إغتيال قاسم سليماني مُقامَرة كبرى

بقلم كابي طبراني

إنتهى كل شيء وبدأ في مطار بغداد الدولي. قاسم سليماني، الرجل الذي أدار خيوط حرب الظل الإيرانية بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الصراع السوري، تمّ اغتياله بلمحة بصر وأُحرِق جسده بصواريخ طائرة مُسَيَّرة إلى درجة يتعذّر معها التعرّف عليه.

إغتالت الولايات المتحدة القائد المشهور للواء القدس الإيراني، إلى جانب نائب القائد الأعلى لوحدات الحشد الشعبي في العراق، أبو مهدي المهندس. لفهم ما قد يأتي بعد ذلك، من الضروري أن نفهم ليس فقط مَن هما هذان الرجلان ولكن أيضاً النظام الذي أنتجهما.

كان سليماني، الملقب بـ”قائد الظل” في الصحافة الشعبية، يقضي سنواته التكوينية في ساحات القتال في الحرب العراقية – الإيرانية خلال ثمانينات القرن الفائت، عندما كان صدام حسين – الذي كان يتمتع في ذلك الوقت بدعم القوى الغربية والعربية – يحاول تدمير الجمهورية الإسلامية الناشئة.

لكن قلّة من الناس تتذكر أن مهمته الرئيسة الأولى كقائد للواء القدس – وهو فرع خارج الحدود للحرس الثوري الإيراني – تضمّنت التنسيق الضمني مع الولايات المتحدة عندما غزت أفغانستان في العام 2001. كانت حركة طالبان، وإلى حد ما، عدواً مُشترَكاً. انتهى هذا التحالف المريح في العام 2002 عندما وصف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إيران بأنها عضو في “محور الشر”.

في السنوات التي تلت ذلك، عمل سليماني على نزف الجيش الأميركي في العراق. ونجح في مهمته بشكل كبير. بعد أن أنفقت تريليونات الدولارات وخسرت الآلاف من القوات، إنسحبت واشنطن من بلاد الرافدين في العام 2011 – جزئياً نتيجة للضغط الإيراني على الحكومة العراقية.

لم يكن لدى سليماني سوى القليل من الوقت للإحتفال. تحوّل انتباهه إلى احتواء تداعيات “الربيع العربي”، ودعم الرئيس السوري بشار الأسد. وشهد هذا التطور إنشاء شبكة على مستوى المنطقة من الميليشيات التي تدعمها إيران والتي بلغ عدد أفرادها أكثر من 100,000 شخص، وتعاوناً عسكرياً إيرانياً غير مسبوق مع روسيا، وتحويل “حزب الله” إلى قوة قادرة على العمل على نطاق واسع خارج حدود لبنان. بحلول العام 2014، عندما أوقف بنجاح محاولة تنظيم “الدولة الإسلامية” إجتياح العراق، وُصِفَ سليماني بالبطل بين العراقيين إلى جانب القادة المحليين، بمَن فيهم المهندس. كان الرد نفسه واضحاً أيضاً في إيران، حيث سرعان ما أصبح إسمه مألوفاً وشاع أنه قد يكون رئيساً مُحتمَلاً في المستقبل – وهو اتجاه عززه انسحاب إدارة ترامب من جانب واحد من الصفقة النووية الإيرانية في العام 2018.

لذا، لم تقتل الولايات المتحدة قائداً عسكرياً إيرانياً فحسب، بل وأيضاً شخصية شعبية للغاية، يُنظر إليها كحارس لإيران حتى بين الإيرانيين العلمانيين. ومع اغتيال المهندس، وضعت إدارة ترامب نفسها في موضع قاتلة قائد العمليات لفرع كبير من القوات المسلحة العراقية.

سيصف البعض مقتل سليماني والمهندس بأنه ضربة كبيرة لقدرات إيران بالوكالة وسياستها الأوسع في المنطقة. لكن مثل هذا النهج يتجاهل كيفية هيكلة النظام الإيراني.

تم الإعلان عن خليفة سليماني كقائد للواء القدس – نائبه منذ زمن طويل، إسماعيل قاني – في غضون 12 ساعة بعد وفاته. وبينما كان سليماني يتمتع بشخصية جذاّبة ولعب دوراً شخصياً في تنمية العديد من علاقات إيران في المنطقة، فإن هذه العلاقات لا تعتمد عليه وحده. بدلاً من ذلك، فهي نتاج روابط واسعة وعميقة غالباً ما تعود إلى عقود وفي كثير من الحالات تنطوي على روابط عائلية.

كان سليماني على دراية بأخطار الوظيفة، كما كان رئيسه، آية الله علي خامنئي، الذي اعتبره في السنوات الماضية “شهيداً حياً”. لذلك لم يكن تخطيط الخلافة بعيداً من ذاكرته. في الواقع، أعطى سليماني، البالغ من العمر 62 عاماً، مساعديه الصغار سلطة تنفيذية كبيرة. في الممارسة العملية، كان هذا يعني رفع مستوى جيل جديد من عملاء لواء القدس، بعضهم بدأ سليماني وضعه بالفعل في مناصب حيوية: مثال على ذلك إيرج مسجدي، السفير الإيراني الحالي في العراق.

إذن ماذا سيأتي بعد ذلك؟ كما هو متوقع، وعدت السلطات الإيرانية “بالإنتقام الشديد”. كيف يتكشّف ذلك في الممارسة العملية يبقى في عالم التخمينات. بالتأكيد لا يوجد نقص في الأهداف الأميركية في المنطقة. لكن سليماني ربما يكون قد حقق بالفعل، بعد وفاته، أعظم انتقام للجميع، ومن دون إطلاق رصاصة واحدة: وهو هدفه النهائي المتمثل في إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق.

إذا كان هو بالفعل وراء الهجوم على القاعدة العسكرية الأميركية والذي أدى في النهاية إلى اغتياله، فمن المُحتَمل أنه نجح في محاصرة الولايات المتحدة وبدء طردها من العراق. حتى الآن، فإن معظم صانعي القرار العراقيين، من رئيس الوزراء المؤقت إلى أعلى سلطة روحية في البلاد، لم يُدينوا بشكل واضح انتهاك السيادة التي استتبعها الإغتيال.

بالنسبة إلى ترامب، فهو عالق مع المشكلة عينها التي واجهها قبل ضربة يوم الجمعة.

الولايات المتحدة ليست أقرب إلى “الصفقة الجديدة” التي تم وصفها كثيراً مع إيران، والتي تَفاخَر الرئيس الأميركي بأنها ستفوق تلك التي تفاوض عليها سلفه. مهما كانت بقايا الديبلوماسية الباقية، فقد انهارت بسرعة.

في هذه الأثناء، في الوقت الذي أثارت عقوباته غير المسبوقة اضطرابات داخل إيران، فقد حصلت النخبة السياسية الآن على جرعة إنعاش حيوية. إن اغتيال سليماني، الذي اقتربت مكانته من وضع الأيقونة الوطنية، سيُصَلِّب المشاعر الشعبية ضد الولايات المتحدة ويُعيد دعم النظام في وقت واحد.

على الرغم من كل صراخه بشأن الضربة الحاسمة التي وُجِّهت لعدو وقح، فقد يكون ترامب على وشك اكتشاف أن مشكلة الشهداء هي أنهم يعيشون إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى