تداعياتُ الزلزال تَقلُبُ توازنات المنطقة وتَفتَحُ باب التسويات

عرفان نظام الدين*

لا شكَّ في أن تداعيات زلزال تركيا وسوريا لم تقتصر على المآسي البشرية والدمار الشامل فحسب بل تجاوزتها، رُغمَ هول الكارثة وحجم الخسائر، إذ أنها زلزلت المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، وستبقى آثارها لعشرات السنين؛ ولا شكَّ في أنَّ الخاسر الاكبر اليوم هو الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي خرج مُثخَنًا بالجراح وهو على بُعدِ أشهُرٍ قليلة من انتخاباتٍ مصيريّة حاسمة، ما دعا البعض إلى المُطالبة بتاجيلها. والخاسر مع الرئيس الطموح هو تركيا التي كان يسعى إلى تحويلها إلى إمبراطورية كُبرى وإحياء الخلافة الاسلامية.
إلّا أنَّ هذا الهدف بات صعب المنال مثله مثل الحرب على الأكراد التي بدأها ثم جمّدها تحت الضغوط ولا اعتقد انها ستقوم لها قائمة مع الوضع المأساوي والخسائر الاقتصادية الضخمة والدمار الذي يحتاج الى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار، وهو ما سيُثقل كاهل الاقتصاد والشعب.
ولا يُمكنُ الآن حَصرُ الخسائر بانتظار جلاء الموقف، لكن هذه المُتغيّرات حتمية وتستدعي اتخاذ قراراتٍ مؤلمة مثلها. مثل قرار التخلي عن مشروعه الإسلامي، وتدخّله في شؤون المنطقة وصولًا إلى ليبيا التي أرسلَ قوّاته إليها. وهذا سيُريح مشروع إيران في سوريا ولبنان والعراق وغيرها بتراجع نفوذ تركيا الدولة السنّية القوية.
أما أوضاع اللاجئين السوريين فلا بدّ أن تتأثّر بالتداعيات، لأنَّ تركيا لن تتحمّلَ أعباءَ إقامتهم والتبعات السياسية علمًا أنَّ هناك أكثر من مليوني لاجئ داخل الأراضي التركية، إضافةً إلى مليون مُقيم. وفي المقابل، هناك أكثر من مليون لاجئ ونازح ومواطن في مناطق وجودهم في إدلب وغيرها، وهم تحت وصاية الأتراك ومسؤولين عن نفقاتهم خصوصًا وأنَّ الزلزال ضرب المنطقة ولم يحصلوا على دعمٍ دولي وعربي أسوة بسوريا وتركيا. وهذا يعني ان ورقة اللاجئين الذين يعانون من لامبالاة ستكون على طاولة أيِّ حوار سيجري بين سوريا وتركيا حول حلِّ الخلافات وشروط الحلّ المُقتَرَح من روسيا حسبما كان يتردّد قبل الكارثة.
ورُغمَ هول الأضرار فقد فُتِحَت نافذةُ أمل بإرسال الدول العربية والأجنبية مساعدات لسوريا، وجاء قرار الرئيس الأميركي جو بايدن برفع الحظر عن سوريا لتسهيل وصولها خلال ١١٨٠ يومًا يُجَمَّدُ فيها قانون قيصر. ورُغمَ عدم اتّضاح صورة الخطوة التالية فان من المنطقي ان يتبعها فتح باب الحوار العربي والدولي لإيجاد حلٍّ للأزمة السورية تضع نهايةً للحرب التي اشتعلت في العام ٢٠١١ والمعاناة الإنسانية، خصوصًا وأنَّ تركيا مضطرة للقبول، كما إنَّ سوريا خرجت من الزلزال بعد سنوات الحرب متعبة وتحتاج الكثير من الدعم لإعادة الإعمار.
وروسيا نفسها تُشجّعُ مبادرة الحلّ بسبب حرب أوكرانيا، كما إنّها تحتاج إلى وضعٍ مستقر لسوريا للتعويض عن انحسار الضغظ التركي وعدم السماح لإيران باستغلال الفرصة لتعزيز نفوذها.
إنها بانوراما للوحة رسمها الزلزال لأوضاعِ المنطقة تعطي نظرةً إيجابية لولادة الأمل من بين الأنقاض رُغمَ المخاوف التي تُحذّر من تعقيداتٍ إسرائيلية وغيرها تُوتّر الأجواء وتستغلّ الفرصة لتحقيق مطامعها رُغمَ أنها كانت بعيدة من الزلزال تُراقِبُ وتسترقّ السمع بحثًا عن منفذ لها.

وأختم بالدعوة لنصرة إخواننا أينما كانوا والدعاء بأن يرحمَ الله الضحايا ويسكنهم فسيح جناته.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى