كَيفَ يُمَهّدُ رئيس لبنان ميشال عون طريق بعبدا أمام صهره جبران باسيل

بقلم مايكل يونغ*

مع استمرار تعثّر عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، يُحاول الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل ضمان تشكيل حكومة جديدة تسمح لهما تنفيذ أجندتهما السياسية. وهذا الأمر ينطوي على هدفين أساسيين: إنقاذ حطام رئاسة عون أو ما تبقّى منها، وضمان أن يصبح باسيل في العام 2022 رئيس الجمهورية المقبل.

الرئيس سعد الحريري، الذي تمّ تكليفه في تشرين الأول (أكتوبر) بتشكيل حكومة، لم يتمكّن حتى الآن من التوصل إلى اتفاقٍ مع عون وباسيل بشأن بعض الحقائب الوزارية. في العادة، بموجب اتفاق الطائف المُوَقَّع في العام 1989، الذي تم دمج فقراته في الدستور، فإن رئيس الوزراء المُكَلَّف “يُوقِّع مرسوم تشكيل الحكومة مع رئيس الجمهورية”. إلّا أن عون أعاد تفسير هذا البند الغامض للتفاوض بشكل أكبر حول خيارات الحريري الوزارية.

قبل أن يختار البرلمان الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة، حذّر رئيس الجمهورية ضمنياً من أنه سيدافع عن مصالحه وصلاحياته في عملية تشكيل الحكومة. جاء ذلك بعد أن أجبر “حزب الله” عون، بشكل أساس، على المضي قدماً في المشاورات البرلمانية التي أدّت إلى تكليف الحريري بتشكيل الحكومة. كان الرئيس عون يُفضّل التوصّل إلى توافقٍ على شكل الحكومة قبل تعيين الحريري.

منذ ذلك الحين، ناضل عون وباسيل بقوة من أجل السلطة والتحكّم في شكل الحكومة الجديدة، ويرجع ذلك أساساً إلى خشية كلاهما من أنهما قد يدفعان أعلى ثمن للإستياء الشعبي الواسع النطاق ضد الكارتل السياسي في لبنان. إن مطالبهما مؤشّرٌ جيد على استراتيجيتهما للعامين المُتبقّيين من ولاية عون. وقد طالب الأخير وصهره باسيل بوزارتي العدل والداخلية، بالإضافة إلى ما يُعرف بـ “الثلث المُعطّل” – وهذا يعني أن عدداً مُعيّناً من الوزراء الموالين لهما يمكن أن تؤدي استقالاتهم إلى سقوط الحكومة.

المطالبة بوزارة العدل هي إشارة إلى أن عون ينوي استغلال السنتين المتبقّيتين من ولايته لفتح ملفات فسادٍ ضد أعدائه السياسيين. وبهذه الطريقة يمكن أن يؤكد أنه رجلٌ نزيه يُحارب خصوماً سياسيين مشبوهين لم يسمحوا لرئاسته بالنجاح. من غير المرجح أن ينجح مثل هذا الجهد، خصوصاً وأن نزاهة باسيل هي موضع شك كبير، لكنه سيسمح لعون إنشاء سرد بديل عن الفترة الكارثية التي قضاها في المنصب.

السيطرة على وزارة الداخلية، بدورها، تعني أن عون وباسيل سيكونان مسؤولَين عن تنظيم الإنتخابات البلدية والبرلمانية في العام 2022. ومن الضروري بالنسبة إليهما التأكد من أن هذه الانتخابات لا تؤكد فقدان شعبيتهما، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض طموحات باسيل الرئاسية.

أما ما يسمى بـ “الثلث المُعطّل”، فيبدو أن عون وافق على التخلي عنه، لأن “حزب الله” طلب منه ذلك. كان التفكير وراء الطلب هو أن يقوم باسيل بإسقاط الحكومة قبل نهاية ولاية عون، والإنخراط في ابتزاز سياسي من خلال عدم السماح بتشكيل حكومة جديدة حتى يدعم كبار السياسيين في لبنان انتخابه رئيساً.

الوجه الثاني لخطة عون وباسيل هو إعادة تنشيط الرئاسة، من أجل عكس بعض التغييرات التي أحدثها إتفاق الطائف، والتي حدّت من صلاحيات الرئيس المسيحي الماروني. وبهذه الطريقة يُمكن للرجلين أن يُجادلا بأنهما أعادا السلطة إلى الموارنة. لذلك، يمكن أن يصور باسيل نفسه على أنه بطل مُجتَمَعي يستحق الرئاسة.

أحد الجوانب المركزية لهذا الجهد هو حصول عون على حق النقض (الفيتو) الفعّال بالنسبة إلى التشكيلات الوزارية المُقتَرَحة من قبل الحريري. وبما أن توقيعه ضروري لتشكيل الحكومة، فإن رئيس الجمهورية لديه أصلاً حق النقض الضمني. لكن في الوقت عينه، لا يوجد شيء في الدستور ينص على أن رئيس الجمهورية يمكنه تشكيل الحكومة مع رئيس الوزراء المُكلَّف، وهو ما يفعله عون حالياً.

في هذا الوضع هناك مشكلتان. أولاً، الدستور غامض، ولا توجد هيئة قضائية مُستقلة وذات مصداقية في لبنان لحلّ الغموض الدستوري. وثانياً، إتفق الحريري مع الحزبين الشيعيين الرئيسيين، “حزب الله” و”حركة أمل”، على احتفاظ الشيعة بوزارة المالية والموافقة على أسماء الوزراء الشيعة في الحكومة العتيدة. وبهذه الطريقة حاصر نفسه، وفتح الباب لعون ليقول إنه هو الآخر يجب أن يشارك في تشكيل الحكومة.

إلى متى يُمكن أن تستمر هذه الألعاب السياسية بينما لبنان يتفكك اقتصادياً؟ تشير الدلائل إلى أن “حزب الله” يريد تشكيل حكومة في القريب العاجل، لأسباب متنوعة بما فيها الإستياء المتزايد داخل المجتمع الشيعي. في الوقت عينه، لا يريد الحزب الإنحياز لأيِّ طرف في الخلاف بين الحريري وعون لتجنّب الإضرار بعلاقاته مع أيٍّ من الرجلين. لقد ضغط “حزب الله” من أجل الإنتهاء من تشكيل حكومة بأسرع ما يمكن، وقد يدفع بقوة أكبر بعد العام الجديد.

لن يُغيِّر هذا حقيقة أنه إلى أن يترك عون منصبه، سيستمر باسيل استخدام جميع الأسلحة الموجودة تحت تصرفه لفرض نفسه خَلَفاً لوالد زوجته. ليس من المؤكد على الإطلاق أن “حزب الله” سيسمح له القيام بذلك، لأنه قد يوقع الحزب في شرك دعمه عندما يكون لديه تفضيلات أخرى. والأمر المُثير للصدمة هو أن اللبنانيين الذين يفقرون بشكل متزايد، والذين يعانون أكثر من غيرهم، يبدو أنهم هامشيون تماماً في حسابات السياسيين.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى