حرب الجمهورية الإسلامية على النساء

أعطى إنتخاب حسن روحاني لرئاسة الجمهورية زخماً جديداً للنسوة المسلمات المتدينات في إيران – ولكن يبدو أن الملالي لا يريدون قبول ذلك. التقرير التالي يسلط الضوء على الحرب الخفية التي يشنها المتشددون على النساء.

شهيندوخت مولاوردي: "إسلام المساواة"
شهيندوخت مولاوردي: “إسلام المساواة”

بقلم زيبا مير – حسيني *

بدأت المكالمات الهاتفية قبل نحو سبعة أسابيع. رجالٌ لم يُعرِّفوا عن أنفسهم، يعملون في وكالات الأمن الإيرانية، إتصلوا هاتفياً بأبرز النساء الناشطات في مجال حقوق المرأة في البلاد وطالبوهن بالحضور للإستجواب. وقد قيل لكل الناشطات الشيء عينه: “لا تُخبرَنّ أحداً بأننا إتصلنا بكنّ ودعوناكنَّ إلى هنا. لا تتحدّثنَ إلى وسائل الإعلام، ولا تتنفسنَ بأي كلمة لأحد”. ولكن الكلام تسرب إلى العلن، أولاً في دوائر طهران النسوية ثم بين النشطاء السياسيين، الذين كانوا يتبادلون حوارات الإستجوابات وخطوط الأسئلة.
إن حملة القمع التي شنتها الحكومة الإيرانية على النساء، والتي هي حملات تخويف دورية تمارسها الجمهورية الإسلامية ضد الناشطات في مجال حقوق المرأة، لا تزال جارية. ولكن التكرار الحالي ليس مجرد صراع دفعٍ وسحبٍ بين الحكومة والمجتمع المدني، أو بين الرقابة وأبرز مجلة نسائية محلية – إنها معركة بالوكالة بين رئيس الجمهورية والمتشدّدين في البلاد.
نشطاء إيران في مجال حقوق المرأة، سواء كانوا من رجال الدين أو العلمانيين، إستغنموا الفرصة التي منحها إنتخاب الرئيس حسن روحاني في العام 2013 ليخرجوا من مخابئهم وينخرطون من جديد في الحياة العامة. وقد إستجاب الحرس الثوري والمؤسسة الدينية من طريق بث إتهامات عن “مؤامرة نسائية” واسعة النطاق لتقويض الجمهورية الإسلامية، التي تموّلها جهات مانحة غربية غنية، فصّلتها وأعدّتها فكرياً نساء أكاديميات في الخارج، ونفّذتها نساء داخل إيران – وحتى داخل مجلس وزراء رئيس الجمهورية.
كانت السلطات الدينية والعسكرية الإيرانية دائماً حذرة من النشاط النسائي، سواء كان من طريق “النسوة” العلمانيات أو دعاة “العدالة بين الجنسين” من رجال الدين. مع ذلك، فقد غضبت خاصة من الحركات النسائية الإسلامية المحلية في إيران، التي تعمل من أجل المساواة بين الجنسين من منظور ديني، مجادِلةً ومناقِشةً الأمر من خلال قراءات تقدّمية ومنفتحة للقرآن والفقه، أو الشريعة الإسلامية، من أجل مشاركة نسائية أكبر في سوق العمل وتحقيق أفضل الضمانات القانونية. ويشكّل “إسلام المساواة” هذا تهديداً خاصاً للمتشدّدين، لأنه يتحدّى، من داخل التراث الإسلامي، تفسيرهم المُحافِظ للنصوص المُقدّسة التي كانوا إستثمروها كثيراً منذ الثورة.
لهذا السبب شعر المتشدّدون بالقلق إثر تعيين روحاني ل”شهيندوخت مولاوردي”، التي كان “إسلام المساواة” أساسها الفكري، نائبة له لشؤون المرأة. كانت مولافيردي الورعة، التي تخرّجت وتدرّبت كمحامية، ناشطةً خلال فترة رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي 1997-2005، حيث ساعدت على توسيع شبكة إيران في مجال المنظمات النسائية غير الحكومية. وقد أمضت سنوات محمود أحمدي نجاد الخانقة في العمل مع المجتمع المدني. كانت وجهات نظرها تقدّمية، ولكن تصميمها على العمل داخل النظام السياسي الإيراني جعلها ديبلوماسية للغاية. على سبيل المثال، لم تُعلِن عن نفسها صراحة بأنها ناشطة نسائية. عندما سُئلت خلال إجتماع للإمم المتحدة في نيويورك لماذا لم تنضم إيران بعد إلى إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، كان جوابها غير واضح تماماً. قالت أن هناك بعض الفصائل في إيران، كما هو الحال في الولايات المتحدة، عارضوها بشدة وأفادت بأن هناك طرقاً أخرى سوف تسلكها حكومتها لتعزيز حقوق الإنسان للنساء.
منذ تولي مولاوردي منصبها، فقد منحتها الميول الدينية التي تتمتع بها درجة من الحماية التي تفتفر إليها النسوة العلمانيات الناشطات تماماً، لكنها واجهت هجومات من المتشددين كزميلاتها. فقد إعترضت المواقع الإخبارية المُحافِظة على تعيينها، وإتهمها المتشدّدون في المؤسسات الدينية والعسكرية بتقويض القيم الإسلامية من خلال تشجيع النساء على العمل. كما إعتبروا تعاونها مع الناشطات في مجال حقوق المرأة، وموقفها من إنتخابات العام 2009، وحتى أطروحتها الماجستير عن العنف ضد المرأة، قضية ومشكلة. بالنسبة إلى المؤسسة المحافظة والمتشدّدة، كانت تشكل تهديداً واضحاً: فهي تتمتع بشعبية عالية، وفعّالة جداً، وتتواصل وتترابط شعبياً أيضاً. حتى أنها قد أثارت غضبها لأنها تمكنت من أن تصبح أول امرأة في إيران تحصل على ترخيص لتشغيل مكتب كاتب العدل، وهو إمتياز يتمتع به رجال الدين منذ أوائل القرن ال20.
وتزايدت مشاعر القلق لدى المؤسسة المحافظة بسبب النجاحات التي حققتها مولاوردي في منصبها. لقد أدّى هدفها لتشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية إلى ما سمّاه المتشددون ال”جنسنة” (نسبة إلى الجنسين) في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، في شباط (فبراير). وفي تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، أعلن تحالفٌ من الناشطات، مع تشجيع ودعم من مولاوردي، في مؤتمر صحافي عن إطلاق “حملة لتغيير الوجه الذكري للبرلمان” من خلال دعوة المزيد من النساء إلى الترشح للإنتخابات. من جهتهم كان للإصلاحيين الإيرانيين إجتماعاتهم الخاصة المنفصلة، حيث طالبوا، من بين أمور أخرى، بحصة 30 في المئة للنساء. وهذا الدفع إلى إحياء المجتمع المدني أعطى ثماره. فقد إجتاح المعتدلون التابعون لروحاني طهران، وفازوا بكل المقاعد البرلمانية ال30، وبين هؤلاء المشرّعين الجدد، كانت هناك ثماني نساء. في جميع أنحاء البلاد، كان هناك إرتفاع بلغ أربعة أضعاف في عدد النساء اللواتي ترشّحن للإنتخابات البرلمانية، الأمر الذي أدّى إلى مضاعفة عدد النائبات.
تلك الإنتخابات، وإرتباط مولاوردي بها، أغضبا المتشددين في إيران. وقد إستجابوا بصب جام غضبهم على مجلة تابعة لإحدى حليفاتها، الناشرة الأسطورية شهلا شركت.
“زنان –إي- إمروز” (Zanan-e Emrooz ) هي إعادة إطلاق ل”زنان”، المطبوعة التي،على مدى سنوات تسعينات القرن الفائت والعقد الماضي، جلبت قضايا المرأة إلى الحوار الوطني في إيران من طريق دعوة الناشطات الدينيات والعلمانيات. ونشرت قصصاً ومواضيع عن كل شيء من وظائف التجسس إلى العنف المنزلي، جاعلةً قضية المساواة بين الجنسين قضية إسلامية تماماً. كانت نوعاً من مجلة السيدة بمسحة دينية، وهي مطبوعة غير عادية قلَّ مثيلها في الشرق الأوسط. ولم تكن مجرد منتدى للناشطات مثل مولاوردي – بل جعلت الحقوق القانونية والسياسية للمرأة إهتماماً وهمّاً للمرأة العادية في جميع أنحاء البلاد. على الأقل حتى جاء الرئيس أحمدي نجاد وأمر بإغلاقها في العام 2008، متّهماً المجلة ب”تسويد” البلاد ونشر التشاؤم.
من ناحية أخرى، أُطلِقت “زنان -إي –إمروز” في العام 2014 في أعقاب إنتخابات روحاني. وقد نشرت الطبعة الأولى مجموعة من الطبيبات البيطريات الإناث مبتسمات على الغلاف تحت عنوان، “نحن سعيدات بهذا الاختيار”، تاركةً الأمر غامضاً عن عمد سواء كان ذلك إشارة الى إكتفاء وسعادة الطبيبات البيطريات بإختيار المهنة، أو أن الحركة النسائية هي سعيدة بإنتخاب روحاني. في إفتتاحيتها الإعلانية عن الولادة الجديدة للمجلة، كتبت شركت بأنها مرة أخرى تشعر كما لو كان هناك أمل، وذلك بعد سنوات من الصمت، والصحافيون مثلها يعتقدون أنه يمكن أن يكون لهم صوت. “إننا نعلم بأنهم سوف يحاولون صدنا، ولكن ليس لدينا خيار آخر”، كتبت. وقد أدّى عدد تشرين الأول (أكتوبر) الصفيق من ذلك العام، عن صعود “الزواج الأبيض”، والمعروف بتعايش رجل وإمرأة معاً من دون زواج رسمي، إلى إغلاق مؤقت، ولكن سرعان ما إستأنفت أسلوب سابقتها الذي تميز بإرتفاع وإنخفاض النقاش النسوي.
وكان عدد شهر شباط (فبراير) نقطة تحوّل مصيرية. لقد نشر مقابلة مع الأكاديمية الإيرانية – الكندية حوما هودفار، الأنثروبولوجية التي تتمتع بتقدير كبير في مونتريال. ركّزت المقابلة على كتابها الأكاديمي الأخير، “السياسة الإنتخابية: جعل الحصص تعمل لمصلحة المرأة”، والتي ناقشت فيها البحوث حول المرأة والإنتخابات التي جرت في مختلف البلدان وغذّت النقاش الإيراني الحيّ حول حصص النساء في البرلمان.
لم يكن نقاشاً يميل المتشدّدون إليه. سافرت هودفار إلى إيران في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وعادت إلى كندا، حيث قالت لأصدقاء أن المزاج كان إيجابياً ومؤمّلاً وأنها كانت متفائلة بشأن التقدم المحرز في ظل روحاني. ولكن بعد عودتها إلى طهران في شباط (فبراير) خلال دورة الإنتخابات البرلمانية، داهمت السلطات شقتها قبل اليوم المحدد لمغادرتها. صادر رجال الأمن جواز سفرها، وكمبيوترها المحمول، وهاتفها النقال. بعد سلسلة من الإستجوابات تم إعتقالها في 6 حزيران (يونيو). وبعد شهر، أعلن المدعي العام في طهران أنها، جنباً إلى جنب مع ثلاثة إيرانيين آخرين يحملون جنسية مزدوجة، قد إعتقلت لكنه لم يحدّد الأسباب.
بعد فترة ليست طويلة على إعتقال هودفار، بدأت مواضيع تنتشر على مواقع تابعة للحرس الثوري. إدّعى أحد المواضيع، بأن هودفار عميلة خارجية. ونُشر موضوع آخر بعد يوم لاحق يُظهر مخططاً بيانياً لمعلومات مُفصَّلة تُظهر الروابط المالية المزعومة بين هيئات التمويل في الغرب وأجهزة “مؤامرة نسوية” التي تدعمها. لقد زعموا بأن بحثها كان جزءاً من مؤامرة مترامية الأطراف، وشبكة دولية مدعومة بتمويل أجنبي تسعى إلى إختراق المجتمع والحكومة الإيرانيين. لم يمضِ وقت طويل بعد ذلك حيث بدأ النظام إستخدام هودفار وإتصالاتها الخارجية لتشويه سمعة الشخصيات المؤثّرة في الحركة النسائية في طهران. وقد تلقى العديد من هؤلاء المكالمات الهاتفية المشؤومة التي تأمرهم بالحضور للإستجواب.
إن ربط نقاط وعُقَد المؤامرة تؤدي في النهاية إلى إدارة روحاني نفسها. يستشهد المتشدّدون بغضب بمحاولات حكومته وقف سياسات الجنس التي أطلقها أحمدي نجاد، مثل فرض الحظر على دراسة موضوعات معيّنة للمرأة في الجامعات، والحدّ من ساعات العمل المسموح بها، وصرامة اللباس. ويدّعي المتشدّدون بأن جهود إدارة روحاني ترعاها وتقودها شبكة تآمرية مع مولاوردي في وسطها. ونشرت مقالات على المواقع المحافظة التابعة للحرس الثوري تعدد نواياها وأعمالها الخطرة. إن هدف مولاوردي لتمكين المرأة من المشاركة على نطاق أوسع في الإقتصاد، ومبادراتها في مجال التوظيف المُستدام، “تتماشى مع النساء الناشطات اللواتي ترغبن في دفع النساء للخروج من العائلة، إلى المجتمع، والإبتعاد عن الطريق الصحيح”. من خلال “صنع نموذج للمرأة السياسية بأنها ناجحة”، فهي تشوّه الصورة التقليدية الشريفة للمرأة الريفية في البلاد. (لم يرد ذكر أن إيران كانت دولة ذات غالبية حضرية منذ العام 1979). إن التركيز المُفرط على العنف المنزلي، والإغتصاب، والعنف ضد المرأة الذي يمارسه تنظيم “الدولة الإسلامية” “يشوّش العقل العام”، يزعم موقع إخباري. في نهاية المطاف، تسعى مولاوردي إلى “تغيير نمط الحياة للمرأة من خلال تغيير القوانين وصقل وتقليل الجوانب الدينية التقليدية للإسلام”.
ولعل الأبعد إحتمالاً، في نظرية المؤامرة التي نسجها المتشدّدون، هو أن النساء الناشطات في الشتات هنّ العقول – والأموال – وراء النسوة الناشطات محلياً في إيران. إذا كان هناك شقاق أو كسر كبير واحد في عالم الحركة النسوية الإيرانية، على الصعيدين المحلي وفي الشتات، فإنه بين الناشطين السائدين في مجال حقوق المرأة، الذين هم على إستعداد للعمل مع الإسلام إما جرّاء الإيمان أو للإنتهازية السياسية، وأولئك الذين هم علناً معادون للإسلام ومشروع إشمئزاز من الإيمان كالناشطة النسوية الصومالية الأصل أيان هيرسي علي. وتطور بعض النساء الناشطات إلى هذا الموقف المتطرف ضد الدين يعكس يأسهن خلال سنوات من القمع الشديد بإسم الإسلام. لسنوات تسامحت الدولة فقط مع نضال النساء المتدينات وإستهدفت العلمانيات مع عنف خاص؛ مع قمع “الحركة الخضراء” في العام 2009، نما عدوان الدولة بشكل شديد لدرجة أن بعض النساء تخلّى عن الأرضية الوسطية تماماً.
إن الفكرة بأن نساء الشتات الناشطات المعاديات للإسلام يمكن أن يكنّ ضالعات بشكل عميق في مؤامرة مع أكاديميين مثل هودفار، التي كانت محط إنتقادات بسبب ما إعتبر “وجهات نظر مؤيدة للإسلام والمنح الدراسية”، أمر لا يمكن تصوره. هؤلاء النسوة المنشقّات، اللواتي قطعن منذ فترة طويلة العلاقات الحقيقية مع حركة المرأة السائدة داخل البلاد، هن النوع من الشخصيات التي يرغب النظام الإيراني في تعطيل تمثيلها النسوي: عدم الإحترام عمداً للحساسيات الدينية ومتورطة بكل معنى مع المؤسسات المانحة. إن إدراجهن وبث الإشاعات المغرضة حولهن، يقول نشطاء المرأة، يهدف إلى تشويه مصداقية مولاوردي وغيرها بالروابط والعلاقات.
ظهر العدد الأخير من مجلة “زنان-إي-إمروز” في حزيران (يونيو). وفي تموز (يوليو)، ظهر خبر على موقعها على الإنترنت يعلن أنها توقفت عن النشر مرة أخرى حتى إشعار آخر. كان الإغلاق “بسبب بعض المشاكل”، ولكنها لم تقدم أسباباً أخرى. كانت شركت بين أولئك النسوة الناشطات اللواتي إستدعين لإستجواب منتظم بعد إعتقال هودفار.
من جهتها، لم تُحدث حكومة روحاني تقدماً يُذكر بالنسبة إلى السياسات التقدمية بين الجنسين، وتركّز مولاوردي ومؤيدوها من الناشطات في معظم الأحيان على إعادة تأسيس أنفسهن كجزء من الحوار الوطني. إن العمل الصعب لتصحيح التشريعات التي صدرت في عهد أحمدي نجاد ما زال قائماً. ولكن حتى في ضوء تواضع أهدافهن، فإن المتشددين يبدو أنهم مصممون على سحق عودتهن للظهور. إن إضطهاد شخصيات بريئة مثل هودفار يبدو على نحو متزايد وكأنه جزء من خطة مُنسّقة من قبل المتشددين لتقويض فرص إعادة إنتخاب روحاني في العام المقبل.
حتى الآن، ظلت حكومة روحاني صامتة وهادئة بالنسبة إلى التحرش المتخفي ضد الناشطات، ولكن مع إقتراب الانتخابات الرئاسية في العام 2017، سوف يكون بحاجة إلى أن يقول شيئاً لإقناع النساء في إيران بأنه لا يزال إلى جانبهن.

• زيبا مير -حسيني هي أستاذة أنثروبولوجيا متخصصة في قانون الأسرة الإسلامي.
• المقال كُتب بالإنكليزية، وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى