الإقتصاد الأردني مريضٌ جداً يحتاج إلى عملية جراحية لا إلى مُسكّنات خليجية

دفع القلق من الإحتجاجات الشعبية ضد الغلاء والضرائب في الأردن، حلفاء عمّان في الخليج إلى تقديم دعم إقتصادي بقيمة 2.5 ملياري دولار، إلا أن محللين عديدين يرون أن ذلك ليس “حلاً سحرياً” للأزمة والتحديات التي تمر بها المملكة.
وقد شهدت المملكة الهاشمية لنحو أسبوع إحتجاجات شعبية سلمية في معظمها شارك فيها الآلاف، وإنتهت أخيراً بعد إستقالة رئيس الوزراء هاني الملقي، وتعهّد رئيس الوزراء المكلف عمر الرزاز بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل الذي كان أثار غضب الشارع.

رئيس الحكومة الجديد علي الرزاز: هل يستطيع إنقاذ الإقتصاد؟

عمّان – ليلى الشامي

عندما إندلعت الإحتجاجات الأخيرة في الأردن، وضعت المملكة اللوم بالنسبة إلى سوء الأداء الإقتصادي وقرار الإصلاح الضريبي المثير للجدل على تدابير التقشف المطلوبة من صندوق النقد الدولي وإنخفاض المعونة الخارجية.
لكن في الواقع، كما يقول المحللون، كان الإقتصاد على مدى عقود يُدار بشكل سيّئ، في حين لا تزال مبالغ كبيرة من الإنفاق الحكومي غير معروفة وتُعتبَر من أسرار الدولة.
إن نظرة سريعة على الأرقام الرئيسية توضّح الأسباب التي أثارت الإحتجاجات على فرض ضريبة الدخل الجديدة ورفع الأسعار والتي إستمرت أكثر من أسبوع على الرغم من إستقالة الحكومة ورئيس الوزراء.
وفقاً لبيانات دائرة الإحصاءات العامة التي صدرت في الأسبوع الفائت، فقد بلغت البطالة أعلى مستوى لها منذ 25 عاماً ووصلت إلى 18.4 في المئة، مرتفعةً إلى 24.1 في المئة بين خريجي الجامعات – وهذه التقديرات مُتحفِّظة.
علاوة على ذلك، تضاعف التضخم منذ العام 2006، مما رفع تكلفة السلع اليومية. في نهاية أيار (مايو) الفائت، أعلنت “وحدة إيكونوميست إنتليجنس” (Economist Intelligence Unit) أن عمّان هي أغلى مدينة في العالم العربي والمدينة 28 الأغلى في العالم.
وتقول نقابات العمال أن الحد الأدنى للأجور البالغ 220 ديناراً أردنياً (310 دولارات) في الشهر يقلّ بمقدار الثلث عن المبلغ المطلوب للحصول على رزق.
وصرّح الملك عبد الله الثاني للصحافة أخيراً بأن هناك “فشلاً وتقاعساً يتحمّلهما بعض المسؤولين في ما يتعلق بصنع القرار” ، وأن “العالم لم يتحمل مسؤولياته بالكامل” من خلال خفض المساعدات على الرغم من أن المملكة تستضيف ما يقرب من مليون شخص من اللاجئين السوريين.
كما أقرّ بأن الإصلاحات الضريبية، وهي من شروط صندوق النقد الدولي التي ظلت مُعلَّقة لسنوات، قد تم تسويقها إلى الناس بشكل سيىء. كانت دول الخليج من المانحين الرئيسيين للأردن على مر السنين، لكنها قلّصت التمويل، لا سيما المملكة العربية السعودية المجاورة والإمارات العربية المتحدة، قبل أن تعود أخيراً لتمنحه 2.5 ملياري دولار لمواجهة الإضطرابات الأخيرة.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن السبب والنتيجة اللذين أثّرا في الإقتصاد الأردني أكثر تعقيداً بعض الشيء.
“جميع السياسات التي إتخذها الأردن لم يكن مُجبراً على القيام بها. صحيح أنه يعيش في جوار إقليمي قاس، ولديه الكثير من اللاجئين (السوريين)، ولكن رغم كل ما ذكرناه، فإن المشاكل كانت موجودة قبل وصول اللاجئين بوقت طويل أو هرب المال الإماراتي”، قال بيت مور، الأستاذ المساعد ومدير الدراسات العليا في جامعة “كايس ويسترن ريزيرف” في الولايات المتحدة. مضيفاً بأن “جزءاً مهماً من الرواية هو أن النخبة السياسية الأردنية قد أوقعت نفسها بنفسها”.

سبب ونتيجة مُربِكان

صحيح أن المساعدات للأردن قد إنخفضت. إن المنح الأجنبية، التي تُعادل 2.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، تدنّت بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي في العام 2017 ، وفقاً لما ذكرته وكالة “ستاندارد آند بورز”.
في غضون ذلك، إضطرت البلاد إلى الذهاب إلى أسواق المال الدولية لتمويل الديون، والتي إرتفعت من 67.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010، إلى 95.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017، وفقاً ل”كابيتال إنتليجنس للتصنيف” (Capital Intelligence Ratings). وقد إرتفع الإقتراض الدولي من ثلاثة في المئة من دين الحكومة المركزية في العام 2012، إلى 21.9 في المئة في العام 2017.
لكن هذه المشاكل ليست حديثة العهد – وهي ليست كلها مرتبطة بالمساعدات الأجنبية، كما يقول مور: “يحاول الديوان الملكي جعل الأمر يبدو وكأن صندوق النقد الدولي، أو أن السعوديين أو الإماراتيين يضغطون على الأردن، لكن هذا يخلط بين السبب والنتيجة”.
“إن السبب مرتبط بشكل أساسي بسياسات الديوان الملكي منذ ثمانينات القرن الفائت، وإلى الإنفاق العسكري الضخم في عهد الملك حسين. من حيث نصيب الفرد، قام النظام بشكل أساسي بتحويل الأموال نحو الجيش، وبالتعتيم على الإنفاق المالي، وهو أحد المحركات الرئيسية للأزمة الاجتماعية والاقتصادية “، على حد تعبير مور.
وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد إستأثر الجيش في العام 2017 بنسبة 15.8٪ من الإنفاق الحكومي و4.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أحد أعلى المعدلات في منطقة تتمتع ببعض أعلى الإنفاق العسكري في العالم.
في حين تم وضع الإنفاق العسكري في الموازنة رسمياً في حدود 1.87 مليار دولار، مع حوالي 350 مليون دولار سنوياً تموّلها الولايات المتحدة، لم يتم الكشف عن المبلغ الإجمالي الذي أنفقته القوات المسلحة، ومديرية المخابرات العامة في البلاد – والديوان الملكي. الواقع أن الإنفاق العسكري في الأردن هو سري جداً إلى حدّ أنه لا توجد فيه حتى وزارة دفاع.
ويقول زياد أبو الريش، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة أوهايو، والمحرر المشارك في “جدلية”، وهو أيضًا أردني، إن هذا الافتقار إلى الشفافية هو الذي جعل تدابير التقشف والزيادات الضريبية أمراً صعباً للتقبّل من الكثير من الأردنيين.
“إن الحجة القائلة بأن هناك عجزاً في الموازنة وعليك خفض الإنفاق تجعل الأمر يبدو بريئاً أكثر مما هو واقع الأشياء. لا نعرف ما تبدو عليه الموازنة بالفعل لتحديد ما إذا كانت هذه هي التخفيضات اللازمة لأننا لم نتعرف أبداً على النسبة المئوية التي يمثّلها إنفاق المؤسسات العسكرية والملكية في موازنة الدولة، وكيف يتم إستخدام هذه الأموال. ويجب أن أكون واضحا: نحن كمواطنين أردنيين لا نملك الجرأة على مناقشة هذه الأمور، وفي بعض الأحيان يتم تجريمنا إذا فعلنا ذلك”، قال أبو الريش.
“لذا فإن فكرة قطع شبكة الأمان في الوقت الذي تزيد البطالة والفقر، وتنخفض القوة الشرائية، لا يوجد لها معنى بالنسبة إلى السكان”، على حد قوله.

حقيبة مختلطة من الإصلاحات

بينما ظلّ الإنفاق العسكري مرتفعاً، فقد إنخفض الإنفاق على القضايا الإجتماعية والإقتصادية، وكذلك لدى مصادر التمويل الحكومي بعد أن نفّذ الأردن مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي ليتماشى مع تعزيز التجارة الحرة والسياسات النيوليبرالية لمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وكانت الرسوم الجمركية تشكل واحدة من أكبر عائدات الحكومة، ولكن تم تخفيضها إلى حد كبير، في حين أثّرت سياسات الإعفاء الضريبي لجذب الإستثمار الأجنبي أيضاً على موازنة البلد.
“بينما تتذمّر الجكومة من خسارة الأموال السعودية والإماراتية، يُمكنك أن ترى في سماء عمّان مشروعاً عقارياً راقياً يُدعى “بوابة الأردن، المُموَّل من الإمارات العربية المتحدة، لا يدفع أي ضرائب، وقد تم بناؤه من قبل عمالة غير أردنية”. قال مور.
كما أشار إلى مناطق التجارة الحرة التي أُنشئت في أوائل العقد الأول من القرن العشرين والمعفاة من الضرائب والمناطق الصناعية المؤهلة التي تصنع ملابس بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً، لكنها مملوكة في غالبيتها لشركات من جنوب شرق آسيا، إستقطبت 56,000 عامل وموظف، 30 في المئة فقط هم من الأردنيين.
علاوة على ذلك، هناك 800 ألف عامل مهاجر في البلاد – أقل بقليل من 10 في المئة من السكان – مما يفيد أرباب العمل والشركات الصغيرة بسبب الأجور المنخفضة، لكنه لا يقلل من البطالة، كما يقول طارق التل، أستاذ السياسة الأردني في الجامعة الأميركية في بيروت.
وأضاف التل أن القطاع المصرفي في البلاد مملوك للمصالح السعودية، التي تدير الدين العام، في حين تمت خصخصة واحدة من أكبر الشركات التي تدر العملة الأجنبية على البلاد، وهي صناعة الفوسفات، مما حرم المملكة من الدخل الطويل الأجل.

معاقبة الطبقة الوسطى

ما هو ملحوظ بشكل خاص في الإحتجاجات الأخيرة هو أنه على خلاف الماضي، فإن المظاهرات الحالية قد قادتها النقابات المهنية وشاركت فيها الطبقة المتوسطة.
“سيشكّل قانون الضرائب الجديد، إذا لم يُلغَ كما وعد رئيس الحكومة الجديد- ضغطاً على الأشخاص الذين يتقاضون بين 1000 دينار (1410 دولار) إلى 1500 (2100 دولار) في الشهر، في حين أن فئة رجال الأعمال لن تدفع أي ضرائب بشكل أساسي. هناك العديد من الثغرات التي يمكن إغلاقها، ولكن بدلاً من ذلك يتم معاقبة الطبقة الوسطى، وهذا هو السبب في تحركهم”، يقول مور.
الواقع أن وراء دعوات المتظاهرين لتجميد الإصلاحات الضريبية هو الغضب من الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة المالية. “إن إدّعاء المُحتجّين بأن الفساد هو قضية جوهرية صحيحٌ ودقيقٌ للغاية. لقد كان هناك الكثير من الأموال التي تذهب من وإلى الأردن، سواء رأس المال العراقي، أو مساعدات التنمية، أو الأموال الأميركية، والكثير منها لم يستفد منها الأردنيون العاديون”، قال مور.
إحتل الأردن المرتبة 59 من بين 180 دولة في مؤشر إدراك الفساد لعام 2017 الخاص بالشفافية الدولية. “الناس يعتقدون أن هناك فساداً واسع النطاق، وأن عائلة الملكة رانيا فاسدة”، قال التل.
ما لم يتم تنظيف مثل هذا الفساد وتكون هناك شفافية أكبر في الموازنة، فإن زيادة الضرائب – بغض النظر عن مدى الحاجة لموازنة سجلات المحاسبة- سيكون من الصعب تسويقها.
“هناك شعور بسوء إدارة التمويل الآتي إلى البلد، ومع ذلك فهم يفرضون الضرائب على أفقر الناس؟ هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية حول النظام الضريبي لأنه يخفف من المخاوف من الفساد، ويناقش الأموال الواردة”، قال ليات شيتريت، المستشار الأقدم لبرنامج النزاهة المالية في المركز العالمي للأمن التعاوني، في عمّان.
“تعالج الحكومة الأردنية العلاقات مع المانحين، ولكنها ليست مُنَسَّقة كما يجب أن تكون. القلق هو أنه لا توجد رؤية حول البرامج التي يجري تنفيذها، وأن أموال المانحين يمكن أن تكون إزدواجية”، على حد قوله.
من هو المسؤول؟
في الأجل القريب، تُعتبر الحكومة الجديدة مناورة إنحرافية هدفها تغيير اللوم وإبعاده عن القصر الملكي.
يقول أبو الريش: “على مدار 25 عاماً، تدّعي كل حكومة جديدة أنها ستصلح الاقتصاد، لذا إذا كانت لدينا أعلى نسبة بطالة خلال 25 عاماً، فإن هذه الإصلاحات كانت فشلاً كاملاً، فمن هو المسؤول عن ذلك؟”.
نحن بحاجة إلى الإعتراف بوجود نظام ملكي يتمتع بتركيز كبير من السلطة السياسية، ويمكن لمجلس الوزراء أن يأتي ويذهب بإرادة الملك. لقد كان الديوان الملكي هو الذي قرر من ينبغي أن يكون في الحكومة، وقد جلب (رئيس الوزراء) هاني الملقي وجماعته إلى الحكومة، وأخرجهم منها، وهو الآن جلب مجموعة جديدة إليها.
الحكومة الجديدة هي السابعة منذ تولي الملك عبد الله السلطة في العام 1999، والثانية منذ أن حلّ الملك البرلمان في العام 2016.
رئيس الوزراء الجديد، عمر الرزاز، هو من خريجي جامعة هارفرد ومسؤول سابق في البنك الدولي. ومن المتوقع أن يتبع استراتيجية اقتصادية مماثلة للحكومات السابقة.
يقول رياض الخوري، مدير قسم المخاطر السياسية في الشرق الأوسط في “جيو إيكونوميكا” (GeoEconomica GmbH) في عمان، إن الأردن يعاني من الديون بسبب الفساد وعدم الكفاءة.
“هل سييستطيع رئيس الوزراء الجديد حلّ كل هذه المشاكل؟ كلا. إن الإجراءات التي سيقدمها ستكون هي نفسها”، حسب قوله، مضيفًا: “أعتقد أن قانون ضريبة الدخل سيمرّ، ولكن بدلاً من أن يتم إدخاله على كتلة سيتم إنجازه بشكل جزئي وخطوة خطوة، ولن يتم دفعه جهارة أمام أعين الناس”، وذلك رغم وعد رئيس الحكومة الجديد بإلغائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى