هل الأردن يُريد الضفة الغربية؟

في ظل ما يحصل من عمليات تطبيع عربية مع إسرائيل تطفو إلى السطح مطالبات بإعادة الضفة الغربية إلى الأردن وفقاً لقراري مجلس الأمن الدولي 242 و338، ولكن هل الأردن يُريد حقاً الضفة الغربية؟ وما هي تداعيات ذلك على وضعه الداخلي والقضية الفلسطينية؟

 

الملك حسين: فك إرتباط الأردن مع الضفة الغربية الذي أعلنه لم يكن دستورياً

 

بقلم مايكل شارنوف*

في تموز (يوليو) 1988، تخلّى الملك حسين عن مطالبة الأردن بالضفة الغربية التي احتلّها وحَكَمها من العام 1949 إلى العام 1967. في العام 2010، أيّد نجله وخليفته الملك عبد الله الثاني هذا الموقف. لكن على مدى العقد الفائت، دعا مسؤولون ومُعلِّقون أردنيون بارزون بشكل متزايد إلى دور أردني مُتجدّد في الضفة الغربية. فقد طالب البعض بالتفاوض إلى جانب الفلسطينيين أو بدلاً منهم. ودفع آخرون بموقفٍ أكثر إثارة للجدل حيث أصرّوا على عودة الضفة الغربية إلى الأردن، وهو رفضٌ واضحٌ لسياسة فك الإرتباط التي أعلنها الملك حسين ومعاهدة السلام الإسرائيلية-الأردنية لعام 1994.

لا ينبغي أن تكون هذه المطالبات والدعوات المُتجدّدة مُفاجئة. كانت المواقف الأردنية – والفلسطينية – تجاه الضفة الغربية وقتية تاريخياً، ما خلق حالة من عدم اليقين بشأن المكان الذي تبدأ منه حدود الأردن بالضبط وأين تنتهي المناطق الفلسطينية. ومع ذلك، في حين أن هناك القليل من الأدلة على الدعم الشعبي الكبير لاستعادة الضفة الغربية خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تقويض التوازن الديموغرافي للأردن، فإن الفوضى والإنقسام الفلسطينيَين والتطبيق الوشيك للسيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية قد يؤدي إلى تفاقم المخاوف الأردنية ودَفعِ الملك المُتردّد إلى إعادة تأكيد مطالبة عمّان بالضفة الغربية حفاظاً على استقرار بلاده ومصالحها الوطنية.

السياق التاريخي

في نيسان (إبريل) 1920، قام مؤتمر سان ريمو للسلام، الذي حلّ وقسّم الإمبراطورية العثمانية وأسّس نظاماً إقليمياً جديداً على أنقاضها، بتعيين بريطانيا كدولة إنتداب على فلسطين مع مهمة مُحَدَّدة تتمثّل في تسهيل إنشاء وطن قومي لليهود تماشياً مع إعلان بلفور لعام 1917. تم التصديق على التفويض بعد عامين من قبل عصبة الأمم – التي سبقت الأمم المتحدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

على الرغم من هذه القرارات الدولية، عيَّن البريطانيون، في آذار (مارس) 1921، الأمير عبد الله الأول من الأسرة الهاشمية، نجل الشريف الحسين بن علي الهاشمي أمير مكة الذي قاد “الثورة العربية الكبرى” ضد العثمانيين، حاكماً للمنطقة الواقعة شرق نهر الأردن المعروفة باسم شرق الأردن. وقد أدى هذا فعلياً إلى قطع تلك المنطقة عن الإنتداب البريطاني على فلسطين التي كانت تنتمي إليها رسمياً. في العام 1946، نال شرق الأردن استقلاله مع إعلان عبد الله نفسه ملكاً، وبعد ثلاث سنوات، غيّرت إمارة شرق الأردن اسمها إلى المملكة الأردنية الهاشمية بعد احتلال أراضٍ غرب نهر الأردن، المعروفة منذ العصور التوراتية باسم “يهودا” و”السامرة”، التي كان حدّدها قرار التقسيم الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 كجزء من دولة عربية. كما طالب بالجزء الشرقي من القدس، الذي أعلنه القرار منطقة دولية.

في حين أن هذه الفتوحات كانت أقل بكثير من حلم عبد الله الكبير بإمبراطورية “سوريا الكبرى”، إلّا أنها سمحت له بمضاعفة مملكته الصحراوية ذات الكثافة السكانية المُنخَفِضة من خلال إضافة ما يصل إلى 450,000 عربي فلسطيني إلى 225,000 من البدو وسكان المدن والقرويين وأشباه الرُحّل في شرق الأردن. في 24 نيسان (إبريل) 1950، تبنّى مجلس النواب الأردني، بدعمٍ من عرب الضفة الغربية، قراراً عُرِف بـ “قرار وحدة الضفتين” يؤكد على “وحدة تامة بين ضفَّتي الأردن واتحادهما في دولة واحدة. يترأسها الملك عبد الله بن الحسين على أساس حكومة تمثيلية دستورية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين”.

وهكذا ضمّت عمّان “يهودا” و”السامرة” وأعادت تسميتهما بالضفة الغربية. هذا الإسم الجديد، الذي استُخدِمَ منذ ذلك الحين تقريباً في جميع أنحاء العالم، لم يكن يهدف فقط إلى محو الإرتباط اليهودي الألفي بهذه الأرض، ولكن أيضاً لإزالة التأكيد على هوية فلسطينية فريدة لصالح هوية وطنية أردنية جديدة. ومُنِحَ عرب الضفة الغربية الجنسية الأردنية وحق التصويت. كان عبد الله يأمل في أن يندمج رعاياه الجدد في مجتمع أردني جديد ويتطلعون إليه للدفاع عن مصالحهم وتمثيلها. لكن في العام 1951، اغتيل عبد الله على يد فلسطيني، يُدعى مصطفى شكري عشي، أثناء دخوله المسجد الأقصى في القدس، بسبب الإعتقاد السائد آنذاك بأنه كان يسعى إلى التوصّل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

خلال حرب الأيام الستة في العام 1967، إحتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية. لم يكن الإحتلال الأردني السابق لهذه الأراضي مُعترَفاً به دولياً (باستثناء بريطانيا وباكستان). في تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، دعا قرار مجلس الأمن رقم 242 إلى انسحاب إسرائيل “من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير” في إطار اتفاقية سلام عربية-إسرائيلية وانطوى على عودة الأراضي التي تم إخلاؤها إلى الأردن – مع عدم ذكر الفلسطينيين بالإسم في القرار، لكنه ألمح إليهم بشكل غامض على أنهم مجموعة من اللاجئين.

وهكذا استمرّت عمّان في المطالبة بالضفة الغربية على الرغم من أنها لم تعد قوة محتلة لها. ولكن، مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية في كانون الأول (ديسمبر) 1987 إضطرّ الملك حسين إلى إعادة النظر. في تموز (يوليو) 1988، أعلن خوفاً من امتداد الإضطرابات في الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية وزعزعة استقرار المملكة الهاشمية، أنه بينما سيظل الأردن مُستثمراً في الشؤون الفلسطينية وفي حلّ القضية الفلسطينية، فإنه سيقطع ويُوقف “جميع الإجراءات الإدارية والعلاقات القانونية مع الضفة الغربية واحترام رغبة منظمة التحرير الفلسطينية، المُمثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في الإنفصال عنّا [الأردن] كدولة فلسطينية مستقلة”.

حدود أردنية-فلسطينية غامضة

غالباً ما كانت المواقف الأردنية تجاه الضفة الغربية غامضة ومُربكة. في العام 1948، أكّد الملك عبد الله الأول أن “فلسطين والأردن بلدٌ واحد، لأن فلسطين هي الساحل وشرق الأردن هي المنطقة الخلفية للبلد نفسه”. وبعد خمس سنوات، قال الملك حسين أن القدس الشرقية كانت “العاصمة البديلة للمملكة الهاشمية” وستكون “جزءاً لا يتجزّأ من الأردن”. في 23 آب (أغسطس) 1959، قال رئيس الوزراء الأردني هزّاع المجالي: “نحن حكومة فلسطين وجيش فلسطين ولاجئو فلسطين”.

وفي كلمة أمام مجلس النواب الأردني في 2 شباط (فبراير) 1970، إدّعى الأمير الحسن بن طلال شقيق الملك حسين وولي العهد (1965-1999) أن “فلسطين هي الأردن والأردن هي فلسطين؛ هناك أرضٌ واحدة لها تاريخٌ واحد ومصيرٌ واحد”. بعد عامين أعلن الملك نفسه: “نعتبر أنه من الضروري أن نُوضّح للجميع، في العالم العربي وخارجه، أن الشعب الفلسطيني بنبله وضميره موجود هنا في الضفة الشرقية [لنهر الأردن] والضفة الغربية وقطاع غزة. الغالبية العظمى هنا [في الضفة الشرقية] وليس في أي مكان آخر”. وفي أواخر العام 1981 أعلن أن “الحقيقة هي أن الأردن هو فلسطين وفلسطين هي الأردن”.

من جانبها، وصفت تقارير المخابرات الأميركية من خمسينات القرن الفائت إلى سبعيناته الضفة الغربية ليس بـ”فلسطين” أو “أرض فلسطينية محتلة” بل بـ”ابالضفة الغربية الأردنية” و “الأردن الغربي”. وفي سياق مماثل، في أواخر الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الفائت، صوّرت الصحافة الدولية الضفة الغربية على أنها “الأردن المحتل” وليس “فلسطين المحتلة”. واستمر هذا الوصف حتى في أوائل تسعينات القرن العشرين بعد أن تخلّى الملك حسين رسمياً عن علاقات مملكته بالضفة الغربية في العام 1988. في الوقت الحاضر، يُعترَف عالمياً تقريباً بالضفة الغربية والقدس الشرقية على أنهما “أراضٍ فلسطينية محتلة” وليستا جزءاً من الأردن.

مُطالبات أردنية مُجدّداً بعد العام 1988

لا يُريد معظم صانعي السياسة وغالبية الأردنيين صُداعَ استئناف دورهم السابق في الضفة الغربية. ترفض السياسة الأردنية الرسمية أي دورٍ مُتجدّد ينتهك سياسة فك الإرتباط التي انتهجها الملك حسين في العام 1988 ومعاهدة السلام المُبرَمة في تشرين الأول (أكتوبر) 1994 مع إسرائيل، والتي أكّدت أن الحدود الأردنية-الإسرائيلية الدولية تشمل القطاعات التالية: نهر الأردن ونهر اليرموك والبحر الميت ووادي عربة وخليج العقبة.

من خلال الإعتراف المُتبادَل وإنهاء القتال، سعت المعاهدة إلى إنهاء الإقتراحات بأن الأردن يُمكن أن يصبح دولة فلسطينية بديلة. وبدلاً من ذلك، أيّدت المملكة حلّ الدولتين، حيث يعيش الإسرائيليون في سلام وأمن إلى جانب دولة فلسطينية مُستقلّة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.

على الرغم من هذه السياسة الرسمية، خلال العقد الماضي، طعن عددٌ من الأردنيين في الرأي القائل بأن المملكة لا ترغب في استعادة الضفة الغربية، حتى أن البعض رفض سياسة فك الإرتباط باعتبارها غير دستورية. لقد انتقد هؤلاء القيادة الفلسطينية باعتبارها غير قادرة على تأمين حقوق شعبها وجادلوا بأن على عمّان أن تستأنف التفاوض بشأن مصير الضفة الغربية. وحثّ آخرون على إعادة الضفة الغربية إلى الأردن. وعلى الرغم من أن هذه الآراء تُمثّل الأقلية، إلّا أنها ليست هامشية، كما هي من قبل سياسيين وأكاديميين وصحافيين. فهذه الأقلية تُجادل بأنه فقط من خلال القيام بإعادة الضفة الغربية يُمكن للأردن حماية سيادته واستقراره الداخلي مع الدفاع أيضاً عن الحقوق الفلسطينية والقضية الوطنية.

وهكذا، على سبيل المثال، في أيار (مايو) 2010، نشرت الصحيفة الإلكترونية “المدينة الإخبارية” مقالاً إفتتاحياً أعلنت فيه بأن الأردنيين والفلسطينيين شعبٌ واحد، وحثّت من خلاله على عودة الضفة الغربية إلى الحكم الهاشمي كوسيلة لتعزيز شرعية المنطقة وقدرتها على التحرّر بقرارٍ دولي مهما طال الوقت. كما نشرت وكالة الأنباء الأردنية “جراسا الإخبارية” مقالاً في حزيران (يونيو) 2010 بعنوانٍ استفزازي: “الضفة الغربية أرضٌ أردنية ومواطنوها أردنيون. وليمتد الأردن من المحيط إلى الخليج”. وقد صرّح كاتب المقال، سميح عجرمة، أن الضفة الغربية لا يُمكن أن تكون إلّا جزءاً من الأردن لأنه بعد توحيد ضفّتي نهر الأردن في العام 1950، أصبحت هذه الأرض “أرضاً أردنية خالصة لا فرق بينها وبين شمال ووسط وجنوب الأردن، وبالتالي أصبح مواطنوها أردنيين”.

في نيسان (إبريل) 2011، وصف الشيخ حمزة منصور، الأمين العام ل”جبهة العمل الإسلامي”، الضفة الغربية بأنها أرضٌ أردنية – وليست فلسطينية – وبعد ثلاثة أشهر نشر الصحافي رومان حداد مقالاً بعنوان “أنا لستُ خائنا … لكن الضفة الغربية أردنية”. في ادعائه يقول أن قراري الأمم المتحدة 242 و338، الصيغتان المُعترَف بهما دولياً والقائمتان على مبدأ الأرض مقابل السلام، يَعتبران الضفة الغربية أرضاً أردنية مُحتلّة، ما يجعل الأردن الدولة الوحيدة المُخوَّلة التفاوض مع إسرائيل بشأن إعادة هذه الأراضي.

في نيسان (إبريل) 2012، نشر الكاتب والأستاذ القانوني محمد سليمان الخوالده مقالاً كتب فيه إنه وفقاً للدستور الأردني، فإن المملكة الهاشمية تضمّ الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن، الأمر الذي يجعل سكانهما أردنيين. لذلك قال: “إن قرار فك الإرتباط لعام 1988 ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية غير دستوريَين”.

في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، ألقى ولي العهد السابق، الأمير الحسن بن طلال، قنبلةً بقوله لجمهورٍ فلسطيني في نابلس أن الأردن لم يتخلَّ قط عن مُطالبته بالضفة الغربية، وأن الأرض ظلّت جزءاً لا يتجزّأ من المملكة الهاشمية: “الوحدة التي كانت قائمة بين الضفتين الغربية والشرقية لمدة 17 عاماً … يُمكن القول إنها من أفضل محاولات الوحدة التي حدثت على الإطلاق في [العالم] العربي … آمل ألّا أعيش لأرى اليوم الذي سيكون على الأردن، أو المملكة الأردنية الهاشمية، التنازل عن الأرض التي احتلها الجيش الإسرائيلي في العام 1967 … هذه الأراضي … بما فيها القدس الشرقية، وُعِدنا بها، واليوم نتحدّث عنها كمنطقة (C)”.

من الواضح أن الأردنيين فقدوا وجودهم المادي في الضفة الغربية بعد احتلال إسرائيل لها في العام 1967، لكن تعليقات الأمير تُشير في ما يبدو إلى أن المملكة كانت مُلزَمة أخلاقياً وقانونياً باستعادة الضفة الغربية. من دون ذكر الفلسطينيين بالإسم، ألمح الحسن أيضاً إلى أن على عمّان أن تُحقّق هذا الهدف حتى لو كان ذلك يعني تقويض منظمة التحرير الفلسطينية.

في أيار (مايو) 2015، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأردني، هايل عبد الحفيظ داوود، أن “الأردن وفلسطين جسدٌ واحد بروح واحدة”. وبعد عام، أعلن رئيس الوزراء الأردني السابق، عبد السلام المجالي، بصراحة أن الفلسطينيين ليسوا “مؤهّلين بالكامل لتحمل مسؤولياتهم، خصوصاً في المجال المالي”، وأن كونفيدرالية أردنية-فلسطينية تبقى الحل الأمثل، رُغم أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وفي أيار (مايو) 2016 أيضاً، قام النائب الأردني محمد الدوايمة بزيارة الخليل لاستكشاف إمكانية قيام كونفيدرالية أردنية-فلسطينية. سعت المبادرة إلى تعزيز الروابط بين الأردنيين والفلسطينيين سعياً وراء دور أردني أكبر في الشؤون الفلسطينية.

في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، جادل جواد العناني، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني السابق، بأنه منذ دستور العام 1952 يُحظَّر التنازل عن أيِّ أرضٍ أردنية، ولا يُمكن تفسير فك الإرتباط إلّا على أنه تفويضٌ من عمّان لمنظمة التحرير الفلسطينية “للعمل نيابة عنها في الشؤون القانونية والإدارية في الضفة الغربية”. وجادل عناني بأن قراري الأمم المتحدة 242 و338 حددا الضفة الغربية كأرضٍ أردنية مُحتَلّة، مما جعل عمّان الطرف الوحيد المُفوَّض للتفاوض مع إسرائيل بشأن عودتها.

في كانون الثاني (يناير) 2018، قال كامل أبو جابر، عضو مجلس الشيوخ الأردني ووزير الخارجية السابق، للتلفزيون الأردني إن فك ارتباط الملك حسين كان حيلة تكتيكية لا تُمثّل قطيعة سياسية أو دينية مع الفلسطينيين، وأن الأردن “لم يتخلّ عن السيادة على الضفة الغربية “. وقد تردّد صدى هذا التأكيد بعد شهرين في مقالٍ بقلم الكاتبة والإعلامية الأردنية نرمين مراد، زعمت فيه أنه في حين أن قرار الملك حسين منح الفلسطينيين فرصةً لاستعادة حقوقهم قد يكون صحيحاً في ذلك الوقت، فإن الفلسطينيين فشلوا في هذه المهمة، وتهميش الأردن كان خطأ فادحاً.

في نيسان (إبريل) 2018، دعا رئيس الوزراء الأردني الأسبق، طاهر المصري، إلى حلّ السلطة الفلسطينية واستقالة رئيسها محمود عباس. بعد ثلاثة أشهر، قال النائب الأردني، محمد الزهراوي، إن قرار الملك حسين بفك الإرتباط لم يُبطِل مُطالبة الأردن القانونية بالضفة الغربية. في الواقع، على الرغم من التعديلات التي أُدخلت على الدستور الأصلي أخيراً في العام 2016، لم يتم تعديل هذا البند، وهو ما يطعن في قانونية تخلّي عمّان عن جميع الروابط مع الضفة الغربية. وسخر الزهراوي من الزعماء الفلسطينيين ووصفهم بأنهم “أحداث” لفشلهم في تحقيق أهدافهم، وزعم أن “جميع الأراضي الأردنية [أي بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية] يجب أن تندرج تحت الراية الهاشمية، وهو مصدر فخر لنا جميعاً”.

في آب (أغسطس) 2018، وصف وليد محمد السعدي، السفير الأردني السابق ورئيس التحرير السابق لصحيفة “جوردان تايمز”، الحقوق القانونية للمملكة الهاشمية بأنها الوصي على الأماكن المُقدّسة في القدس الشرقية. وبذلك، استند هو أيضاً إلى القرار رقم 242. واختتم السعدي بدحض أولئك الذين يزعمون أن الأردن قد تخلّى عن حقوقه القانونية في الضفة الغربية: “أُقِرَّت وحدة الضفة الغربية مع الضفة الشرقية رسمياً ودستورياً في 24 نيسان (إبريل) 1950. ولا أحد يُجادل في هذه الحقيقة. كان دستور البلاد في وقت [تخلي الملك حسين عن مطالبة الأردن بالضفة الغربية] هو دستور العام 1952، الذي نص بعبارات لا لبس فيها على عدم التنازل عن أي جزء من المملكة”.

مخاوف أردنية

يخشى الأردنيون من أن الحلّ السياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي لا يتضمّن حلّ الدولتين و”حق العودة” يُهدّد استقرار المملكة. ربما تُفضّل السلالة الهاشمية وسكان شرق الأردن رؤية دولة فلسطينية مستقلة وممارسة “حق العودة” على أمل إقناع الملايين من الأردنيين من أصل فلسطيني بمغادرة المملكة إلى فلسطين جديدة. مثل هذا النزوح من شأنه أن يقلب التوازن الديموغرافي من الناحية النظرية لصالح الأقلية البدوية – الدعامة الرئيسة للنظام الهاشمي – والتي يَعتبر معظم أفرادها أنفسهم بأنهم “الأردنيون الحقيقيون”.

أدت التطورات المُتغيرة بسرعة بين إسرائيل والفلسطينيين والولايات المتحدة إلى تفاقم المخاوف الأردنية. في 2004-2008، ألغت عمّان جنسية آلاف الفلسطينيين في الأردن وألغت جوازات سفر أولئك المُنتمين إلى منظمة التحرير الفلسطينية، مبررةً الخطوة المُثيرة للجدل بأنها تهدف لدرء الخطط الإسرائيلية المُحتَملة لنقل فلسطينيي الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية.

اليوم، لدى الأردنيين أسباب أكثر للذعر. بعد أكثر من ربع قرن، فشلت الحركة الوطنية الفلسطينية، من خلال مزيج من الديبلوماسية والإرهاب، بكل المقاييس. لقد فشلت في تدمير إسرائيل، وإنهاء السيطرة الإسرائيلية على جزء كبير من الضفة الغربية، وإقامة دولة مستقلة. ويبدو حلّ الدولتين على نحو متزايد بعيد المنال، ليس أقله إصرار الفلسطينيين على “حق العودة” – وهي الكلمة الرمزية العربية للتغيير الديموغرافي لإسرائيل – وهو أمر غير قابل للنقاش مطلقاً بالنسبة إلى الإسرائيليين.

كما عززت المقترحات الإسرائيلية الأخيرة بشأن الضفة الغربية المخاوف الأردنية. في الفترة التي سبقت الإنتخابات البرلمانية في أيلول (سبتمبر) 2019 وآذار (مارس) 2020، تعهّد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والأحياء والأراضي المحاذية لإسرائيل في الضفة الغربية إذا أُعيد انتخابه، مؤكداً أن لإسرائيل “الحق الكامل” في القيام بذلك حتى في تحدٍّ للرأي الدولي. يُمكن لمثل هذه الخطوة أن تُنهي احتمالات قيام الأردن بإعادة تأكيد السيادة على الضفة الغربية وقد تدفع الأردنيين من أصل فلسطيني إلى الإصرار على المساواة الكاملة في المملكة، لا سيما في القطاعين العام والتعليمي، حتى لو تم إنشاء دولة فلسطينية في جزء من الضفة الغربية. مثل هذا السيناريو من شأنه أن يتحدّى بشدة الحكم الهاشمي.

أدّى العديد من السياسات التي انتهجتها إدارة دونالد ترامب إلى تفاقم المخاوف الأردنية، بما فيها الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والإعلان عن “صفقة القرن” التي تفرض عقوبات على ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية في إطار سلام فلسطيني-اسرائيلي. وسط كل هذا، قد يؤكد بعض الأردنيين أنه لم يعد بإمكانهم البقاء سلبيين على الهامش ويجب عليهم استئناف دور أكبر في الضفة الغربية لحماية مصالحهم والدفاع عنها في منطقة غير مستقرة والتي يتزايد فيها عدم اليقين.

كما يشعر بعض الفلسطينيين بالإحباط من الإسرائيليين والإنقسام الفلسطيني والسياسة الأميركية، وقد دعوا إلى إعادة الجنسية الأردنية إلى جميع سكان القدس الشرقية. وعلى الرغم من عدم وضوح عدد سكان الضفة الغربية الذين يرغبون في استعادة الجنسية الأردنية، فإن هذا الطلب يكشف عن تفضيل الأردن على إسرائيل. لا يبدو أن عمّان حالياً حريصة على قبول هذا الطلب. لسبب واحد، إذا حصل الفلسطينيون في القدس الشرقية على الجنسية الأردنية، فقد يُقوّض ذلك المطالب بدولة فلسطينية مستقلة غرب نهر الأردن.

ومع ذلك، من خلال تجديد مطالباتهم بالضفة الغربية، يسعى الأردنيون إلى تعزيز تصوّر الوحدة التاريخية لكلا ضفتي نهر الأردن. وكما كتب صحافي أردني، فإن هذه الوحدة لم “تنتهِ في العام 1967 مع الاحتلال، ولا بقرار قمة الرباط في العام 1974، ولا بفك الإرتباط في العام 1988، ولا بإقامة السلطة الفلسطينية في العام 1993، وهي مستمرة حتى اليوم”. بالتالي، قد تكون الادعاءات الأردنية المُتجدّدة بمثابة بالونات اختبار لقياس المواقف الفلسطينية تجاه المملكة، فضلاً عن كونها أداة مُفيدة للترويج لرواية مفادها أن الأردن – وليس منظمة التحرير الفلسطينية – لديه أفضل فرصة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والسماح للفلسطينيين بحق تقرير المصير. يُمكن التعبير عن هذا الحق، ربما من طريق الإستفتاء، من خلال لَمّ الشمل مع الأردن كما كان قبل العام 1967، أو من خلال نظام فيدرالي أو كونفيدرالي، أو من خلال دولة مستقلة. وفقاً لذلك، قد يسعى الأردن أيضاً إلى تعزيز الفلسطينيين الموالين للمملكة استعداداً للتطورات السياسية الرئيسة في الضفة الغربية، سواء كانت بمبادرة تُفرض من الفلسطينيين أو الإسرائيليين أو واشنطن.

الآفاق والتوقعات

كانت المغازلة الأردنية لاستعادة الضفة الغربية أو استئناف دور ديبلوماسي بدلاً من القيادة الفلسطينية أو إلى جانبها غير واردة قبل أكثر من عقد بقليل. لكن هذا لا ينبغي أن يكون مفاجأة. لطالما كانت المملكة مُرتبطة ارتباطاً وثيقًا بالأرض الواقعة غرب نهر الأردن، وستواصل السعي إلى الحصول على حصة في أي تسوية مُستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في الواقع، يعتقد بعض الأردنيين أن استعادة دورهم في الضفة الغربية قبل العام 1988 هو مصلحة وطنية استراتيجية ومفتاحٌ لمنع المملكة من أن تصبح وطناً فلسطينياً بديلاً.

ومع ذلك، في حين أن الإحباط الأردني تجاه منظمة التحرير الفلسطينية قد يكون حقيقياً، فمن المشكوك فيه أن يسعى الأردن إلى استبدال المنظمة وإلغاء اعتراف قمة الرباط في العام 1974 بها كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين. بالنظر إلى عقود من الدعم العربي والإلتزام الصريح للفلسطينيين لتقرير مصيرهم، فمن غير المرجح أن القادة العرب سيُغيّرون ولاءاتهم قريباً من محمود عباس إلى الملك عبد الله. على هذا النحو، من المُرجّح أن يظل الموقف الأردني الرسمي هو دعم منظمة التحرير الفلسطينية وحلّ الدولتين.

كما أنه من غير المتوقّع أن يتمكّن الأردن، حتى لو أراد ذلك، من استعادة الضفة الغربية. إن المملكة فقدت هذه المنطقة في المرة الأخيرة التي شنت فيها حربا كاملة ضد إسرائيل. إنه ببساطة ليس خياراً قابلاً للتطبيق. وبعد عقود من المفاوضات الفاشلة والعديد من نوبات العنف والإرهاب على نطاق واسع، لا توجد أدلة كافية تشير إلى أن الجهود الديبلوماسية المُتجدّدة يمكن أن تُقنع الإسرائيليين بالتخلّي عن الأراضي التي سيطروا عليها لأكثر من نصف قرن. وبالتالي، يبدو أن المطالبات المُتجددة رمزية وليست انعكاساً لتغييرٍ في سياسة الحكومة.

لكن الواضح هو أن مثل هذه المزاعم من المُرجّح أن تخلّ بالتوازن الدقيق للعلاقات الأردنية-الفلسطينية وتُجبر الملك عبد الله على تهدئة الشكوك الفلسطينية المُتجدّدة حول مصلحة الأردن في السيطرة على حركة الفلسطينيين الوطنية، واستعادة السيطرة على الضفة الغربية، ومنع تأسيس وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومن هنا جاء ردّه الحاد للغاية على بسط السيادة الإسرائيلية على أجزاءٍ من الضفة الغربية خوفًاً من أن تدفع مثل هذه الخطوة الفلسطينيين إلى الهروب إلى الأردن وزعزعة استقرار المملكة.

  • مايكل شارنوف هو أستاذ مشارك في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، وهو مؤلف كتاب “سلام عبد الناصر: رد مصر على حرب 1967 مع إسرائيل”. الآراء الواردة في هذا المقال تُمثله وهي خاصة به.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى