الشرق الأوسط يحتاج إلى إصلاحات جريئة لرفع النمو وخلق فرص العمل

بقلم جهاد أزعور*

في العام 2019، سجّل النمو العالمي أبطأ مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية. لقد أثّر تباطؤٌ مُتزامِنٌ على معظم البلدان، مع تأثير محدود نسبياً على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المتوقع أن يرتفع النمو بشكل متواضع في العام 2020 وما بعده. ومع ذلك، فإن رياحاً مُعاكِسة عالمية تمتزج راهناً مع الضغوط الإقليمية الطويلة لخفض النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون المستوى الذي يُمكن أن يساعد على معالجة المستوى العالي لبطالة الشباب التي تُعاني منها المنطقة.

بالتطلع إلى المستقبل، فإن الأولوية الرئيسة لواضعي السياسات في المنطقة تكمن في تحقيق نموٍ أكثر إنصافاً وشمولية. سيساعد ذلك المنطقة على مواجهة الإنتعاش العالمي المتواضع نسبياً وعدم اليقين الجيوسياسي وتزايد نقاط الضعف المحلية في بعض بلدانها. في الواقع، أدّى انخفاض النمو وتناقص فرص العمل إلى زيادة الإضطرابات الإجتماعية في بلدان شرق أوسطية وعربية عدة، والتي أصبحت أكثر انتشاراً في الأشهر الأخيرة.

إن حالات عدم اليقين العالمية تكشف عن تحدّيين رئيسيين للتوقّعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2020. أولاً، أسعار النفط المُنخَفِضة والمُتقلّبة. إن عوامل العرض والطلب المستمرة – مثل ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي وضعف النمو العالمي – تعني أن أسعار النفط قد لا تتعافى كثيراً من المستويات الحالية. يشير هذا إلى ضعف احتمالات النمو في الدول المُصدّرة للنفط وبالتالي تقليل تمدّد تداعياتٍ إيجابية إلى بلدان أخرى في المنطقة. وقد تُضاعف نوبات التقلبات في أسعار النفط، الناتجة من التوترات التجارية العالمية والمخاطر الجيوسياسية، من هذه التحديات بالنسبة إلى مُصدّري النفط ومستورديه لأن الإدارة الإقتصادية تُصبح أكثر تعقيداً.

ثانياً، تُمثّل التوترات التجارية خطراً مباشراً على المنطقة، أساساً من خلال انخفاض الطلب لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين. ليس هذا هو الحال فقط، على سبيل المثال، في البلدان المُصَدِّرة للنفط، حيث تُعرِّض الروابط التجارية القوية مع الصين هذه البلدان لحدوث تباطؤ آتٍ من هناك، ولكن أيضاً في البلدان المستوردة للنفط حيث تعتمد بشدة على ظروف الطلب داخل المنطقة وخارجها على السواء، بما في ذلك أوروبا.

في العام المقبل، من المتوقع أن تتحسّن توقعات النمو لمُصدّري النفط، باستثناء إيران والدول الغارقة في صراع، إلى 2.8 في المئة. وتعكس هذه التوقعات بشكل أساس إنتهاءً مُفترَضاً لاتفاقية “أوبك+” في آذار (مارس) 2020، وتحسين نشاط القطاع غير النفطي في بعض البلدان تَمَشّياً مع مشاريع البنية التحتية الجارية. ومع ذلك، سيظل المُصدّرون للنفط يواجهون احتمال انخفاض النمو العالمي وأسعار النفط، مما يُعرِّض بعض البلدان لضعفٍ مالي متزايد. في جميع أنحاء المنطقة، للأسف، تباطأت وتيرة التوحيد والدمج المالي أو انعكست في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فقد كانت آثار الإنفاق الإضافي على النمو أكثر تواضعاً مما كانت عليه في الماضي، عاكسةً تركيبة أقل إنتاجية للإنفاق، بما في ذلك على فواتير الأجور الكبيرة في القطاع العام ودعم الطاقة.

في البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المتوقع أن يرتفع متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.4 في المئة في العام 2020 من 3.9 في المئة، مُقارنةً بمتوسط معدلات النمو البالغة 3.4 و3.5 في المئة في الإقتصادات الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل الأخرى. ومع ذلك، سيتعيّن على مستوردي النفط مواجهة التحديات المالية الحادة، حيث ترتفع مستويات الدين العام في المتوسط إلى 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تحدّ من مساحة التدابير المالية التي تُعزّز النمو والإنفاق الإجتماعي الذي تمسّ الحاجة إليه. في حين أن مستويات الديون إنخفضت في السنوات الأخيرة في بعض البلدان، فإنها في بلدان أخرى إرتفعت هذه النسبة إلى مستويات عالية للغاية. تنبع هذه الزيادة في الديون من العديد من العوامل، بما في ذلك الجمع بين الإنخفاض المستمر في النمو مُقارنةً بالعقد السابق وارتفاع الإنفاق العام، بالإضافة إلى زيادة الإعتماد على الإقتراض لتلبية هذه الإحتياجات المالية نظراً إلى محدودية الموارد. في الواقع، ثبت أن الإنتكاسات المالية في الماضي من الصعب عكسها وقد تفاقمت بسبب النمو الضعيف.

تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمكانات اقتصادية كبيرة يُمكن أن تُلبي تطلعات الشباب من خلال نمو أعلى وأكثر شمولاً. إلّا أن تحقيق هذه النتيجة يتطلب إصلاحات جريئة وظروفاً إقتصادية داعمة. لحسن الحظ، شرعت غالبية بلدان المنطقة في برامج الإصلاح مع التركيز على النمو الشامل وخلق فرص العمل. لكن التقدّم كان بطيئاً وفشلت نتائج النمو الحديثة في تلبية احتياجات وتطلعات المواطنين العاديين. للمضي قُدُماً، يحتاج صانعو السياسات في المنطقة إلى تنفيذ التدابير والإصلاحات اللازمة لتعزيز المرونة الإقتصادية في المدى القريب وخلق فرص عمل بمرور الوقت لتلبية إحتياجات شعوبهم. وهذا يعني مواجهة تحدّيين مُشتَرَكَين:

أولاً، إتخاذ تدابير للمساعدة على رفع النمو في المدى المتوسط. إن خلق بيئة مواتية لنشاط قطاعٍ خاصٍ نابضٍ بالحياة من شأنه أن يُحفّز الإبتكار، ويجذب الإستثمار، ويخلق فرص العمل. ولتحقيق هذه الغاية، فإن تحسين البنية التحتية، وزيادة فرص الحصول على التمويل، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الأطر القانونية والتنظيمية، وزيادة تحسين مناخ الأعمال، والحدّ من دور الشركات المملوكة للدولة في الإقتصاد، من شأنها كلها أن تُساعد على زيادة إمكانات الإقتصادات وجاذبيتها لرأس المال الأجنبي.

ثانياً، معالجة مواطن الضعف المالية المتزايدة. وهذا يتطلب التوحيد والدمج المالي للحدّ من التزامات الديون المُفرِطة وإعادة بناء المخازن المالية المُصِدّة، على الرغم من خفض النفقات غير المنتجة وتعبئة الإيرادات الإضافية بطرق تحمي الفئات الضعيفة في المجتمع. على وجه الخصوص، في حين أن الزيادة في الإنفاق العام قد تكون ضرورية في مواجهة التوترات الإجتماعية، يجب على الحكومات التأكد من أن هذه الأموال مُوَجَّهة بشكل جيد لمَن هم في أمس الحاجة إليها، مع الحرص على مراقبة تأثيرات الموازنة طويلة الأجل التي يصعب عكسها. إن معالجة الضغوط المالية بهذه الطريقة ستخلق مساحةً لتحسين النمو والإنفاق الإجتماعي المُنتج. لضمان استمرار المكاسب المالية في المدى القريب، يتعيّن على بلدان المنطقة تعزيز أُطُرِها المالية، للمساعدة على فصل تطور الإنفاق عن إيرادات النفط المتقلبة في الدول المصدرة للنفط وتحسين جودة وفعالية وشفافية الإنفاق العام.

يُوفّر لنا العام الجديد فرصة جديدة للتصدّي للتحدّيات الطويلة الأمد وجعل حياة الناس أفضل. إن هدفنا المشترك هو تحقيق نمو أعلى وأكثر شمولاً يُلبّي احتياجات الناس في المنطقة. من خلال القيادة الحاسمة التي تُلهم الثقة للمواطنين، والتفكير الإبداعي في تحديد الطريق إلى الأمام، والتدابير المدروسة ضمن خطط واضحة المعالم، يُمكننا أن نعمل بجدّ أكثر من أجل تحقيق هذه الغاية.

  • جهاد أزعور هو وزير المالية السابق في لبنان، ومدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى