخِذ يوم الأحد الفائت رداً على مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية مُسيّرة أميركية على قافلته بالقرب من مطار بغداد.

ينبغي الآن إرسال القرار غير المُلزِم إلى مجلس الوزراء ليصبح قانوناً – على الرغم من أن الحكومة المُستقيلة الحالية التي تُسَيّر الأعمال في العراق لا يُمكنها إصدار تشريع. القرار المُثير للجدل، والرمزي إلى حدّ كبير، إتُّخِذ في ظروف سوريالية. قاطع الجلسة ما يقرب من نصف عدد أعضاء البرلمان العراقي، وقادها رئيس الوزراء المؤقت عادل عبد المهدي، الذي استقال من منصبه في الشهر الفائت. لقد تعرّضت سمعته للتشويه والإساءة من الشباب العراقي إلى حد كبير بسبب إدارته لحملة القمع الوحشية التي أودت بحياة مئات المُحتَجّين العُزَّل – الذين مات الكثيرون منهم على أيدي الميليشيات الموالية لإيران المُتمَثَّلة في البرلمان.

الواقع أن اغتيال سليماني وضع العراق في الزاوية وأجبر السياسيين على الإختيار بين إيران وأميركا أو الإبتعاد من الجانبين على السواء. كثيرٌ من العراقيين، بمَن فيهم المتظاهرون الشباب، لم ولن يُذرفوا الدموع على رجل مسؤول عن وفاة زملاء لهم ومعاناة شعبهم. لكن وكلاء وعملاء إيران في البلاد استخدموا التصعيد لصرف الإنتباه عن المطالب المشروعة للمتظاهرين الذين طالبوا بقيادة نزيهة وشفافة وغير طائفية ووضع حدّ للتدخل الأجنبي في بلادهم منذ شهور، بما فيه التدخّلين الإيراني والأميركي. إنحازت الميليشيات التي تدعمها طهران، وكذلك أتباع رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر، إلى جانب القيادة الإيرانية التي تعهّدت بالإنتقام.

دعا الصدر إلى إحياء “جيش المهدي”، وهي ميليشيا قاتلت القوات الأميركية في وقت كانت فيه الولايات المتحدة نُعتبَر قوة احتلال في العراق. بعض عناصره كان مسؤولاً عن خطف وقتل مواطنين عراقيين. وقد رفعت الجماعات المتحالفة مع إيران وسوَّقت أخيراً شعار مقاومة “الإحتلال” الأميركي، لكن هذا في الواقع أبعد ما يكون عن الحقيقة. لقد عادت القوات الأميركية إلى العراق بناءً على طلب من حكومة بغداد لمساعدة التحالف العالمي لهزيمة “داعش”. إن انسحابها بشكل جماعي سيكون بمثابة هدية للمتطرفين الإسلاميين، الذين يُعيدون تجميع صفوفهم في أجزاء من البلاد وسوريا المجاورة.

إن الأحزاب التي صوّتت لصالح مغادرة القوات الأجنبية كانت سريعة للدفاع عن السيادة العراقية ضد التدخل الأميركي لكنها فشلت مراراً وتكراراً في إدانة هيمنة إيران على بعض ميليشياتها وتدخّلها في الشؤون الداخلية، وكذلك الهجمات التي تستهدف الجيش العراقي. بعد لحظات من رفع البرلمان جلسته، سقطت الصواريخ على قاعدة عراقية بالقرب من السفارة الأميركية في بغداد، مما أسفر عن إصابة بعض المدنيين.

لقد حدثت الغارة الجوية المُسيَّرة التي استهدفت سليماني بعد يومين من تحذير “كتائب حزب الله” المدعومة من إيران للقوات العراقية بالإبتعاد عن “القواعد الأميركية”. كان أبو مهدي المهندس، القائد السابق لهذه الميليشيا، من بين الذين قُتلوا في هذه الغارة.

على الرغم من أن أعدادها مُنخَفضة نسبياً، يُمكن للقوات الأميركية في العراق، بمؤازرة الأخرى المُنتَشرة في الشرق الأوسط، أن تعمل كرادع لإيران ومتطرفي “داعش”. إن رحيلها سوف يٌمكّن طهران من ترسيخ نفسها في بلاد الرافدين وتضييق الخناق على الإحتجاجات المستمرة في بغداد وجنوب العراق. فرحت إدارة باراك أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق، فقط لتضطر إلى العودة بعدد كبير من القوات في العام 2014 لمحاربة “داعش”. إن أفضل طريقة لوقف التدخل الأجنبي هي دعم الدولة العراقية وضمان عملية سياسية وطنية قابلة للتطبيق. يجب أن تُسمَع وتسود أصوات ملايين العراقيين الذين يدعون إلى الحكم الرشيد وإنهاء التدخل الأجنبي في الشؤون العراقية. البديل سيكون كارثياً على العراق والمنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى