الجليد الديبلوماسي يذوبُ في الخليج، ماذا يعني ذلك للمنطقة؟

ماذا تعني عودة سفيرَي دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت أخيرًا إلى طهران؟ هل هناك تنسيق خليجي للحوار مع إيران حول مستقبل المنطقة؟

وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان يستقبل سفير الكويت الجديد بدر عبدالله المنيخ: عاد الأخير بعد ست سنوات من القطيعة الديبلوماسية.

جيرالد فيرستين*

الإعلان في منتصف آب (أغسطس) الماضي عن إعادة كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة والكويت سفيريهما إلى طهران بعد ست سنوات يوفّر أحدث مؤشّرٍ إلى أن الجليد الديبلوماسي في منطقة الخليج بدأ يذوب. التقارير التي تُفيد بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد اقترح لقاء وزيرَي الخارجية السعودي والإيراني في بغداد تُعطي دليلًا آخر على حدوثِ تحوّلٍ في الرياح السياسية الإقليمية.

بالطبع، لم يكن أيٌّ من هذه التطورات مفاجأة. لقد انخرطت دولة الإمارات في حوارٍ مع الإيرانيين على الأقل منذ العام 2019 وأوضحت في حينه أنها كانت تبحث عن فُرَصٍ لتقليل وتخفيض مخاطر الصراع في المنطقة. في الواقع، في ذلك الوقت، أوضح الإماراتيون بأن قرارهم بسحب قواتهم من الصراع الأهلي اليمني (ولكن ليس من مشروع مكافحة الإرهاب) كان “إشارة” لإيران إلى رغبتهم في إزالة مصدرٍ للخلاف الثنائي. وقد استعرض المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش قرار أبوظبي، إعادة سفيرها سيف محمد الزيبي إلى طهران، في تصريحاتٍ للصحافة عشية اجتماعات الرئيس جو بايدن في منتصف تموز (يوليو) مع قيادة مجلس التعاون الخليجي في جدة.

وبالمثل، على الرغم من أن الكويت سحبت سفيرها من إيران في العام 2016 –تضامنًا مع السعوديين، في أعقاب الهجوم على سفارتهم في إيران– فإن الكويتيين قد اتّبعوا منذ فترة طويلة سياسةً مُعتدلة تجاه النظام الإيراني. ولهذا، كلّفهم مجلس التعاون الخليجي بمهمة الإنخراط مع طهران وبذل الجهود اللازمة لفتح التواصل وحل القضايا العالقة بين الإيرانيين ودول الخليج العربي. من جانب آخر، على الرغم من عدم وجود مؤشر حتى الآن إلى أن السعوديين على استعداد لإرسال سفيرٍ لهم إلى طهران، وهو الأمر الذي يعترفون بأنه أولوية إيرانية، فإن رغبة الرياض في الحفاظ على حوارها مع الإيرانيين بوساطة عراقية، بل ورفع مستواه، هو مؤشّرٌ على اهتمامها بخفض التوترات. ومن شبه المؤكد أن هذا الأمر كان يُنظَرُ إليه في الكويت وأبو ظبي على أنه ضوءٌ أخضر لمتابعة تواصلهما الخاص.

عدم اليقين بشأن قوّة الالتزام الدفاعي والأمني ​​الأميركي تجاه المنطقة –لا سيما في ضوء انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني وكذلك الهجمات الإيرانية، المياشرة أو عبر وكلائها، على الأصول الإماراتية والسعودية في العام 2019، والتي واجهت ردَّ فعلٍ أميركيًا فاترًا– ساهم بلا شك في قرارات دول الخليج بالانفتاح والتعامل مع الإيرانيين. لكن هذا ليس التفسير الوحيد للرغبة الإقليمية في “طي الصفحة” لعقودٍ من الحرب الباردة مع الجمهورية الإسلامية. لقد أدّى الوباء العالمي، والضغط من أجل تلبية المطالب السياسية والاقتصادية المحلية، والحاجة إلى تعزيز التنويع الاقتصادي، معًا، إلى تركيز قيادات دول الخليج على المشاكل في الداخل بدلًا من تحديات السياسة الخارجية. علاوة على ذلك، على الرغم من أن اتفاقات أبراهام (الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والبحرين مع إسرائيل) ومنتدى النقب اللاحق (الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، والولايات المتحدة، والمغرب، ومصر، والبحرين) يُنظر إليهما على نطاق واسع على أنهما ترسيخٌ لتحالفٍ إقليمي أوسعٍ “مُناهض لإيران”، فإن الإماراتيين، على وجه الخصوص، لم يكونوا أبدًا مُتحمّسين لوصف تطبيع العلاقات مع إسرائيل كخطوةٍ تستهدفُ إيران بشكلٍ صريح. في الواقع، أكد الإماراتيون بشكلٍ عام على الفوائد الاقتصادية والتجارية التي تعود على القطاع الخاص من خلال التعاون مع إسرائيل.

في ضوءِ هذه الخطوات لتقليل التوتّرات مع إيران، فإن المدى الذي يُمكنُ أن يفتحَ فيه تحسّنُ العلاقات المُحتَمَل البابَ أمام حلِّ مشكلةٍ أوسع هو سؤالٌ مفتوح. إن إعادة فتح العلاقات الديبلوماسية الكاملة يُلبّي أحد مطالب إيران الثابتة بمعالجة المشاكل الإقليمية في المنتديات الإقليمية، أي بدون وجود الولايات المتحدة. ولكن، لا يزال من غير المُحتَمَل أن تكون إيران مُستَعدّة لمعالجة قضية برامج الصواريخ الباليستية لديها التي تشكّلُ مصدر قلق إقليمي، إذ أنَّ الإيرانيين يعتبرونها رادعًا ضروريًا ضدّ كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن التطبيع الديبلوماسي يعمل إلى حدٍّ ما على تحسين احتمالية أن تكون إيران مستعدة للعبِ دورٍ بناءٍ في معالجة المصدر الثاني للتوتر الإقليمي: دعمها الجهات الفاعلة غير الحكومية لزعزعة استقرار الجوار، وبخاصة الحوثيين في اليمن. وقد قال السعوديون باستمرار أنهم لم يُناقشوا مع إيران الصراع في اليمن، والذي يجادلون بأنه مسألة داخلية للدول العربية وحدها لحلها. ما يبقى غير واضح أيضًا هو مدى تأثير إيران في قيادة الحوثيين. في حين أن الحوثيين سيشعرون بالتأكيد بأنهم مُضطَرّون إلى إيلاء اهتمام دقيق للنصائح الإيرانية، لم يكن واضحًا أبدًا ما إذا كانت إيران تمتلك القدرة أو الاستعداد لفرض قرار حوثي لإنهاء الصراع في غياب رغبة الحوثيين للقيام بذلك. ولكن، إن وضع طهران إبهامها إلى جانب الحلّ السياسي للصراع المستمر منذ ما يقرب من ثماني سنوات من شأنه أن يُحسِّنَ احتمالات نجاح المفاوضات.

المزيد من التخفيض في التوترات الإقليمية الخليجية يوفر أيضًا بصيصًا إيجابيًا محتملًا لإدارة جو بايدن مع اقترابها من نهاية مفاوضاتها التي استمرت لمدة عام حول العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. لطالما كان يُنظَرُ إلى سعي إيران لامتلاك قدرة أسلحة نووية، على عكس برامج الصواريخ الباليستية، على أنه أقل تهديدًا لدول الخليج من تهديده لإسرائيل. ومع ذلك، فإن المعارضة السعودية والإماراتية الصريحة لخطة العمل الشاملة المشتركة عندما تم التفاوض عليها في العام 2015، على أساس أنها فشلت في معالجة جميع جوانب أنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، تسببت في مشاكل سياسية داخلية لإدارة باراك أوباما. بافتراض أن العلاقات الديبلوماسية التي أُعيدَ تأسيسها حديثًا بين طهران وجيرانها الخليجيين توفّرُ فرصًا لمناقشة المخاوف الإقليمية عبر القنوات الثنائية، فمن المحتمل أن عدم الرضا عن قرار إدارة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي لن يتم التعبير عنه أو، على الأقل، يكون بالصمت.

  • جيرالد فيرستين هو سفير أميركي متقاعد، ونائب أول للرئيس وزميل بارز في الديبلوماسية الأميركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.
  • كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى